لاجئو الروهينغا.. فلسطينيون جدد عالقون في أزمة طويلة الأمد
من المؤسف أن أزمة الروهينغا تغيب الآن عن اهتمام العالم ووسائل إعلامه، فالأزمة التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان وبلغت هذا التطور طويل الأجل قد اضمحلت أمام قضايا أخرى مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا...
عندما فرَّ لاجئو الروهينغا من ميانمار بسبب العنف الذي يتعرضون له، ظنّوا أن الأوضاع في بنغلاديش قد تكون أفضل نسبيًا، بَيْدَ أنّ الأوضاع التي وجدوها كانت أيضا صعبة ومأساوية بسبب ما يواجهون من إهمال على نحو متزايد، لدرجة أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالمجاعات الشديدة وحقوق الإنسان، أوليفير دو شوتر، قد وصف لاجئي الروهينغا في بنغلاديش بأنهم على وشك أن يصبحوا "فلسطينيين جدد"، وأنهم سيظلون عالقين في أزمة طويلة الأمد.
من جحيم إلى جحيم:
تعرض لاجئو الروهينغا لظلم واضطهاد في بلدهم الأصلي، ميانمار، بسبب اعتبارهم أقلية مسلمة وعدم اعتراف الحكومة بجنسيتهم، وهو ما نتج عنه تعرضهم لممارسات عنصرية وقمعية وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، كانت المأساة أنهم عندما وصلوا إلى بنغلاديش تعرضوا أيضا للظلم والاتجار بالبشر، والآن يعيش حوالي مليون لاجئ من الروهينغا في مخيمات اللجوء في بنغلاديش ـ وفقًا لتقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ـ ومعظمهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى المياه النظيفة والمرافق الصحية والتعليمية والغذائية الأساسية، كما يواجهون أيضًا تهميشًا وظروف معيشية مزرية بصورة مرعبة وعدم مساواة في الحصول على أدنى المقومات الإنسانية للحياة، حيث تقوم حكومة بنغلاديش بتطبيق سياسات صارمة تجاههم، من خلال عزل ملاجئهم المكتظة بسياج عن المجتمع المحلي، كما تحرمهم من حق العمل والتعليم وحرية التنقل، وهو ما يجعلهم يعانون من العزلة والإهمال، وتدهورت نوعية الغذاء الذي يتناولونه، وزاد معدل نقص وسوء التغذية لدى الأطفال إلى حد كبير.
تخشى الحكومة في بنغلاديش أن يؤدي السماح للاجئين الروهينغا بالبقاء والعمل إلى جعل وجودهم في البلاد دائمًا، بدلاً من أن يكون مؤقتًا كما كانت تخطط عند استقبالهم لأول مرة تحت ضغوط المجتمع الدولي
وفي الوقت ذاته، يواجه لاجئو الروهينغا في بنغلاديش تهديدًا مستمرًا من حوادث المناخ المتقلبة، إذ تعتبر الأمطار الغزيرة والفيضانات من أبرز التحديات ولا يمكن مواجهتها بسهولة بسبب قيود حكومة بنغلاديش التي تحظر عليهم إنشاء مبانٍ ذات هياكل إسمنتية، وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة تنتشر الأمراض المعدية بين لاجئي الروهينغا بسبب قلة الرعاية الصحية والبنية التحتية المتهالكة، إذ يمرض العديد منهم بسبب تناول مياه ملوثة وتنتشر أمراض مثل الدفتيريا والكوليرا والتيفوئيد بين اللاجئين بصورة كبيرة، مما يتسبب في ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال والكبار على حد سواء، ويزداد الأمر سوءًا في ظل عدم توافر مرافق صحية كافية لعلاج جميع المرضى في المخيمات، وحتى العيادات المتوفرة تفتقر إلى الموارد والكوادر الطبية اللازمة، وهو الأمر الذي يضيف إلى لاجئي الروهينغا معاناة فوق معاناتهم.
على صعيد التعليم؛ يعاني أطفال الروهينغا من عدم القدرة على الوصول إلى التعليم الجيد والمدارس المؤهلة، إذ تفتقر المدارس القليلة المتوفرة في مناطق المخيمات إلى الموارد التعليمية الأساسية والمعلمين المؤهلين، وحتى الأطفال الذين يصلون إلى مدارس بنغلاديش غالبًا ما يواجهون صعوبات لغوية لأن لغتهم الأم هي اللغة الروهينغية وليس البنغالية أو الإنجليزية اللتين تُدرسان في المدارس، كما أن أطفال الروهينغا يواجهون تحيزًا وتمييزًا من قبل المعلمين والطلاب آخرين في مدارس بنغلاديش بسبب وضعهم كلاجئين، وهذا الوضع بشكل عام يعرقل تطور الأطفال ويقلل من فرصهم للحصول على مستقبل أفضل.
تعامل بنغلاديش
يعتمد اللاجئون الروهينغا بشكل كامل على الدعم الإنساني الضئيل الذي يصلهم، وهم ممنوعون من العمل بشكل رسمي، ومع غياب سبل العيش الكريمة فإن الكثير منهم يضطرون إلى العمل كعمالة رخيصة مما يزيد من إساءة استغلالهم وانتهاك حقوقهم، ولأن بنغلاديش تعاني بالأساس من الفقر وارتفاع معدل البطالة، فإن الحكومة تخشى من السماح للروهينغا بالعمل في البلاد ولا تمنحهم الحقوق والحريات الكاملة، وذلك لعدة أسباب منها:
1ـ المخاوف من الضغط على البنية التحتية والخدمات:
يشكل اللاجئون الروهينغا عبئًا كبيرًا على الاقتصاد والخدمات في بنغلاديش، البلد الأفقر في العالم، ويخشى المسؤولون أن يؤدي السماح لهم بالحصول على الوظائف إلى تفاقم هذا الضغط، فالسماح للروهينغا بالعمل قد يؤدي إلى منافسة أكبر على الوظائف المتاحة في بنغلاديش، وبالتالي يمكن أن يقلل من فرص العمل المتاحة للسكان الحاليين في البلاد، وهذا يعد تحديًا كبيرًا في ظل ارتفاع معدل البطالة في بنغلاديش.
2ـ المخاوف من التوترات الاجتماعية:
يشكل وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الروهينغا تهديدًا محتملًا للسلم الاجتماعي والاقتصادي في بنغلاديش، ويخشى المسؤولون من أن يؤدي السماح لهم بالعمل إلى منافسة العمالة المحلية وزيادة التوترات، كما أن هناك قلق متزايد من أن يؤثر وجودهم على الهوية الثقافية لبنغلاديش وأن تتولد صراعات عرقية محتملة بينهم وبين السكان المحليين.
3ـ المخاوف من جعل البقاء دائمًا:
تخشى الحكومة في بنغلاديش أن يؤدي السماح للاجئين الروهينغا بالبقاء والعمل إلى جعل وجودهم في البلاد دائمًا، بدلاً من أن يكون مؤقتًا كما كانت تخطط عند استقبالهم لأول مرة تحت ضغوط المجتمع الدولي، لذا تحاول حكومة بنغلاديش إقناع ميانمار بإعادة استيعاب اللاجئين الروهينغا أو إيجاد حلول مع الدول الأخرى للانتهاء من تلك الأزمة سريعًا.
بالنسبة للروهينغا فهناك عدة عوامل قد تحول دون عودتهم؛ منها أنه لا يزال هناك تمييزًا واضطهادًا ضدهم في ميانمار وليس هناك ضمانات حقيقية بأنهم سيكونون آمنين عند العودة
4ـ الضغوط الخارجية:
تتعرض بنغلاديش لضغوط من الصين وميانمار لعدم منح اللاجئين الروهينغا الحقوق أو الحريات، وخاصة فيما يتعلق بالسماح لهم بالبقاء أو العمل بشكل دائم، وهو ما يدفع حكومة بنغلاديش للاتجاه نحو سياسة تقييد حقوق اللاجئين الروهينغا وحرمانهم من العمل، على الرغم من أن هذا يشكل انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان.
ومع ذلك، يرى محللون أن السماح للروهينغا بالعمل قد يساعد على تحسين وضعهم المعيشي والحد من فقرهم وخاصة في ظل الأزمة الإنسانية التي يعانون منها، وقد يساعد هذا أيضًا على تحسين الاقتصاد الوطني لبنغلاديش من خلال المساهمة في زيادة حجم الإنتاج والإيرادات الضريبية.
آمال العودة
نادرًا ما يكون إعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية بعد فترة طويلة من اللجوء أمرًا ممكنًا، وبالنسبة للروهينغا فهناك عدة عوامل قد تحول دون عودتهم؛ منها أنه لا يزال هناك تمييزًا واضطهادًا ضدهم في ميانمار وليس هناك ضمانات حقيقية بأنهم سيكونون آمنين عند العودة، كما أن قضية الجنسية لم يتم حلها بعد، فالنظام الحاكم في ميانمار لا يزال ينكر عليهم الجنسية الميانمارية ويعتبرهم أجانب وغير شرعيين، وهناك حالة من انعدام الثقة تجاههم لأن المجتمع الذي تهيمن عليها البوذية التقليدية يرى الروهينغا عنصرين خطيرين يمثلون تهديدًا لأمنه وهويته وديانته، لذا هناك رغبة في تقليص أعدادهم عبر تطبق سياسة الإقصاء والحرمان، إلى جانب تشريدهم وقمع حقوقهم الأساسية.
خلال شهر مايو الماضي، زار وفد من الروهينغا ميانمار كجزء من الجهود التي تهدف إلى عودة لاجئي الروهينغا إلى ديارهم من جديد، لكن الوضع كان صعبًا، وتناقصت الآمال بالعودة إلى وطنهم بعد انقلاب العسكريين على حكومة آنج سان سوكي في فبراير 2021، إذ ليس لدى الروهينغا الآن ممتلكات أو أراضٍ في ميانمار، بل إن ممتلكاتهم تم استغلالها من قبل البوذيين المتطرفين الذين استولوا عليها بعد هروبهم، كما أن الروهينغا قضوا الآن عدة سنوات في بنغلاديش، مما يعني أن الكثير منهم لم يعد لديه صلات بميانمار، وإعادتهم حاليًا إلى ميانمار تبدو غير واقعية ولن تكون مستدامة.
قضيتان متشابهتان:
هناك عدة تشابهات بين أزمة الروهينغا وأزمة الفلسطينيين، من أبرزها:
• الحرمان من الحقوق الأساسية: يتعرض كل من الروهينغا والفلسطينيين للحرمان من الحقوق المدنية والسياسية الأساسية مثل حق الجنسية والتنقل بسبب السياسات التمييزية.
• التمييز الديني: يتعرض كلا من الروهينغا المسلمين والفلسطينيين إلى التمييز والقمع بسبب دينهم على يد حكومات ميانمار البوذية وإسرائيل اليهودية.
• التهجير القسري: تم تشريد مئات الآلاف من كلا الشعبين من منازلهم وتفككت مجتمعاتهم بسبب الإخلاء القسري والعنف.
• تحمل العبء من قبل الدول المجاورة: تعتمد كل من مصائر لاجئي الروهينغا في بنغلاديش واللاجئين الفلسطينيين في دول الشرق الأوسط بشكل كبير على الدعم الإنساني الدولي.
• تدهور الظروف في مخيمات اللاجئين: يعيش اللاجئون الفلسطينيون والروهينغا أوضاعًا متدهورة منذ فترة طويلة في مخيمات لجوء تفتقر للخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه النظيفة والصرف الصحي والتعليم والرعاية الصحية، كما أن معظم اللاجئين يعيشون في ظروف صعبة مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانتشار الأمراض.
• غياب الحلول الشاملة: ما زال حل أزمة كل من الروهينغا والفلسطينيين بعيد المنال بسبب عدم تعاون حكومتي ميانمار وإسرائيل، كما أن غياب الضغوط الدولية على حكومتي ميانمار وإسرائيل لحل أزمات الروهينغا والفلسطينيين بشكل فعال تزيد من تفاقم الوضع المأساوي.
• انعدام الثقة المتبادل: لا يثق كلا من الروهينغا والفلسطينيين في نوايا حكومتي ميانمار وإسرائيل على التوالي، وذلك بسبب التاريخ الطويل للتمييز والاضطهاد الذي يتعرض له الروهينغا والفلسطينيون، خاصةً الممارسات التمييزية والاضطهاد طويل، وهو ما خلق شكوكًا حول نواياهما الحقيقية.
أزمة طويلة الأمد:
من المؤسف أن أزمة الروهينغا تغيب الآن عن اهتمام العالم ووسائل إعلامه، فالأزمة التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان وبلغت هذا التطور طويل الأجل قد اضمحلت أمام قضايا أخرى مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا والصراع الاقتصادي بين القوى الكبرى، وهو ما أدى إلى حجب الضوء عن أزمة الروهينغا، كما أن انخفاض حدة العنف قد قلل من التقارير التي تتحدث عن هجمات عنيفة واسعة النطاق ضد الروهينغا مثل التي كانت سائدة في عام 2017، مما يجعل القضية أقل إثارة للاهتمام الإعلامي.
من المرجح أن تستمر أزمة اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش لفترة طويلة، حيث يحتاج اللاجئون إلى دعم دولي ضخم لتوفير الإمدادات الأساسية وتحسين أوضاعهم المعيشية والصحية والتعليمية، لا تزال الحلول الدائمة مثل إعادة التوطين أو منح الجنسية بعيدة المنال بالنسبة للاجئي الروهينغا، كما أن وسائل الإعلام باتت تميل إلى التركيز على وضع الروهينغا في بنغلاديش بدلاً من فحص الجذور الحقيقية للأزمة في ميانمار، المأساة الحقيقية تكمن في أنه إذا لم يتم توفير الظروف اللازمة لعودة اللاجئين الروهينغا إلى ديارهم بطريقة آمنة، فإن الروهينغا سيدخلون في دائرة لا متناهية من الفقر واليأس والعزلة، وقد يصبحون "فلسطينيين جدد".
___________________________________________________
الكاتب: . أحمد مصطفى الغر