لما تخافون من الإسلام وقد جربتم حكم الطواغيت؟!

منذ 2011-10-02

ذاقَ الدين والمتديِّنون الويلات على مدى أكثر من ثلاثة عقود؛ فكانت السجون والمعتقلات هي بيوتهم؛ لأنهم قضَوا فيها رَيْعان شبابهم، بعيدًا عن الأهل والصُّحبة، ولا ذنبَ لهم إلاَّ أنهم أقاموا السُّنن...



ذاقَ الدين والمتديِّنون الويلات على مدى أكثر من ثلاثة عقود؛ فكانت السجون والمعتقلات هي بيوتهم؛ لأنهم قضَوا فيها رَيْعان شبابهم، بعيدًا عن الأهل والصُّحبة، ولا ذنبَ لهم إلاَّ أنهم أقاموا السُّنن، وتنادوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسلامٍ، اللهم إلاَّ القليل من الفئات المندسَّة التي كانتْ تخرِّب وتقتل بدافعٍ من الداخل قبل الخارج، وهو ما كشفَت عنة الأوراق والملفات التي ظهَرَتْ إثر حرائق ثكنات جهاز مباحث أمن الدولة، الذي تدخَّل في جُلِّ الحياة، من عمومها إلى أدقِّ تفاصيلها، فكان العِرض والشرف لَدَيهم مُستباحًا، ولا يُساوي شيئًا، فهم الجيوش المنتصرة، ونحن السَّبايا - أموالُنا وأعراضُنا - وحتى أنفسنا خُيِّل لهم أنهم يَملكونها، ولَم يفرِّقوا بين هذا وذاك، فكلنا مُشتبه به، ويَخضع للمراقبة والضبط والاعتقال في أي لحظة، ولمُددٍ غير مُحددة، وفي أماكن غير معلومة.

ليس مُهمًّا أن تتشرَّد أُسرته، أو يسقط أبواه من الحزن، فالعواطف غير واردة، فقد تكون في الشارع، وتستوقفك دَوْريَّة، وكل أوراقك سليمة، ولكن ينظر إليك أحدُهم، ويقول لك: "اركب السيارة"، ويتم احتجازك، ورُبَّما اعتقالك لا لشيء إلاَّ أنَّ الباشا "الضابط" شكلك لا يُعجبه، أو لا يريد أن يبذُلَ جُهدًا في البحث والتحرِّي، ويريد تسديد بعض الأسماء؛ ليُثبت لرؤسائه أنه يعمل بجدٍّ، وبعدما تُحوَّل إلى أمن الدولة، تجد الأسئلة المعهودة: "كنت مُلتحيًا؟ تصلِّي في المسجد؟ مَن يصلون معك؟ نريد منك أن تُبلغَنا بأيِّ شيءٍ تراه، وذلك من أجْل مصلحتك"، وتخرج من عندهم وقد حوَّلوك رغْمًا عنك إلى عينٍ لهم على بعض المساجد أو الأفراد، فعلى مدار العقود الماضية انتُهِكَت حُرمات معظم البيوت، وتَمَّ استدعاء الجميع إلى مقرَّات الجهاز، وأصبَح رجال جهاز أمن الدولة هم مَن يوافقون على شَغْل الوظائف، ويُرَشِّحون لها، وكذا في الجامعات والاتحادات الطُّلاَّبيَّة، حتى الزواج كانوا يتدخَّلون فيه، إذا كنتَ تشغل وظيفة يرون أنها حسَّاسة من وجهة نظرهم، تُشرق عليك الشمس وأنت شخص عادي في مصر، وفي المساء يُمكن أن يحوِّلوك إلى إرهابي، والتُّهم جاهزة، ولقد استطاعوا دون مبالغة تنفيذَ خُطة خبيثة، عن طريق تجنيد الزوجات على أزواجهنَّ، والإخوة على بعضهم، والأبناء على الآباء، والحروب الإعلاميَّة على كلِّ ما هو ديني أو إسلامي، وتسفيه القِيَم والمُثُل، وأنَّ الدِّين يعني التخلُّف والرجعيَّة، وأنَّ الحجاب والنِّقاب عادات وليستْ عبادات، يقولون ما يريدون، ويُؤَيِّدُهم علماءُ باعوا دينَهم بدنياهم، فيُصدرون الفتاوى حسَب الطلب.


لقد عاشت مصر سنوات طويلة من الذُّلِّ والمهانة، وذاقوا على أيدي الجلاَّدين كلَّ صنوف العذاب، حتى إنَّ الرجل كان يخشى أنْ يُسَلِّم على صاحب دينٍ أو لِحْية، وتَمَّ تحويل المساجد إلى منابر للجَهَلة عن طريق الأوقاف والدعوة، والتعريف بالدِّين يستلزم الحصول على تصاريح من أمْن الدولة، فإذا كنتَ على عِلْمٍ ودينٍ، وأعطاك الله فَصاحةً في اللسان، فلنْ تقفَ على منبر أو تُعطي درسًا؛ لأنك بصراحة "تستميل القلوب إليك"، و"تسحرهم بحديثك"؛ كما قال الوثنيون عن الرسول الكريم، ومنعوا المشركين من سَماع القرآن؛ حتى لا يُسْحَروا، فكانوا يضعون أصابعَهم في آذانهم، واللهِ لقد شاهدتُ الكثير من خُطباء الجُمَع لا يعرفون القراءة من الكُتب وهم على المنابر، ويَؤُمُّون علماءَ وحَفَظة للقرآن، ولا يستطيع واحِدٌ منهم أن يراجعَ الخطيب بعد الجمعة؛ حتى لا يَبيت ليلته في المعتقل، لقد بلغوا من الجبروت مدَاه، ومن الشرِّ مُنتهاه، حارَبوا الله ودينَه في أرضه، بغوا وطَغوا، وتحالَفوا وأعلوا رايةَ كلِّ مَن يحارب الدِّين والعقيدة بدعوى المدنيَّة والتحضُّر، فتجد المنصَّات تتوِّج مَن يسبُّون أُمَّهات المؤمنين والصحابة، ومَن يتهكَّمون على ربِّ العالَمين، يأتمرون بأوامر أعداء الدِّين ومَن يُطلقون "معاداة السامية" على كلِّ مَن يكشف الحقائقَ.


علَتْ كلمة الباطل أمام أعين الضُّعفاء؛ حتى إنهم يَئِسوا من نصْر الله، وأسهمتْ دولة الظلم المنحلَّة في مصر في تدمير كلِّ ما هو حَسَن، وإعلاء كلِّ ما هو قبيح، فحذفتْ قِيَمَ الإسلام السامية من الكُتب، وأعْلَت قِيَم "الفهلوة" والتسلُّق والجنس، وكل ما هو ضد تعاليم الدين، ويصبُّ في صالح الأعداء، تفنَّنوا في الطرق والأساليب التي تجعل مِن فئة كبيرة من المصريين مجرَّدَ أجساد تتحرَّك بلا وعْي أو إحساس، حتى أيقنوا أنَّ جهازهم العصبي وعقولَهم قد تَمَّ تخديرها بلا رجعة، استراحَ وقتها الجهاز الأمني الذي كان يقتل الأبرياء في عمليات هي إرهابية بحقٍّ، ولكن الفاعل ليس المصريين في الشارع، بل الأجهزة الأمنيَّة، ولَم أتخيَّل أنا شخصيًّا، ولَم يُطاوعني تفكيري أنَّ هناك بشَرًا على أرض الكِنانة قد وصَل تفكيرهم إلى تلك السفالة والإجرام، بل تخطَّوا كلَّ بشاعة يُمكن أن يفعلَها بشَرٌ على وجْه الأرض، بأن يقومَ جهاز أمن الدولة بتخطيط وتجهيز عمليات انتحاريَّة، وتفجيرات يُقْتَل فيها الأبرياء، ويُعْتَقل بسببها أبرياء أيضًا، من أجْل بثِّ الفتنة أو الحِفاظ على كرسي أو منصبٍ، فأي كرسي وأي منصب يستحقُّ أن يَلعنَك الله به في الدنيا والآخرة؟!


وبلغ الظُّلم مداه بإغلاق وفتْح المساجد في مواعيد الصلاة فقط، وتعيين مُخبر لكلِّ مسجد، لقد حارَبوا الله كثيرًا وأمْهَلهم أكثرَ؛ لعلَّهم يرجعون، ولكن طُبِع على قلوبهم، ولكلِّ ظُلم وظالِم نهايةٌ، ونهاية مهينة، فما حدَث في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير ليس مجرَّدَ ثورة غضبٍ، بل كان انتقامًا وعقابًا من الله لفئة طغَتْ وتجبَّرت، وعاثَتْ في الأرض فسادًا، فنشروا المحرَّمات، وأباحوها جهارًا، فتجد محلات الخمور في قلب المُدُن تَعْرِض منتجاتها دون رقابة، كما كانت الحكومة تحصل على أعْلى إيراداتها من عَرَق البغايا في النوادي الليلية والفنادق، وإذا كنت تريد الوصول إلى ما تريد، فما عليك إلا أنْ تتعرَّف على راقصة أو ممثلة، أمَّا أهل العلم والطاعة، فلا مكان لهم، حُورِبَ الدِّين في الأزهر، فتمَّ تقليص سنوات الدراسة والمقرَّرات، وكانت هناك مطالَبات أوْشَكَت أن تنفَّذ بأن يَلْتَحِق النصارى بجامعة الأزهر، ومؤخَّرًا أُغْلِقت الفضائيَّات التي تتحدَّث عن التاريخ الإسلامي، وتشرح السيناريو القادم، وفَقًا للكتاب والسُّنة المطهَّرة، لقد أرادوا تغييبَ الدِّين وهاجَموه على صفحات الجرائد، بل وصَل الأمر إلى قيام إعلاميين مصريين بسبِّ أُمِّ المؤمنين السيدة عائشة في إحدى المقالات أكثر مما فعَل الغرب، ولَم يحاكم أو يدخل السجن، بل كان ضيْفًا في العديد من برامج التلفاز المصري والفضائيات، ففي ظلِّ النظام البائد كنتَ تستطيع أن تسبَّ الرسول أو الصحابة أو التابعين، وتقول في الدِّين ما تشاء، ولا تستطيع سبَّ أصغر ضابط في مباحث أمن الدولة!


أردتُ من هذا السرد أنْ أصِلَ إلى نقطة مهمة تحدُث الآن من قبل وبعد التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي اشتعلتْ فيها الحرب مجدَّدًا من جانب العلمانيين وأصحاب الهوى ضد كلِّ ما هو ديني، وأخذوا يقولون ما لا يعلمون، ويلصقون بالدِّين ما ليس فيه، وأنَّ الموافقة التي جاءت على التعديلات الدستورية، إنما تعني حصول الإسلام على الضوء الأخضر؛ للحصول على أغلب مقاعد البرلمان القادم، وهو ما يعني حُكمًا إسلاميًّا، ودولةً دينيةً، وقطْع يد السارق، وجلْد الزاني وشارب الخمر، وعندما سألني واحدٌ منهم هذا السؤال، قلتُ له: وما الذي يُغضبك في قطْع يد السارق؟ هل أنت لصٌّ؟ فسكتَ، وقلتُ له: لو جُلِد الزاني، فما الذي يُغضبك؟ وماذا ستفعل لو وجَدْتَ هذا الفاجر قاطع الرَّحم على فراشك؟ فسكت.. ثم سألتُه: أليست الخمر تُذْهب العقل؟ ومَن غاب عقلُه يُمكنه أن يقتلَ ويزني، ويسرقَ ويفعل كلَّ شيء، ولا شيء عليه إلاَّ عقوبة شارب الخمر، فهل هذا يُسعدك؟ وذكَّرته بقول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179].

فالدِّين لَم يأتِ ليشوِّه الناس بقطْع أيديهم أو فضْحهم، بل جاء ليحافظ عليهم، فلو عَلِم السارق أن يدَه ستُقْطَع، لفكَّر ألف مرة قبل أن يمدَّ يدَه، فحَفِظ لك الإسلام مالَك، ولَم نعلم أنَّ الحدَّ يُطَبَّق إلاَّ بعد السؤال والتحرِّي والاعتراف، وإن لَم تَكتمل الأركان، فلا يُطَبَّق الحدُّ، وانظروا إلى تطبيق حدِّ الزنا وقصة المرأة الغامديَّة التي أتتِ الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله، زنيتُ، فسألها: «لعلَّك فعلتي كذا وكذا» من مُقدمات الدخول إلى الزنا وليس الزنا، فقالت: يا رسول الله، زنيتُ وثمرة الخطيئة تتحرَّك في أحشائي، فأرْجعها؛ حتى تضعَ مولودها، ولَم يَحْبسها، وكان بإمكانها ألاَّ تعودَ، وعادتْ بعد الوضْع تحمل طفلها، فأرْجَعها الرسول؛ حتى تفطمَ طفلها؛ أي: بعد حوْلَين، وعادتْ ومعها طفلها يحمل كِسرة خُبزٍ، فأقام عليها الحدَّ، وأثناء تطبيق الحدِّ عليها تقاطَر بعضٌ من دمائها على ثوب أحد الصحابة، فساءَه ذلك، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنها تابت توبةً، لو وُزِّعت على سبعين من أهل المدينة لوَسِعتهم».


تلك هي عظَمة الإسلام، والأمثلة كثيرة لا يتَّسع الوقت لسرْدها، وأقول لِمَن يخافون الدين من شباب مصر الثورة: "إننا كنَّا سببًا في إسقاط النظام، وأنَّ الله وحْده هو الذي أسقَط النظام، فلا تتخيَّلوا أن يحكمَ أحدٌ في ملك الله إلاَّ بأمر الله، وليس معنى هذا أنَّ هناك مخططًا إسلاميًّا داخل مصر؛ للاستحواذ على السلطة، فمَن يعرف الله حقًّا لا يسعى إلى الكراسي؛ لأنه يعلم أنها أمانة، ويومَ القيامة حسرة وندامة؛ كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل أبي ذَرٍّ الغفاري، فيا مَن تخافون الدين، فوالله لن تتقدَّم أُمَّتنا إلاَّ بقِيَم الدِّين التي تجعل الله رقيبًا علينا في كلِّ شيء، فلن تجد الرشوة والمحسوبيَّة، والسرقة والبغاء والفُحش، وأسألُ مَن يخافون من دستور السماء: أليس مَن يخترع آلة هو أعلم بما يُصلحها وما يُشقيها؟ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8].


فإنْ كنتم لا تريدون شرْعَ الله، فلا تُسَمُّوا أنفسكم "مسلمين"، وإن كنتم تريدون حياة اللهو بلا قيود، فليكنْ لكم عِبرة فيمَن كانوا في القصور والترف والنعيم قبل أشهر، والآن يعيشون خائفين يدعون الله.

مَن في السجن يدعو الله أن يُنجيه، ومَن بالخارج يدعو الله ألاَّ يدخله، وصدق الله إذ يقول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].



 

أحمد عبد الوهاب

لواء سابق بالجيش المصري، ورئيس مجلس إدارة المركز الإسلامي بالعزيز بالله بالقاهرة

  • 57
  • 1
  • 3,236

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً