هويتنا والحفاظ عليها
ما أحوجنا أن نَتَحَدَّثَ عن بَلَدِنا، عن هُويته وشخصيته، ومَرْكَزِه وخاصيته، وبالأخص في هذا الوقت الذي تَسارَعَتْ فيه المتغيرات، وتَغَيَّرَتْ فيه القناعات.
أيُّها المسلمون:
اتَّقوا ربكم حَقَّ التَّقْوى، واعملوا بطاعة ربكم ومرضاته، فهو السبيل الوحيد إلى رِضْوانه وجناته؛ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
إخْوة الإيمان:
ما أحوجنا أن نَتَحَدَّثَ عن بَلَدِنا، عن هُويته وشخصيته، ومَرْكَزِه وخاصيته، وبالأخص في هذا الوقت الذي تَسارَعَتْ فيه المتغيرات، وتَغَيَّرَتْ فيه القناعات.
نَتَحَدَّث عَنْ ذلك في ظِلِّ الحَمَلات اللاَّمُتناهِية، التي تستهدف بَلَدنا ودُستوره، ونظامه ومحاولة تذويبه نحو الوِجهة الغَرْبيَّة.
لا نَتَحَدَّث عن بَلَدنا عصبيَّة جاهليَّة، أو حميَّة قوميَّة، ولا تزكية للنَّفْس أو تغنينًا بالمآثِر، وإنما تذكيرًا بِفَضْل الله تعالى واستشعارًا بِعِظَم المسؤوليَّة في حماية ديننا، وإبقائِه نقيًّا ناصِعًا.
عباد الله:
هذا البَلَد الذي نَتَفَيَّأ ظِلاله، ونعيش في كَنَفِه، هي الأرض التي اصطفاها الله؛ لتكونَ مهبط وَحْيه، ومنطلق خاتم نُبُوَّاته ورسالاته، على ثَرَاها عاش الأنبياءُ، وبين دُرُوبِها سار الرُّسل وحجوا وعجوا.
هذه الجزيرةُ شَهِدَتْ مولِد أفضل وخَيْر الخَلْق محمدٍ صلى الله عليه وسلم بين سُهُولها وحرَّاتها نشأ، وعلى أرجائها وفجاجها تَنَقَّلَ ودعا، هذه الجزيرةُ منها شَعَّ نورُ الإسلامِ، الذي ارْتضاه اللهُ للبشريَّة جميعًا، وعَبْر بوابتها دَخَلَ الناسُ في دِين الله أفواجًا، وعلى أكتافِ أبنائها الأوائلِ بلغ الدِّيْن ما بلغَ اللَّيل والنهار، فلم يتركِ اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَر إِلاَّ أدخلَه هذا الدِّين، بِعِزِّ عزيزٍ، أو بِذُل ذليل.
هذا البلد يضم بين جَنَباتِه أحبَّ البِقاع وأكرمها عند الله تعالى هذا البيت العتيق، الذي أقسم به ربُّه، فقال: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين: 3]، وَجَعَلَهُ مثابةً للناس وأمنًا، في كُلِّ زمانٍ ومكان، القلوب نحو هذا البيت مُعَلَّقة، والجِباهُ إليه مُيَمَّمَة مُصلِّية.
وفي هذا البلد أيضًا يتشَرَّف بتلك البقعة الطَّاهرة، المدينة الطيبة، التي اختارها الله؛ لتكونَ منطلقًا لدعوة حبيبِه وخليله صلى الله عليه وسلم اصطفاها الله؛ لتكونَ عاصِمة الإسلام الأولى، ومَأْرِزُ الإيمان إلى قيام الساعة هذه البلاد.
هذه البلاد هي حَرَم الإسلام، وللحرم حُرُماته التي لا تُنْتَهَك، ولن تكونَ دار كفر أبدًا، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشيطان قد يَئِس أن يعبُدَه المُصَلُّون في جزيرة العرب؛ ولكن في التَّحريش بينهم»؛ (أخرجه مسلم) .
هذه الجزيرة لا تُقام فيها إلاَّ شعائر الإسلام، فلا تجتمع فيها هلال وصليب، ولا مساجد وكنائس؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا يُتْرك في جزيرة العرب دينان»؛ (رواه الإمام أحمد بسند حسن) .
هذه الجزيرةُ أبقاها الله للإسلام، واصْطفاها لأهلِه، فلم يَحْتلها في تاريخها كافرٌ، ولم يَحْكُمْها أهل البِدَع، وإن حكموا ففي جزءٍ منها، ولِفترة محدودةٍ.
هذه البلاد ستبقى معقل الإسلام، ومبدأَه ومُنتهاه، وهي المَوْئِل الذي يأوِي المسلمون في الأزمات والساعات العصيبة إليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليَأْرِزُ إلى المدينة كما تأرز الحيَّة إلى حجرها»؛ (رواه مسلم) .
وفي لفظ: «إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز»، وفي لفظ: «إن الإيمان ليأرز ما بين المسجدين».
هذه بلدُنا، قدرها الإسلام، وشخصيتها التوحيد، ووظيفتها نَشْر أنوار النُّبوة المُحَمَّديَّة إلى أرجاء الدُّنيا، هذه هُويتنا، التي يجب أن نعلنَها ونرفعها، وإن شَرَّقَ بها مَن شرق.
إخوة الإيمان:
بَقِيَتْ هذه البلاد بِهُويتها وتَمَيُّزِها عصيَّة على دعوات التغريب، تلك الدعوات التي ضَرَبَتْ أطنابها في بلدان إسلاميَّة، وبقيَ كدرها ونَتَنُها باقيًا فيها.
وفي السَّنَوات الأخيرة ازْدادَتْ شراسَة مثل هذه الدعوات على بلادنا، وأصبح الهُجُوم على التَّدَيُّن والأخلاق والقِيَم، ومحاولة تَمْييعها وتَذْويبها واضِحًا وُضُوح الشمس في رابِعة النهار، يقوم على هذه الدَّعوات أعداء حاقِدون، وأبناء عاقُّون.
والذي ينبغي أن يُعلَمَ أنَّ محاولة طَمْس هُويَّة البلد الإسلاميَّة أو تغييبها، هو جزء منَ العداء الفكري، والقتال الذي نَبَّأنا الله خَبَرَه عن أهل الكتاب؛ {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
عباد الله:
وتزداد ضَراوَةُ رياح تغيير الهُويَّة إذا مُورِسَتْ فيها الضُّغوط السياسيَّة تحت شِعار الإصلاح، أوِ الدِّيمُقراطيَّة، أوِ التَّعدُّديَّة، وحقوق الإنسان، ولا نجد واللهِ خيانة للبلد ولا عقوقًا للوطن أعظم من أن تُسْتَنْجَدَ هذه المنَظَّمَات الدوليَّة؛ للضَّغط داخليًّا مِن أجل التغيير المزعوم.
عباد الله:
إنَّنا مُستَهْدَفُون في هُويتنا، ليس هذا وُقُوعًا في هاجِس المُؤامَرة، كلاَّ؛ بلِ الأحداثُ والوقائع والتصريحات لَتُؤَكِّد أنَّ البلد بل المنطقة مُستَهْدَفة لمشروعٍ تخريبي، تَتَوَلى كِبْره قنوات فضائية، وأقلام مأجورة، تُبَشِّر بالمشروع الأمريكي في المنطقة، وقد جاء على لسان أحد السَّاسة الغربيينَ، ونُشِر في الصُّحُف قبل سنوات: أنَّ أمريكا تسعى لاخْتيار عددٍ منَ الشخصيات الإصلاحيَّة، ودعوتها إلى واشنطن؛ للتَّعاوُن معها في سبيل الترويج لِمُبادرة أمريكا لنشْرِ الديمقراطيَّة، وأنَّ تلك الشخصيات، ستحصُل على حماية ضمينة، من خلال حُصُولها على دعم سياسيٍّ وإعلاميٍّ.
عباد الله:
إنَّ مِن حِفظ هُويتنا والمُحَافَظة عليها، معرفة الشَّر المُحدق بها، وكَشْف أساليب مَن يَجرُّها إلى مُستَنْقع التَّغريب، فمِن أعظم معاوِل القوم في دَكْدَكة هُويتنا الإسلاميَّة وتذويبها، هو محاوَلة إفساد المرأة المسلمة، ودُعاة التغريب لهم مع المرأة تاريخٌ طويلٌ، فهي هَدَفُهمُ الأول والثاني والأخير؛ لأنَّ المرأةَ هي مفتاح صلاح المجتمع أو فساده، فَفَسَادُها وإفسادُها إفسادٌ للمجتمع كلِّه.
نعم، قَطَعَ هؤلاءِ المُتَحَرِّرون شَوْطًا في ذلك، فأبْرَزُوا لنا المرأةَ منذ أمدٍ، أبرزوها بكامِلِ زينتها وفتنتها، أبرزوا لنا ذلك في جميع وسائِلهم في الصُّحُف والمجلات، والقِصص والروايات، وفي الأفلام والدعايات، غير أن أهواءَهم لم تنتهِ عند هذا الحدِّ، فسَعَوا إلى إخراج المرأة إلى مَيْدان كل عمل، حتى ولو لم يتناسبْ مع طبيعتها وأُنُوثتها، والهدفُ هو خُرُوج المرأة، وتطبيع اختلاطها مع الرِّجال، أمَّا مَنْع وحَظْر اختلاط المرأة بالرِّجال في العمل، والتي نَصَّتْ عليه أنْظِمَة العمل في بلادنا، فقد غُيِّبَتْ وأصبَحَتْ أَثَرًا بعد عين.
إخوة الإيمان:
ومِن وسائل القوم في تغيير الهُويَّة، نَشْر ثقافة التَّعَرِّي والتَّفَسُّخ، والتَّطْبيع لقضايا الحبِّ والعلاقات المُحَرَّمة، وسماء الفضائيَّات اليوم مَلِيئةٌ بِمَشاهِد الرَّقْص، وأفلام الغرام، والقُبُلات الحارَّة.
إخوة الإسلام:
ومِن أساليب القوم في التَّبْشير بالتغيير المزعوم، الدَّعوةُ إلى الإسلام المستنير المُعتدل، إسلامٍ تَغِيب أوْ تُحَرَّف فيه مُسَلَّمات شرعيَّة لا تَرُوق للحضارة الغربيَّة، إسلامٍ لا يُذْكَر فيه الوَلاء والبَرَاء، ولا الأمر بالمعروف والنَّهي عنِ المُنْكر؛ ولذا كثيرًا ما نراهُم يشغبون على الفِقه المُتَشَدِّد هنا، ولو فصحتْ تلك الأقوال المُتَشَدِّدة التي لم ترق لهم، لوجدتها أقوال أئمَّة الإسلام؛ كابن حنبل، وابن تيميَّة، وابن باز - رَحِمَ الله الجميع.
هذا الإسلامُ المستنيرُ المعتدلُ الذي يدعو إليه هؤلاءِ، يتسامح مع كلِّ شيء، إلاَّ مع مظاهر التَّدَيُّن هنا، فينقلب كالكواسِر عليه، فيَتَهَجَّم على القضاء والحِسبة، ويَتَّهم مناهجنا وحلقات القرآن عندنا، ويَسْتَعْدِي على المناشط الدِّينيَّة التَّربويَّة الهادِفة، ويستهدف رُمُوز أهل العلم، ووصْفهم بالسَّطحيَّة، وعدم مُواكَبة التَّطوُّرات.
ولم يَعُد خافيًا أن النَّيْل منَ العلماء أصبحتْ مادَّة خصبة في برامج الفضائيَّات، وزوايا المقالات، واللهِ عارٌ علينا - يا أمة محمد - أن نرى أمم الكُفْر تُبَجِّل كَهَنتها وحاخَامَاتِها وآياتها، بينما أمة الإسلام يَتَطَاوَل سفاؤُها على كبارِها، ورُويبضها على قاماتِها.
كلُّ ذلك تحت شعار الحريَّة وحريةِ التعبير، زعموا، فلا مرحبًا بهذه الحرية التي لا تَتَأَدَّب ولا تُوَقِّر مع ورثة الأنبياء، «وإنَّ مِن إجلال الله تعالى إِكْرَام ذِي الشَّيْبة المسلم»، فكيف بِمَنْ يقوم في الأمَّة مقام محمدٍ صلى الله عليه وسلم في الدَّعْوة إلى دينه، وتعليم الناس الخير.
عباد الله:
إنَّ استهداف العُلماء بالتَّنَقُّص والثلب؛ يعني نَزْع الثقة بهم، والتَّزهيد فيهم، والسؤال الذي يطرح نفسَه: لماذا يستهدف هؤلاءِ علماءَنا؟
لأنَّ العلماء هم رأسُ الحربة في مواجَهة مشروع هؤلاءِ التخريبي، فإذا أسقطوهم سهل عليه بَثُّ سموم التَّخريب بعد ذلك.
إخوة الإيمان:
إنَّ حماية البلاد، ودينها، وأخلاقها، مسؤوليتُنا جميعًا في إعلامنا ومساجدنا، في جامعاتنا ومدارسنا، في بُيُوتِنا ومجالِسنا.
وكلٌّ منَّا على ثغرِه، فلْيُنْفق ذو سَعة مِن سعتِه، ومَن قدر عليه علمه وجهده، فَلْيُنفق ممَّا آتاه الله، {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} [الطلاق: 7]، مع نَشْر الوعي، والمُناصَحة بالمعروف، والتَّواصُل مع أهل الحل والعقد، في فَضْح مُخَطَّطات المُستَغربينَ، وتجاوزاتهم للسِّياسة والدِّين، فإنَّ الله يَزَعُ بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن.
وألاَّ ننسى اسْتِدفاع هذه المخاطر عنا بالتَّسَلُّح بالإيمان، والصَّبْر على طاعة الرحمن، {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120].
________________________________________________________
الكاتب: الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان
- التصنيف: