{هو الذي يريكم آياته} (زلزال المغرب - سيول ليبيا)
اللهم اكشف عن إخواننا في المغرب وليبيا ما نزل بهم، اللهم ارحم موتاهم، وتقبَّل شهداءهم، واشْفِ جرحاهم، وعافِ مُبْتلاهم، وآوِ شريدهم، وأمِّن خائفهم، واربط على قلوبهم.
من آيات قدرته العظيمة: أن جعل الأرض قارَّةً ساكنةً ثابتةً لا تتزلزلُ، ولا تضطربُ، ولا تميد، ولا تتحرَّك بأهلها، ولا ترجف بمن عليها، وجعلها مِهادًا وبساطًا، وأرساها بالجبال وقرَّرها، وثقَّلَها حتى سكنت وتذلَّلَت، أنبع عيونها، وأظهر مكنونها، وأجرى أنهارها، وأنبت زرعها وأشجارها وثمارها، وبثَّ الخلق فيها إذ دحاها، فهم قُطَّانُها حتى التنادي، يعيشون في أرجائها وأطرافها حتى يُنادي المنادي:
الحمد لله الذي استقلَّـــتْ ** بإذنه السماءُ واطمأنــــتْ
بإذنه الأرض فما تَعَنَّــــتْ ** وَحَّى لها القرارَ فاستقرتْ
وشَدَّها بالراسيات الثُبَّتْ ** رَبُّ العبادِ والبلادِ القُنَّــــتْ
يقول ابن القيم رحمه الله: تَأمَّلْ خَلْقَ الأرضِ على مَا هِيَ عَلَيْهِ، حِين خُلِقَتْ واقِفَةً سَاكِنَةً؛ لِتَكونَ مِهادًا، ومُسْتَقَرًّا لِلحَيَوانِ والنَّباتِ والأَمْتِعَةِ، ويَتَمَكَّنُ الْحَيَوَانُ وَالنَّاسُ من السَّعْي عَلَيْهَا فِي مآرِبِهم، وَالْجُلُوسِ لِراحاتِهم، وَالنَّوْمِ لِهُدوئِهِم، والتَّمَكُّنِ من أعمالِهم، وَلَو كَانَتْ رَجْراجَةً مُتَمَايِلَةً؛ لم يستطيعوا على ظَهْرِهَا قرارًا وَلَا هُدُوءًا، وَلَا ثَبَتَ لَهُم عَلَيْهَا بِنَاءٌ، وَلَا أَمْكَنَهم عَلَيْهَا صِنَاعَةٌ، وَلَا تِجَارَةٌ، وَلَا حِراثةٌ، وَلَا مَصْلَحَةٌ! وَكَيف كَانُوا يَتَهَنَّونَ بِالعَيْشِ والأرضُ تَرْتَجُّ مِنْ تَحْتِهِم؟! وَاعْتَبِرْ ذَلِك بِمَا يُصِيبُهم مِن الزَّلازِلِ، على قِلَّةِ مُكْثِهَا، كَيفَ تُصَيِّرُهم إلى تَرْكِ مَنَازِلِهمْ، والهَرَبِ عَنْهَا؟![1]
تُزلزل الأرضُ هذي قدرة البـــاري ** فكلُّ نازلةٍ فيها بمقـــــــــــــدارِ
يقدِّر الله فِيها وهو خالقُهــــــــــا ** ما شاء، فهي على أكتافِ أقدارِ
لحكمةٍ خَفيتْ تجري نوازلُهـــــــا ** والله أدرى بأسبابٍ وأســــــرارِ
ما هذهِ الأرضُ إلا دارُ مُرتحَـــــلٍ ** يا قُرْبَ رحلتنا عن هذه الـــدَّارِ
أيها الناس، إن مشاهد آثار الزلزال الذي رأيناه والفيضانات والسيول الجارفة؛ مناظر الكوارث التي تأتي بدون توقُّع ولا نذر مسبقة، ورأينا الدمار على معالم مشُيَّدات، ومبانٍ راسيات، فإذا هي نثار من الأحجار، ورأينا الموت في آلاف اللفائف البشرية، ورأينا الفاجعة في عيون دامعة، ونظرات زائغة على وجوه الناجين، ينظرون إلى بيوتهم التي كانت مسكنهم ومأواهم، فإذا هي قبور أقاربهم!
مشهدٌ مريع، ودمار مفجع، ومآسٍ وأسى ترويها الوجوه الحزينة الشاحبة، كل ذلك نتيجة هزَّة أرضية استمرت أقل من دقيقة، لتعقب ذاك الدمار كله.
فإذا أردت بيان ذلك ففي قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50]، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117].
إن المؤمن ينظر من وراء كل حركة في الكون إلى قدَرِ الله الذي قدَّره، وتدبيرِه في خلقه، ولا يقف بصرُ بصيرته أمام الحوادث والكوارث دون أن يقول: قدَّر الله وما شاء فعل، هذا خلق الله وهذا قدره، وبهذه النظرة الإيمانية كان صلى الله عليه وسلم يعيش مع الكون موصولًا بخالقه، وينظر إلى الخالق في خلقه وإلى القدير في قدره، فإذا نزل الغيث حسر ثوبهُ ليتلقَّى آثار رحمة الله[2]، وإذا كسفت الشمس خرج فزعًا[3] يخشى أن يكون هذا التغيُّر الفلكي نذير عذاب على أمته.
عَنْ جابِرٍ، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]؛ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أعُوذُ بِوَجْهِكَ، قالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]؛ قالَ: أعُوذُ بِوَجْهِكَ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذا أهْوَنُ - أوْ هَذا أيْسَرُ»[4].
المَرْءُ رَهْنُ مَصَائِبٍ لا تَنْقَضِي ** حَتى يُوَارَى جِسْمُهُ في رَمْسِهِ
فَمُؤجَّلٌ يَلقَى الرَّدَى في أهلِهِ ** وَمُعَجَّلٌ يَلقَى الرَّدى في نَفْسِهِ
أيها المسلمون، إن المؤمن لينظر إلى تلك الحوادث والكوارث على أنها شواهد القوة والعظمة الإلهية، وشهادة الضعف والعجز البشري، ومحدودية القوة لدى الإنسان الذي عجز عن مجرد توقُّع هذه الكوارث فضلًا عن دفعها، ثم ينظر إلى مشاهد الزلزال بدمارها ومآسيها؛ فيتذكر عظيم النِّعْمة التي تمتَّع بها طويلًا، والتي لا نعرف قدرها إلا بمشاهد فقدها.
{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الملك: 16 - 18]، {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 - 99]، {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 45 - 47].
كم قرأنا الآيات وسمعناها: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النمل: 61]؟! كم طرق أسماعنا: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15]؟! كم مرَّ بنا: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: 48]، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الملك: 15]؟!
هل أدركنا الآن دلائل قوله - جل في علاه-: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41]؟ ولا ندرك من عميق تلك المعاني وعظيم المنة من الله ما ندركه ونحن ننظر آثار أن تميد الأرض ثوانٍ معدودة.
رأينا -يا أيها الناس- مشاهد الناس وهم يتدافعون من البيوت إلى الشوارع خوفًا وهلعًا فتذكرنا قول الملك - جلَّ جلاله-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243]، وكأن لكل امرئ في ذاك الحدث شأن يُغْنيه.
ولئن كانت هذا آثار حركة يسيرة في زاوية من الأرض؛ فكيف لو أن الراجفة رَجفت بالأرض من أقطارها، وهزتها من كل أنحائها؟! فأي قرار بعد لأهلها؟! وأي عمار سيكون على ظهرها؟! بل كيف لو اضطربت الحركة في نظام الفلك بمجرَّاته وشموسه وكواكبه؟!
نرى مشاهد الزلزال -يا عباد الله- فنرى مشهدًا من مشاهد القيامة؛ فهذه الزلازل أمام أعيننا قيامة صغرى تُذكِّرنا بالزلزال الكوني الأعظم؛ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة: 1 - 3]، {إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} [الفجر: 21]، {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 4 - 6]، {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلً} ا ﴾ [المزمل: 14]، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14]، {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات: 6 - 9]، {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 4، 5].
اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوْذُ بِك أنْ نَفْتَقِر فِي غِنَاك، أو نَضِلَّ في هُدَاك، أو نَذِلَّ لِسِواك.
إن مسَّنا الضُّرُّ أو ضاقت بنا الحِيَـــلُ ** فلنْ يخيبَ لنا في ربِّنا أمــــــلُ
وإن أناخت بنا البلوى فإن لنـــــــــــا ** ربًّا يُحَوِّلُها عنَّا فتنتقــــــــــــــلُ
اللهُ في كلِّ خَطبٍ حسبنا وكفــــــى ** إليه نرفعُ شكوانا ونبتهــــــــــلُ
من ذا نلوذُ به في كشف كربتنــــــا؟ ** ومن عليه سوى الرحمن نتَّكِــلُ
عباد الله، لئن كان في الزلزال والسيول التي حدثت حدث بالأمس القريب كانت كل مرضعة تفزع إلى رضيعها؛ فإن زلزلة الساعة تذهل فيه كل مرضعة عمَّا أرضعت.
ولئن كان الناس في زلزال الأمس حيارى! ففي زلزلة الساعة يكون الناس سكارى!
إذا استوفت النَّفْس مكيالهــا ** وزُلْزِلت الأرضُ زلزالهــــــــــا
فما لك من فرصةٍ للإيــــــابْ ** ولن يرجعَ العمرُ بعد الذَّهابْ
تقدَّم فما زال للصُّلْح بـــــابْ ** وبالموت يُغلَق بابُ المتـــابْ
{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [الزمر: 16]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} [هود: 103]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات: 26]، {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} [الأعلى: 10-11].
وأما الغافلون والمستبِدُّون، فقد قال الله عنهم: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60].
ما يجهلُ الرشدَ من خاف الإلهَ ومَنْ ** أمسى وهِمَّتُهُ في دينه الفتــــــــــرُ
ما يحذرُ اللهَ إلا الراشدون وقـــــــد ** ينجي الرشيدَ من المحذورة الحذرُ
ذُكِرَ أنَّ الكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فاعْتِبُوهُ [5].
وتَزَلْزَلَتْ الأرْضُ عَلى عَهْدِ عُمَرَ، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَيْها، وقالَ: ما لَكِ؟ ما لَكِ؟ أما إنَّها لَوْ كانَتِ القِيامَةُ حَدَّثَتْ أخْبارَها، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ فَلَيْسَ فِيها ذِراعٌ ولا شِبْرٌ إلَّا وهُوَ يَنْطِقُ» [6].
أيها المؤمنون، أقسم الله سبحانه بالأرض ذات الصَّدع {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 11 - 14]، ولم يكن هذا الصَّدعُ معلومًا في سابق الأزمان، حتى اكتُشِفَ جيولوجيًّا في القرن الماضي، فوجدَ العلماءُ صدعًا ضخمًا في باطنِ الأرض في قاع المُحيط، وأن مُعظمَ الزلازِلِ في العالمِ تتركَّزُ في هذا الصَّدع.
من تلك الأحداث نفهم مدلول دعائه صلى الله عليه وسلم: «وأعوذُ بِعَظَمتِكَ أَن أُغتالَ من تَحتي» [7].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ»، قالوا: وما الهَرْجُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: «القَتْلُ القَتْلُ»[8].
عباد الله، نرى هذه المشاهد تقع هنا وهناك من حولنا، ويصرفها الله عنا، وليس ذاك لأنا أبناء الله وأحِبَّاؤه؛ ولكنه مزيد إنعام من الله وفضل، يستوجب ذكرُه مزيد شكر للمنعم عز وجل، واعتراف بتقصيرنا في جناب الله الذي هذا فضله وهذه نعمته، ونحن في قبضته وتحت تصرُّفه لنقول: نبوءُ بنعمتك علينا ونبوءُ بذنوبنا، فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
بِمَن يستغيثُ العبدُ إلَّا بربِّــــه ** ومَنْ للفتى عند الشدائدِ والكَــــــــرْبِ؟
ومَنْ مالكُ الدنيا ومالكُ أهلِهـا ** ومَنْ كاشفُ البلوى على البُعْدِ والقُرْبِ؟
ومَن يدفعُ الغمَّاءَ وقتَ نزولِها ** وهل ذاك إلَّا مِن فِعالِكَ يـــــــــــــا رب؟!
اللهم اكشف عن إخواننا في المغرب وليبيا ما نزل بهم، اللهم ارحم موتاهم، وتقبَّل شهداءهم، واشْفِ جرحاهم، وعافِ مُبْتلاهم، وآوِ شريدهم، وأمِّن خائفهم، واربط على قلوبهم.
اللهم اكشف عنا وعن المسلمين البأساء والضَّرَّاء، واهدنا إلى سواء السبيل، اللهُمَّ إنا نبات نعمتك؛ فلا تجعلنا حصاد نقمتك، اللهُمَّ إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجَاءة نقمتك، وجميع سخطك.
[1] مفتاح دار السعادة (2/ 619).
[2] روى الحاكم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمطرت السماء حسر ثوبه عن ظهره حتى يصيبه المطر، فقيل له: لم تصنع هذا؟ قال: ((إنه حديث عهد بربِّه عز وجل))؛ المستدرك للحاكم، كتاب الأدب (4/ 317).
[3] روى مسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت: " فزع النبي صلى الله عليه وسلم يومًا - قالت: تعني يوم كسفت الشمس - فأخذ درعًا حتى أدرك بردائه، فقام للناس قيامًا طويلًا، لو أن إنسانًا أتى لم يشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع - ما حدث أنه ركع- من طول القيام "؛ صحيح مسلم، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (2/ 625).
[4] رواه البخاري في صحيحه، من حديث جابر رضي الله عنه، باب قوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] (6/ 56).
[5] تفسير الطبري (17/ 478)، الجواب الكافي (1/ 47).
[6] الجواب الكافي (1/ 47).
[7] رواه أحمد في المسند، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، باب مسند عبدالله بن عمر (8/ 403)، وأبو داود في سننه، باب ما يقول إذا أصبح (4/ 318)، والبخاري في الأدب المفرد، باب ما يقول إذا أصبح (ص681)، وابن ماجه في سننه، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى (2/ 1273)، والنسائي، باب ما يقول إذا أمسى (9/ 210)، وابن حبان في صحيحه، باب ذكر ما يستحب للمرء سؤال ربه جل وعلا العفو والعافية عند الصباح (3/ 241)، والحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح (1/ 698)، صحَّحه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 416).
[8] رواه أحمد في مسنده، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب مسند أبي هريرة (16/ 502)، ورواه البخاري في صحيحه، باب ما قيل في الزلازل والآيات (2/ 33).
_______________________________________________________
الكاتب: وضاح سيف الجبزي
- التصنيف:
- المصدر: