قتل القذافي
(خبر عاجل): «القذافي قتل»!! .. مزيج من مشاعر الدهشة تنتاب الجميع .. معقولة القذافي قُتِل!، معقولة رحل القذافي هو وأبناؤه وبهذه الطريقة المأساوية!، معقولة رحل القذافي وهو مدرج في دمائه، وبين يديه سلاحه الذهبي.
الزمان: عصر الخميس: (20/10/2011م) المكان: شاشة قناة الجزيرة الفضائية (خبر عاجل): "القذافي قتل".
مزيج من مشاعر الدهشة تنتاب الجميع معقولة القذافي قُتِل..! معقولة رحل القذافي هو وأبناؤه وبهذه الطريقة المأساوية..!
معقولة رحل القذافي وهو مدرج في دمائه، وبين يديه سلاحه الذهبي..! نعم هذه هي الحقيقة وإن لم تستوعبها العقول من أول وهله.
فلقد رحل الطاغية كما رحل الطغاة قبله، رحل بعدما يئست القلوب من رحيله، وهو الزعيم الذي لم تعرف الجموع الغفيرة في ليبيا المعاصرة زعيمًا غيره أكثر من أربعين سنة وهو ملء الأسماع والأبصار.. ولكنه قتل..! قُتِل القذافي الذي تفرد في طغيان ربما لم تعرف البشرية مثله طيلة عهدها السحيق، قُتِل القذافي الذي كان لا ينظر إلى الأرض أبدًا من فرط كبرياؤه وجبروته، قُتِل القذافي الذي لقب نفسه بملك مُلوك إفريقيا، وبإمام المسلمين وعميد الحكَّام، ورئيس الاتحاد الإفريقي.
قُتِل القذافي الذي عارض بكتابه الأخضر ومفاهيمه الشوهاء كتاب الله تعالى، قُتِل القذافي الذي اعتبر الدين عدوًّا للحرية والعلم، قُتِل القذافي الذي أنكر حادثة المعراج.
قُتِل القذافي الذي استهزأ بمقدَّسات المسلمين، فوصف الحج بأنَّه عبادة ساذجة، والحجاب بأنَّه من عمل الشيطان، قُتِل القذافي الذي ادَّعى أنَّ الدولة الفاطميَّة -والتي كفَّرها علماء السنة- أنها أوَّل دولة قامت في الإسلام، قُتِل القذافي الذي زعَم أنَّ أبا بكر ليس بخليفة رسول الله، ووصف عمر بأنَّه ديكتاتور، ونفى عن عثمان صلاحيَّته للحكم، كما نفى أنْ يكون هناك عشرة مبشرون بالجنة.
قُتِل القذافي الذي وصَف الخلافة بعد النبي بأنها بدعة وضلالة، منذ أنْ قامت بعد وفاة الرسول، وقال ما نصه: "إنَّ الرسول بريء من الخلفاء الذين أتوا بعده".
قُتِل القذافي الذي بل بلغ من جُرأته وعدم احترامه لمشاعر المسلمين أنِ اقترح أنْ تحذف كلمة (قل) من المصحف، زاعمًا أنها أمرٌ موجَّه للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد مات النبي.
قُتِل القذافي الذي أنكر العمل بالسنَّة والاحتجاج بها، بحجَّة الضعيف والموضوع فيها، بل اعتبر العمل بالسنَّة من الشرك بالله، قُتِل القذافي الذي كانت تحرسه النساء..!
قُتِل القذافي الذي أضحك العالم كله من مواقفه المجنونة، قُتِل القذافي الذي كان ضحية فهمه الخاطئ للسلطة، تلك السلطة التي سكر من حلوها فتناسى مرها.
قُتِل القذافي الذي احتكر ثروات ليبيا النفطية لنفسه، وأذاق شعبه الفقر والحرمان والجهل قبل أن يذيقهم القهر والذل والهوان، قُتِل القذافي في أبشع صور سوء الخاتمة المعاصرة تلاحقه لعنات شعبه.
ذكرياتي مع القذافي لا تتجاوز ذكريات المواطن العادي، الذي كان يجد صعوبة في كتابة الديباجة الليبية المعهودة على أي مظروف يرسل للجماهيرية عبر البريد: (الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى) هكذا وبنفس السرد والترتيب، وإلا لن تصل الرسالة وفق قرارات الزعيم الملهم، وحدثني دكتور صديقي كان يعمل بجامعة سبها في كلية الآداب: "أن دكتورة ألفت كتاب عن الزعيم الأوحد بعنوان (رسول الصحراء) فاستدعاها القذافي لمقابلته وأعطاها مكافأة عبارة عن جوال ملئ عن آخره بالنقد..!" مما فتح شهية صديقي الدكتور فعزم على تأليف كتاب عن المناهج التربوية في فكر القذافي ليفوز بهذه الصفقة الثمينة، التي ممكن أن تغير حياته رأسا على عقب.
ولا أنسى أبدًا القصة التي رواها لي أحد العمال المصريين الذين كانوا يعملون بليبيا، حيث أصيب بنزلة معوية حادة، عجز الأطباء في المستشفى الليبي عن علاجها، فأخذ أحد الأطباء ابنه المرافق له وقال له: "ارجع بأبيك إلى مصر فالطب هنا ضعيف للغاية، نحن لو أردنا إجراء أبسط العمليات ولو حتى استئصال اللوزتين لطفل صغير نذهب به لمصر" وفعلا فعل الولد ونجا الوالد بأعجوبة، وهكذا ترك القذافي ليبيا خراب من كل شيء.
أما طريف مآسي القذافي فهي أكثر من أن تحصى أو تعد، ولعل أشهرها: أن القذافي كان إذا لم تعجبه فقرة إعلامية على القنوات الرسمية يغضب، فتبرز على الشاشة صورة كاريكاتورية رسمها الفنان محمد الزواوي، وهي عبارة عن (حذاء) أعزكم الله، ويبقى الحذاء سيد الشاشة لساعات، ويعود البث إلى طبيعته حين يهدأ القذافي ويقرر العودة للبث بنفسه، لأن العقيد الليبي كان يتحكم بهذا الأمر من مقره في باب العزيزية، وأثناء احتلال (الحذاء) للشاشة يستمر الموظفون في القنوات الرسمية بعملهم الاعتيادي، ويتواصل بث البرامج وتقديم نشرات الأخبار خشية أن يعود البث في أية لحظة من دون سابق إنذار.
لا أريد أن أتجاوز مرارة الماضي بكل بساطة، ولا أمر على دماء الشهداء وجروح الأبرياء مرور الكرام، لكن لابد أن لا ننسى أن النصر الفعلي لم يتحقق كاملًا، وأن المرحلة القادمة لا تقل خطورة عن المرحلة السابقة، وإن كانت بدون دماء، إلا أن نار الخلاف يمكن أن تحرق الكل، قال تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]. فضلًا عن سرقة الثورة من قبل الوصوليين والانتهازيين، ولا يفوتنا أن سرقة الثورات صناعة عربية باقتدار، ويكفي أن ندلل من التاريخ على العديد من الثورات العربية التي سرقت من قبل زعماء مغاوير أتقنوا فن الشعارات، وخدروا شعوبهم لعقود، وما القذافي منا ببعيد.
المهم في المرحلة القادمة الاستفادة جديًا من سلبيات المرحلة السابقة، وأن يعي الشعب الليبي العظيم طبيعة الظروف المستقبلية، خاصة وأن الخطر ليس داخليًا فقط، بل دول قوات حلف الناتو تريد تسديد فاتورتها أضعاف مضاعفة في صورة استثمارات باهظة التكاليف، إضافة إلى أن هناك من له مصلحة في تولي السلطة بليبيا لحكومة موالية تخدم مصالحه.
عموما الفرقة تظل الخطر الأكبر الذي حذرنا الله تعالى منه، حيث يقول جل شأنه: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
- التصنيف:
- المصدر:
محمد جاسر
منذalighrib
منذمحمد البشير حسن
منذ