سنة الفجر أول السنن الراتبة
عن النَّبيِّ ﷺ أَنَّه قال: في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً»
وسُنَّة الفجر هي أول السُّنَن الراتبة التي يعملها العبد في يومه، وفيها عدة سُنَن، وقبل بيانها لا بد من بيان بعض ما يخص السُّنَن الرواتب، والسُّنَّة الراتبة هي: السُّنَّة الدائمة التابعة للفرائض.
اختُلف في عدد السُّنَن الرواتب على قولين:
القول الأول: أنَّ عددها عشر ركعات: ركعتان قبل الفجر، وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وهذه عشر ركعات متفق عليها بين العلماء كما نقل ذلك ابن هبيرة رحمه الله [1].
واستدلوا: بحديث ابن عمر رضي الله عنه المتفق عليه، قال: «حَفِظْتُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشر رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَكَانَتْ سَاعَةً لَا يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا»[2].
والقول الثاني: أنَّ عددها اثنتا عشرة ركعة، وأنَّ قبل صلاة الظهر أربع ركعات لا ركعتين، وهذا القول هو الأظهر-والله أعلم-.
ويدلّ عليه:
أ. حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ»[3]. وعند مسلم من حديثها قالت: «كَانَ -أي: النَّبي صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعـاً»[4].
ب. حديث أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشرةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»[5]، وأخرجه الترمذي، وزاد: «أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ»[6].
واختلف أهل العلم في الجمع بين:
حديث ابن عمر رضي الله عنه المتفق، وفيه: «أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم صلَّى قبل الظهر ركعتين»[7]، وبين حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري، وفيه: «أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم صلَّى قبل الظهر أربع ركعات»[8].
فقيل: إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم تارة يُصلِّي قبل الظهر أربعاً، وتارة يُصلِّي قبلها ركعتين.
وقيل: إن مع تعارض الحديثين يؤخذ بالزائد، ويُصلِّي الإنسان أربع ركعات قبل الظهر.
وقيل: إن صلَّى في بيته يصلي أربعاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، وإن صلَّى في المسجد يُصلِّي ركعتين؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه.
والأظهر -والله أعلم-: أنه يؤخذ بالزائد؛ لاحتمال اطلاع عائشة رضي الله عنها في بيتها على ما لم يطلع عليه ابن عمر رضي الله عنه؛ ولحديث أم حبيبة رضي الله عنها عند مسلم: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشـرةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ( وفي رواية:غَيْرَ فَرِيضَةٍ)، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». والأفضل أن تؤدَّى السُّنَن الرواتب في البيت، ويدلّ عليه:
أ. حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ»[9].
ب. عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً»[10].
ج. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَضى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصيباً مِنْ صَلاَتِهِ، فَإِنَّ الله جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْراً»[11].
آكد السّنن الرواتب:
آكد السُّنَن الرواتب سُنَّة الفجر. ويدلّ عليه ما يلي:
أ. حديث عائشة رضي الله عنها قالت: « لَمْ يَكُنْ عَلَى شيءٍ مِنَ النَّوَافِلِ، أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ، عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْح»[12].
ب. حديث عائشة رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[13].
ولمسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً»[14].
ج. جاء في الصحيحين ما يدل على أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع سُنَّة الفجر، ولا الوتر لا حضراً، ولا سَفراً.
قال ابن القيِّم رحمه الله: «ولذلك لم يكن يدعها -أي: سُنَّة الفجر- هي، والوتر سفراً وحضـراً، وكان في السَّفر يواظب على سُنَّة الفجر، والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السُّنَن، ولم ينقل عنه في السَّفر أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى سُنَّة راتبة غيرهما»[15].
مستلة من كتاب: المنح العلية في بيان السنن اليومية
[1] انظر: الإفصاح (1/ 151).
[2] رواه البخاري برقم (1180)، ومسلم برقم (729).
[3] رواه البخاري (1182).
[4] رواه البخاري برقم (730).
[5] رواه مسلم برقم (728).
[6] رواه الترمذي برقم (415). وقال: «حسن صحيح».
[7] رواه البخاري برقم (1180)، ومسلم برقم (729).
[8] رواه البخاري برقم (1182).
[9] رواه البخاري برقم (7290)، ومسلم برقم (781).
[10] رواه البخاري برقم (1187)، ومسلم برقم (777).
[11] رواه مسلم برقم (778).
[12] رواه البخاري برقم (1196)، ومسلم برقم (724).
[13] رواه مسلم برقم (725).
[14] رواه مسلم برقم (725).
[15] زاد المعاد (1/ 315 ).
عبد الله بن حمود الفريح
حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.
- التصنيف: