وأقبلت عشر ذي الحجة بنفحاتها

منذ 2023-06-19

إن عشر ذي الحِجَّة من النفحات الربانية التي اختص الله بها الأمة الإسلامية، ولا أكون مبالغًا إن قلت: إن عشر ذي الحِجَّة من أعظم المواسم الإيمانية، والعطايا الربانية للأمة المحمدية؛ فهي أفضل أيام الدنيا على الإطلاق.

إن من فضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنْ جَعَلَ لها مواسمَ للطاعات، تتضاعف فيها الحسنات، وتُرفَع فيها الدرجات، وتُكفِّر فيها السيئات، وتُقال فيها العَثَرات، وتُجاب فيها الدعوات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات، وتعرَّض لهذه النفحات.

 

نعم عباد الله: فإن من سنن الله عز وجل أنه فضَّل بعض الأيام على بعض، ففضَّل العشر الأُوَل من ذي الحِجَّة على سائر الأيام، وجعل العمل الصالح فيها أكثرَ ثوابًا، وأعظم أجرًا؛ فقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ما من أيام العملُ الصالح فيها أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيام العشر» ، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».

 

أحبتي في الله: إن عشر ذي الحِجَّة من النفحات الربانية التي اختص الله بها الأمة الإسلامية، ولا أكون مبالغًا إن قلت: إن عشر ذي الحِجَّة من أعظم المواسم الإيمانية، والعطايا الربانية للأمة المحمدية؛ فهي أفضل أيام الدنيا على الإطلاق.

 

إي ورب الكعبة؛ فقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيام العشر» ، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».

 

عباد الله، أتدرون لماذا أقول بأن عشر ذي الحِجَّة أفضل أيام الدنيا على الإطلاق؟!

أقول ذلك؛ لأن الله تعالى أقسم بها في كتابه الكريم؛ فقد قال الله تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، والليالي العشر هي عشر ذي الحِجَّة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين، وإذا أقسم الله بشيءٍ، دلَّ هذا على عظم مكانته وفضله؛ إذ العظيم لا يُقْسِم إلا بعظيم، ولا يجوز لِخَلْقِهِ أن يقسموا إلا به سبحانه وتعالى.

 

أقول ذلك؛ لأنها هي الأيام المعلومات التي أمر الله بذكره فيها؛ تعظيمًا له تعالى؛ فقد قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات التي يُستحَبُّ فيها الإكثار من ذكر الله تعالى هي عشر ذي الحِجَّة.

 

أقول ذلك؛ لأنها من جملة الأيام التي قضاها موسى عليه السلام في عبادته لربه وعزلته؛ وهي العشر المذكورة في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]؛ وقد قال العلامة ابن كثير: "الأكثرون على أن الثلاثين هي: ذو القعدة، وعشر ذي الحِجَّة، وعن مجاهد قال: ما من عمل من أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحِجَّة، قال: وهي العشر التي أتممها الله عز وجل لموسى عليه السلام".

 

وأقول ذلك؛ لأن فيها تجتمع أمهات العبادة؛ ففي هذه العشر من ذي الحِجَّة تجتمع أركان الإسلام؛ ففيها الصلاة والصيام لمن تطوع به، والحج لمن استطاع، والزكاة لمن بلغ ماله النصاب، وحال عليه الحول في أيام العشر، وفيها الدعاء، والصدقة، وقراءة القرآن، وذكر الله، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من صنوف البر والطاعة.

 

وأقول ذلك؛ لأن فيها أكمل الله الدين، وأتم النعمة؛ ففي يوم عرفة أكمل الله الدين؛ ونزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

 

أيها المسلمون: ينبغي على المسلم الذي منَّ الله عليه بإدراك عشر ذي الحِجَّة أن يغتنم هذه الفرصة، بأن يخص هذه العشر المباركة بمزيد من العناية والطاعة؛ فلقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يغتنمون هذه العشر المباركة بالطاعات والقُربات؛ رجاء الحصول على أعلى الدرجات من لدن رب الأرض والسماوات.

 

إخوة الإيمان:

اعلموا - يرعاكم الله - أن عشر ذي الحِجَّة لها وظائفُ وأعمالٌ عظيمة، تدخل تحت عموم العمل الصالح الذي حثَّنا النبيُّ على القيام به في هذه العشر المباركة.

 

فمن هذه الوظائف والأعمال الصيامُ؛ ففي سنن أبي داود، والنسائي، وغيرهما، من حديث هنيدة بن خالد عن امرأته، قالت: حدثتني بعض أزواج النبي صلى الله ‏عليه وسلم: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء، وتسعًا من ذي الحِجَّة، وثلاثة أيام من كل شهر))؛ (الحديث صححه العلامة الألباني).

 

هذا وصيام يوم عرفة أشد استحبابًا وتأكيدًا؛ لِما فيه من الفيوضات الربانية؛ فعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنَةَ التي قبله، والتي بعده»؛ (رواه ابن ماجه، وصححه العلامة الألباني رحمهما الله تعالى).

 

هذا ولتعلموا أن صيام يومي العيد – الفطر والأضحى – من المحرمات؛ ففي صحيح مسلم عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، أنه قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء فصلى ثم انصرف، فخطب الناس فقال: ((إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما؛ يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نُسُكِكم)).

 

وكذا فإنه يحرُم صيام أيام التشريق الثلاثة؛ وهي ثلاثة أيام بعد يوم عيد الأضحى؛ للحديث الذي رواه مسلم عن نبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «أيام التشريق أكلٌ وشربٌ وذكرٌ لله تعالى».

 

ومن هذه الوظائف والأعمال التكبير والتهليل؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ما من أيام أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه العملُ فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكْثِروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»؛ (أخرجه الطبراني، وأحمد، وأبو عوانة، وهو حسن بمجموع شواهده).

 

وقال الإمام البخاري: "وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران، ويكبر الناس بتكبيرهما"؛ ولذا فينبغي أن نكبر في المسجد، وفي السوق، وفي الطريق، وأن نذكِّر أهلينا وأصحابنا، وأن نعوِّد أبناءنا وبناتنا على ذلك.

 

نعم أحبتي في الله، فإنه يجدر بنا إحياء هذه السُّنَّة التي هُجِرَت، لا سيما في هذه الأيام، التي كادت أن تُنسَى حتى من أهل الصلاح والخير، بخلاف ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم هذا في التكبير المطلق، أما التكبير المقيَّد بأدبار الصلوات، فإنه يبدأ من فجر عرفة، ويستمر حتى عصر آخر يوم من أيام التشريق؛ وهو اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحِجَّة.

 

أيها المؤمنون:

إن من أعمال عشر ذي الحِجَّة التي سُنَّ لنا أن نتقرب إلى الله تعالى بها:

ذبح الأضاحي: فقد ضحَّى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسَمَّى وكبَّر، ووضع رجله على صِفاحهما؛ أي: جانب أعناقهما.

 

عباد الله:

إذا رُئِيَ هلال شهر ذي الحِجَّة، ينبغي لمن أراد أن يضحِّيَ ألَّا يأخذ شيئًا من شعره وأظفاره، أو بشرته، بحلق أو بغيره، حتى يضحِّي يوم العيد؛ لِما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «إذا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّة، وَأَرَادَ أحدكم أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وَأَظْفَارِه»، وهذا النهي يخص صاحب الأضحيَّة، ولا يعُم الزوجة ولا الأولاد، إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر، أمسك عن ذلك من حين نيته، ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.

 

هذا، وإن من السنة أن تُذبَح الأضحية بعد صلاة العيد، ولا يجوز ذبحها قبل الصلاة؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «من ذبح قبل الصلاة، فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة، فقد تمَّ نُسُكُه، وأصاب سُنَّة المسلمين»؛ (رواه البخاري رحمه الله).

 

وقد علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن تكون الأضحية خالية من العيوب التي من شأنها أن تُسبِّب نقصانًا في اللحم؛ فلقد جاء من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع لا تُجْزِئ في الأضاحي: العوراء البيِّنُ عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تُنْقِي»؛ (رواه مالك، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، وصححه الألباني)، ويُقاس على هذه العيوب الأربعة ما في معناها؛ كالهتماء التي ذهبت ثناياها، والعَضْباء التي ذهب أكثر أذنها، أو قرنها، ونحو ذلك من العيوب.

 

أحبتي في الله:

علَّمنا نبينا الكريم أن الشاة تجزئ في الأضحية عن الواحد وأهل بيته؛ ففي حديث أبي أيوب رضي الله عنه: ((كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحِّي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون))؛ (رواه ابن ماجه، والترمذي، وصححه الألباني).

 

وعلمنا نبينا الكريم أنه يجوز التضحية بالبعير والبقرة الواحدة عن سبعة؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: ((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البَدَنَة عن سبعة، والبقرة عن سبعة))؛ (رواه مسلم).

 

وأُنبِّه على أنه لا يقل نصيب المضحِّي عن السُّبُع في البقرة، أو الجاموسة، أو الجمل.

 

وقد استحب الفقهاء تثليث الأضحية؛ بمعنى: أن تقسَّم بحيث يكون ثلثها للمضحِّي وأهل بيته، وثُلُثها للفقراء، وثلثها للهدايا، ومن أكْثَرَ نصيب الفقراء عن الثلث، فقد أحسن.

 

أحبتي الكرام: ومما ينبغي أن أنبه عليه بصدد الأضحية أن وقت ذبحها وتوزيعها يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهي في آخر أيام التشريق؛ وهو يوم الثالث عشر من ذي الحِجَّة، بمجرد غروب شمسه.

 

ومما أنبه عليه أن: الجزار لا يُعطَى أجرته من الأضحية، فلا يُقال له – مثلًا - معك اثنان كيلو من اللحم، وما هو بقية حسابك؟ وإنما إن كنت ستهدي للجزار منها، فأعْطِهِ على سبيل الهدية، أو الصدقة، لا على أن ما يأخذه من أجرته.

 

وأنبه أيضًا على أنه: لا يجوز بيع جلد الأضحية، ولا أي شيء من أجزائها لصالح المضحِّي، وإنما يستفيد به المضحي بدبغه، أو بتوزيعه لمن يتصرف فيه بما يعود نفعه للفقراء والمستحقين.

 

عباد الله: أيام عشر ذي الحِجَّة فرصة عظيمة، ومِنَّة من الله كريمة، فعظِّموا هذه الأيام، فإنها عظيمة عند الله ذي الجلال والإكرام، واستبقوا الخيرات، وتنافسوا في الطاعات، واغتنموا أيامكم ولياليكم بالأعمال التي تقربكم إلى الله زُلفى، وراقبوا مولاكم؛ فإنه يعلم السر وأخفى.

 

إخوة الإسلام:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

______________________________________________________________

الكاتب/ عبدالفتاح شعبان حبسه

  • 5
  • 0
  • 756

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً