مأساة الزلزال.. من لأحرار سوريا؟
دكتاتور يقتل شعبه ويقصفهم بالبراميل والكيماوي ويهجرهم ويحاصرهم، فجأة ضرب هذا الشعب زلزال. ماذا فعل العالم مع الدكتاتور؟ عزوه وأرسلوا له المساعدات.
يوم الاثنين الماضي أي منذ أسبوع مضى، ضرب زلزال مدمر كلاً من تركيا وسوريا، يقول الخبراء: إن الأثر التدميري له يعادل ألفي قنبلة نووية من التي ألقيت على هيروشيما عام 1945.
أسفرت هذه الكارثة عن مصرع عشرات الآلاف فضلاً عن مئات الآلاف من المصابين وملايين المشردين، وهدمت آلاف المنازل.
ولكن فوجئ العالم أن الأنظار والأنباء وأعمال المساعدة والإنقاذ والإغاثة القادمة من الدول والمنظمات تتجه إلى تركيا، والمناطق التي يسيطر عليها بشار الأسد في سوريا، بالرغم من أنها الأقل تضررًا في سوريا، بينما المناطق التي يسيطر عليها أحرار سوريا وبعيدة عن تحكم بشار الأسد تضج بالاستغاثة وما من مجيب إلا شذرًا، بالرغم من أنها الأكثر تضررًا بالزلزال.
وفق الإحصائيات فإن 85% من مبانيها قد تضرر، منها 65% أصبحت غير صالحة للسكن لأنها على وشك الانهيار، و25% انهارت تمامًا، وهذا أدى إلى نزوح سكانها البالغ عددهم ستين ألفًا ليصبحوا مشردين بلا مأوى.
علمًا بأن نسبة المناطق السورية والتي تم تحريرها من بشار الأسد تبلغ أكثر من 10% من مساحة سوريا، تمتد على كامل محافظة إب، وريف حلب الشمالي (وهي المناطق الأكثر تضررًا بالزلزال ويقطنها قرابة 4 ملايين سوري هم سكان محافظات الشمال يتأرجحون بين الموت تحت الأنقاض أو التجمد في ظل البرد القارس بينما يفتقرون للحدود الدنيا من البنية التحتية والصحية والمدنية التي تسعفهم في مواجهة هذا الدمار)، فضلاً عن منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة، كما تضم الحسكة ومنطقتي الزكف والتنف جنوب شرق البلاد، أي ما يقارب 20 ألف كم مربع، وهو ما يساوي ضعف مساحة لبنان تقريبًا.
تشير الإحصائيات أن هناك مائة ألف نازح من بيوتهم في إدلب وريف حلب الشمالي، وبعد مرور أسبوع من الزلزال وبالرغم من الظروف الجوية الصعبة فإنه لم يدخل من شاحنات المساعدة إلا أربعة وعشرون شاحنة فقط.
وبالنسبة لجرحى الزلزال، فإن الأحوال المزرية لا يمكن وصفها في المستشفيات التي تستقبلهم.
فنقص المستلزمات الطبية المستهلكة أصلاً من جراء القصف الروسي والنظام، فضلاً عن تصدع عدد من مباني المستشفيات نتيجة للزلزال.
ففي مدينة جنديرس في ريف حلب الشمالي على سبيل المثال، هناك أحياء كاملة تم تسويتها بالأرض، ووفق الإحصائيات فإن 85% من مبانيها قد تضرر، منها 65% أصبحت غير صالحة للسكن لأنها على وشك الانهيار، و25% انهارت تمامًا، وهذا أدى إلى نزوح سكانها البالغ عددهم ستين ألفًا ليصبحوا مشردين بلا مأوى.
فإذا كان هذا يحدث في مدينة صغيرة واحدة، فماذا يحدث في باقي مدن شمال غرب سوريا المتضررة.
فلماذا هذه التفرقة؟ التي وصلت إلى حد أن تعلن الأمم المتحدة نفسها أنها فشلت في إيصال المساعدات إلى الشمال السوري.
وإذا كنا نلتمس العذر لتركيا لأن حجم الكارثة والمتضررين منها يفوق الآخرين بعشرات المرات، فلغة الأرقام تقول: إن تركيا هي الأكثر تأثرًا بالزلزال المدمر، فأعداد الضحايا ربما يتجاوز أربعة أضعاف ما هي عليه في الشمال السوري، فما بال الدول والمنظمات والمنوط بها تقديم الإغاثة والمساعدات تتجاهل المناطق المحررة من سوريا، وتتوجه إلى مناطق سيطرة بشار بالرغم من أنها الأقل تضررا؟
للإجابة على هذا السؤال، يلزمنا تذكر ماذا حل بسوريا منذ أكثر من عشر سنوات، أي منذ أن ثار الشعب السوري على حكم بشار والأقلية النصيرية، ثم نتتبع المواقف الدولية والإقليمية من هذه الثورة، لعلنا نخرج بتفسير ما يحدث الآن من جريمة أخرى تحل بالشعب السوري.
مآلات الثورة السورية
في مارس 2011، استيقظ الشعب السوري من خضوعه لحكم عائلة الأسد التي أذاقتهم أكثر من أربعين عامًا من الذل والقمع والنهب المنظم، وقبل كل ذلك طمس هويتهم العقائدية وفرض التغريب على أهل سوريا بنشر الفساد والانحلال.
في كتاب صدر أخيرًا في شهر سبتمبر الماضي أي منذ أربعة أشهر بعنوان (سوريا البلد المحروق: كتاب آل الأسد الأسود 1970-2021) وقد نشر الكتاب دار "سوي" بفرنسا، جمع فيه باحثون فرنسيون لمدة خمسة أعوام جرائم عائلة الأسد طوال خمسين عامًا.
ويتتبع الكتاب الأسود لآل الأسد بدقة حقائق تاريخية تتعلق بالإرهاب، الاعتقالات الجماعية، التعذيب الممنهج، حصار المدن، الهجمات الكيماوية، الإبادة العرقية والدينية، التطهير والتغيير الديموغرافي.. مسلّطاً الضوء على جذورها الجيوسياسية والاجتماعية.
معظم تلك القضايا والجرائم وغيرها، استمد معدّو الكتاب تفاصيلها من شهادات حية وروايات وقصص ونصوص مكتوبة، وتخللت فصولَها صورٌ ولوحات فنية ورسوم ولوائح وقوائم وخرائط، منحت العمل توثيقاً أكثر دقة ومصداقية، وساهمت أيضاً في إعطاء صورة أوضح للأحداث وأسرع وصولاً إلى مضامين الكتاب، الذي يعدّ بحق أهم سجلّ أسود موثّق لعائلة الأسد كمنظومة عنف وقتل واغتصاب وتدمير وسطو ممنهج.
انطلقت الثورة السورية من احتجاجات شعبية عفوية سلمية في المناطق السورية المهمشة عام 2011 تطالب بالحرية والكرامة والانعتاق، ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية، لكنها سرعان ما عمت معظم مناطق سوريا.
قابل نظام بشار الأسد المظاهرات السلمية بالسلاح فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحًا في الداخل السوري ولجوءًا في مختلف بقاع العالم، وتحولت سوريا إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.
تغير رد فعل الشعب السوري على القمع المسلح الموجه من نظام بشار فانقلبت سلميته إلى مواجهة مسلحة، فتكونت العديد من الفصائل العسكرية للثورة، نجح بشار في اختراق بعضها وتوجيه سلاحها بعيدًا عنه إلى الفصائل الأخرى.
نسبة المناطق السورية والتي تم تحريرها من بشار الأسد تبلغ أكثر من 10% من مساحة سوريا، تمتد على كامل محافظة إب، وريف حلب الشمالي (وهي المناطق الأكثر تضررًا بالزلزال ويقطنها قرابة 4 ملايين سوري
وبالرغم من ذلك نجحت الفصائل العسكرية في محاصرة بشار وتقليص المساحة التي يسيطر عليها على الأرض، حينها تدخلت إيران بعناصر الحرس الثوري وحزب الله وبعض الفصائل العسكرية الشيعية الأخرى في العراق وغيرها إلى جانب بشار، ولكن تمكنت المقاومة الثورية السورية من هزيمتها بدعم بعض الدول العربية وتركيا، وبات نظام بشار على وشك السقوط.
ولكن تدخل الروس لحسابات دولية إلى جانب بشار، فانقلبت موازين الحرب ضد أحرار سوريا، بينما تدخل الغرب لصالح الأكراد.
توقفت تقريبًا الحرب منذ ثلاث سنوات إلا من بعض العمليات هنا وهناك، وأسفرت عن استيلاء نظام بشار على ما يقرب من 65% من الأراضي السورية، بينما حاز الأكراد على 25 %، وتقوقعت الثورة السورية في 10% من كامل سوريا، يتكدس فيها أربعة ملايين سوري من أهل هذه المناطق ومن اللاجئين فرارًا من بطش وانتقام بشار.
كيف حدثت المأساة الحالية:
حددت الأمم المتحدة من خلال قرارها رقم 2156 لعام 2014 أربعة معابر يمكن من خلالها إدخال المساعدات لتلك المنطقة هم: معبر الهوى ومعبر باب السلام التركيان، ومعبران آخران على الحدود مع الأردن والعراق، لكن نظرًا للاعتراضات الروسية تحديدًا تم تقليص هذا العدد من المعابر إلى اثنين فقط، هما التركيان وفق القرار الأممي رقم 2504 لعام 2020.
ومع استخدام الفيتو الروسي ضد قرارات تمديد إدخال المساعدات من خلال تلك المعابر، اضطرت الأمم المتحدة لتبنّي قرار جديد في نفس العام حمل رقم 2533 يقضي بأن يكون معبر باب الهوى مع تركيا هو المعبر الوحيد لإدخال المساعدات، مع إمكانية إدخالها من الجهة الجنوبية حيث المناطق التي يسيطر عليها النظام، ما يعني مشاركة الأسد في منظومة المساعدات ومنحه الحق في التحكم في غذاء ودواء وشراب المناطق التي يقطنها خصومه من المعارضة والمدنيين.
وقد تعرّض طريق معبر باب الهوى، للتدمير بسبب الزلزال الذي دمر آلاف المباني في مدينة هاتاي الحدودية مع سوريا، ما تسبب في قطع المرافق كافة، ما دفع تركيا للجوء إلى الجيش التركي الذي تولى عملية إصلاح وترميم الطريق للمعبر.
ولكن معبر باب الهوى لا يلبي جميع الاحتياجات السورية خاصة في الشمال المحرر، وهنا يوظف نظام بشار هذه المشكلة لصالحه.
تنقل صحيفة إندبندنت العربية في موقعها على الإنترنت عن الخبير في الشؤون السورية لدى مؤسسة سنشري أرون لوند قوله: من الواضح أن هناك نوعًا من الفرص يسعى الأسد لاستغلالها من هذه الأزمة، وهي إما أن تعملوا معي وإما من خلالي، مشككًا في نية رئيس النظام في إيصال المساعدات، حيث أضاف إذا كان الأسد ذكيًا، فإنه سيسهل إيصال المساعدات للمناطق الخارجة عن سيطرته وسيحصل على فرصة ليبدو كما لو كان شخصًا مسؤولًا، لكن النظام عنيد للغاية.
ولكن اللعبة السورية لا تقتصر على بشار، فهناك أطراف إقليمية تهدف إلى الهيمنة على المنطقة من خلال أدوات عديدة منها إعادة تأهيل نظام بشار وإدماجه إقليميًا ودوليًا، فحاولوا قبل الزلزال إعادة تأهيل نظام بشار دبلوماسيًا بدعوته لقمة الجزائر، فلما فشلوا في ذلك بدأوا بإعادة تأهيله اقتصاديًا بذريعة العون الإنساني للشعب السوري، ولو كانوا يهتمون بالشعب السوري لقدَّموا له العون في الشمال عبر حدود تركيا، حيث يتركز المنكوبون بالزلزال.
ونختم مقالنا بما قاله أحد الصحفيين السوريين: هناك دكتاتور يقتل شعبه ويقصفهم بالبراميل والكيماوي ويهجرهم ويحاصرهم، فجأة ضرب هذا الشعب زلزال. ماذا فعل العالم مع الدكتاتور؟ عزوه وأرسلوا له المساعدات.
ماذا فعلوا مع الشعب المزلزل المقصوف المهجر المحاصر؟ قالوا لهم أرسلنا لكم المساعدات وهي بعهدة دكتاتوركم الذي يحاصركم ويقصفكم ويهجركم.
ولا يزال الشعب السوري يردد...ما لنا غيرك يا الله.
______________________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي
- التصنيف: