من أدرك ركعة مع الإمام يوم الجمعة

منذ 2023-06-16

قال البخاري: "باب: من أدرك من الصلاة ركعة. وذكر حديث أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة»

(ومن أدرك مع الإمام منها - أي: من الجمعة - ركعة أتمها جمعة، وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إذا كان نوى الظهر وإلا أتمها نفلاً)[1].

 

قال في "الإفصاح": "واتفقوا على أنه إذا أدرك ركعة من الجمعة بسجدتيها، وأضاف إليها أخرى صحت له جمعة[2].

 

واختلفوا فيما إذا أدركه في التشهد:

فقال مالك[3] والشافعي[4] وأحمد[5]: لا تصح له جمعة، ويتمها ظهراً إذا كان نواها.

 

وقال أبو حنيفة[6]: إذا أدرك الإمام في الجمعة في آخر صلاته وتشهده، أو في سجود السهو بنى عليها، وصحت له جمعة، وهو قول أبي يوسف.

 

وقال محمد بن الحسن: يصلي أربعاً ظهراً، ولا تصح له الجمعة"[7].

 

وقال ابن رشد: "متى يكون مدركاً لصلاة الجمعة؟

فإن قوماً قالوا: إذا أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة، ويقضي ركعة ثانية - وهو مذهب مالك[8] والشافعي[9]- فإن أدرك أقل صلى ظهراً أربعاً.

 

وقوم قالوا: بل يقضي ركعتين أدرك منها ما أدرك، وهو مذهب أبي حنيفة[10].

 

وسبب الخلاف في هذا: هو ما يظن من التعارض بين عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» [11]، وبين مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» [12]، فإنه من صار إلى عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «وما فاتكم فأتموا» أوجب أن يقضي ركعتين وإن أدرك منها أقل من ركعتين، ومن كان المحذوف عنده في قوله صلى الله عليه وسلم: «فقد أدرك الصلاة» أي: فقد أدرك حكم الصلاة، قال: دليل الخطاب يقتضي أن من أدرك أقل من ركعة فلم يدرك حكم الصلاة، والمحذوف في هذا القول محتمل، فإنه يمكن أن يراد به فضل الصلاة، ويمكن أن يراد به وقت الصلاة، ويمكن أن يراد به حكم الصلاة، ولعله ليس هذا المجاز في أحدهما أظهر منه في الثاني، فإن كان الأمر كذلك كان من باب المجمل الذي لا يقتضي حكماً، وكان الآخر بالعموم أولى.

 

وإن سلمنا أنه أظهر في أحد هذه المحذوفات - وهو مثلاً: الحكم على قول من يرى ذلك - لم يكن هذا الظاهر معارضاً (159ب) للعموم إلا من باب دليل الخطاب، والعموم أقوى من دليل الخطاب عند الجميع، ولاسيما الدليل المبنى على المحتمل أو الظاهر.

 

وأما من يرى أن قوله صلى الله عليه وسلم: «فقد أدرك الصلاة» أنه يتضمن جميع هذه المحذوفات فضعيف، وغير معلوم من لغة العرب، إلا أن يتقرر أن هنالك اصطلاحاً عُرفياً أو شرعياً"[13].

 

وقال في "المقنع": "ومن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهراً إذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي.

 

وقال أبو إسحاق بن شاقلا: ينوي جمعة، ويتمها ظهراً"[14].

 

قال في "الشرح الكبير": "وكل من أدرك مع الإمام ما لا يتم له به جمعة؛ فإنه في قول الخرقي ينوي ظهراً، فإن نوى جمعة لم تصح في ظاهر كلامه، وكلام أحمد[15] في رواية صالح وابن منصور يحتمل هذا القول في من أحرم ثم زُحم عن الركوع والسجود حتى سلم إمامه، قال: يستقبل ظهراً أربعاً. وذلك لأن الظهر لا يتأدَّى بنية الجمعة ابتداءً، فكذلك استدامته كالظهر مع العصر.

 

وقال أبو إسحاق بن شاقلا: ينوي جمعة؛ لئلا يخالف نية إمامه، ثم يبني عليها ظهراً، وهذا ظاهر قول قتادة وأيوب ويونس والشافعي[16]؛ لأنه لا يجوز أن يأتم بمن يصلي جمعة، فجاز أن يبني صلاته على نيتها كصلاة المقيم مع المسافر، وكما ينوي أنه مأموم ويتم صلاته بعد مفارقة إمامه منفرداً ولأنه يصح أن ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة في ابتدائها، فكذلك في انتهائها"[17].

 

وقال في "الفروع": "من أدرك ركعة أتم جمعة وفاقاً، وكذا دونها في رواية، وفاقاً لأبي حنيفة[18]. والمذهب[19]: لا، وذكر ابن عقيل أن الأصحاب لا يختلفون فيه؛ لأن إدراك المسافر إدراك إيجاب، وهذا إدراك إسقاط؛ لأنه لو صلى منفرداً صلى أربعاً فاعتبر إدراك تام؛ ولأنه لو أدرك من صلاة الجماعة دون ركعةٍ ثم تفرقت الجماعة أدرك فضل الجماعة، ولو أدرك ذلك من الجمعة لم يدركها.

 

قال أحمد: لولا الحديث لكان ينبغي أن يصلي ركعتين، وقال: قاله ابن مسعود، وفعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"[20] (160أ).

 

وقال البخاري: "باب: من أدرك من الصلاة ركعة. وذكر حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة»[21]".

 

قال الكرماني: "وفي الحديث: أن من دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركاً لجميعها، وتكون كلها أداء وهو الصحيح".

 

قال الحافظ: "وقال التيمي: معناه: من أدرك من الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة[22]، وقيل: المراد بالصلاة الجمعة"[23].

 

(وقال البخاري أيضاً)[24] (160ب).

 


[1] الروض المربع ص123.

[2] فتح القدير 1/419، وحاشية ابن عابدين 2/167. والمدونة 1/147، وحاشية الدسوقي 1/373. وتحفة المحتاج 2/480-481، ونهاية المحتاج 2/345. وشرح منتهى الإرادات 2/15، وكشاف القناع 3/340-341.

[3] المدونة 1/147، وحاشية الدسوقي 1/373.

[4] تحفة المحتاج 2/482-483، ونهاية المحتاج 2/345-346.

[5] كشاف القناع 3/341، شرح منتهى الإرادات 2/15.

[6] فتح القدير 1/419-420، وحاشية ابن عابدين 2/167.

[7] الإفصاح 1/250.

[8] الشرح الصغير 1/181، وحاشية الدسوقي 1/373.

[9] تحفة المحتاج 2/481، ونهاية المحتاج 2/345.

[10] فتح القدير 1/419-420، وحاشية ابن عابدين 2/167.

[11] أخرجه البخاري (636)، ومسلم (620).

[12] أخرجه البخاري (580)، ومسلم (607).

[13] بداية المجتهد 1/174-175.

[14] المقنع 1/248-249.

[15] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 5/212.

[16] تحفة المحتاج 2/422، ونهاية المحتاج 2/297.

[17] الشرح الكبير 5/207-208.

[18] فتح القدير 1/419-420، وحاشية ابن عابدين 2/167.

[19] كشاف القناع 3/341، وشرح منتهى الإرادات 2/15.

[20] الفروع 1/132.

[21] البخاري (580).

[22] في الأصل: "الجمعة" والمثبت من فتح الباري.

[23] فتح الباري 2/57.

[24] كذا في الأصل، ولم أر لها تكملة.

_________________________________________________________
الكاتب: الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك

  • 2
  • 0
  • 652

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً