الولاء بين المسلمين

منذ 2023-11-04

إن الأخوة الإسلامية القائمة على أساس الإيمان توجب على كافة المسلمين، أن يوالي بعضهم بعضاً، أي: يكون بينهم قُربٌ وحبٌّ وتوادٌّ، وتواصل، ومناصرة وتحالف

إن الأخوة الإسلامية القائمة على أساس الإيمان توجب على كافة المسلمين، أن يوالي بعضهم بعضاً، أي: يكون بينهم قُربٌ وحبٌّ وتوادٌّ، وتواصل، ومناصرة وتحالف[1].

قال الله تعالى: {﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾} [سورة المائدة: 55 - 56].

وقال تعالى: {﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾} [سورة التوبة: 71].

وإنه لا يستقيم شرعًا ولا عقلًا أن يكون بغير المسلمين ولاءٌ ومناصرة؛ ثم يتراخى المسلمون في تحقيق الولاء فيما بينهم!!

وصدق الله القائل: {﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ } [سورة الأنفال: 73].

فأهل الملل الأخرى - حيثما كانوا - يُوالي بعضهم بعضاً، حتى في حال ما قد يوجد بينهم من اختلافات؛ إذ الكفر كله ملة واحدة، وإن لم يقم المسلمون بالولاء ويحققوه فيما بينهم فلسوف يقع من الفتن والمفاسد ما الله به عليم، وفي هذا حضٌّ بليغ من الله تعالى للمسلمين على موالاة بعضهم بعضاً.

إن الأخوة الإسلامية تصير عديمة الجدوى، فارغة المضمون والمعنى، إذا لم تكلل بموالاة المسلمين لبعضهم، وتقاربهم وتوادهم فيما بينهم، وتعاونهم وتآزرهم على ما فيه نفعهم وصلاح معاشهم ومعادهم، فيصيروا بهذا الولاء كياناً واحداً قوياً متماسكاً، له تقديره ووزنه في دنيا الناس، وعالم التكتلات العاتية الجبارة.

ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يجب أن يكون عليه المسلمون من التوادِّ والتآزر والتقارب والتماسك - الذي هو من مظاهر الولاء ومن ثماره أيضا - فيقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"[2].

وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"» [3]، وشبك بين أصابعه.

قال ابن الجوزي: "ظاهره الإخبار ومعناه الأمر، وهو تحريضٌ على التعاون"[4].

وإذا كان مما لا يستقيم شرعًا ولا عقلًا أن يُقصِّر المسلمون في موالاة بعضهم، بينما يقيم أعداؤهم الولاء فيما بينهم - كما ذكرنا -؛ فإنه لمن أعظم المنكر، وأشد الانحراف شرعا وعقلا أن يوالي أحدٌ من المسلمين غير المسلمين، وينحاز إليهم من دون إخوانه في الدين.

ذلك أن ميزان الولاء في نظر الإسلام إنما هو العقيدة الإسلامية، فمن كان من أهل هذه العقيدة وجب له الولاء - كما دلت على ذلك النصوص التي أشرنا إلى بعضها -، ومن كان خارج دائرة العقيدة الإسلامية فليس له من هذا الولاء نصيب، وهو بعد هذا واحدٌ من اثنين: إما معاد محارب لله ورسوله ومناوئ للمؤمنين، فلا يستحق سوى المعاداة، ودفع عدوانه إذا اعتدى، ولو كان أقرب الأقربين، وإما مسالم موادع للمسلمين، فله المعاملة بالبر والقسط، ولا يلزم من هذه المعاملة بالبر والقسط أن يحبه المسلمون، ويتخذوه بطانة من دون المؤمنين.

قال تعالى: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾} [النساء: 144].

قال سبحانه: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾} [المائدة: 51].

وقال جل شأنه: {﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾} [آل عمران: 28].

قال القرطبي: "نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء ومثله {﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾} [آل عمران: 118]، ومعنى {﴿ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾ } أي: فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء"[5].

وقال ابن كثير: "نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أني والوا الكافرين، وأن يتخذوهم أولياء يُسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك، فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾، أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد بريء من الله، كما قال تعالى: { ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾} [الممتحنة: 1]، وقال تعالى: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾ } [النساء: 144]، وقال تعالى: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾} [المائدة: 51]، وقال تعالى - بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب -: {﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾} [الأنفال: 73].

وقوله تعالى: {﴿ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾} ، أي إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنة ونيته، قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان، قال الحسن: التقية إلى يوم القيامة"[6].

وإن تخليص الولاء لله ورسوله والمؤمنين من أية شبهة ولاء لغير المسلمين أمرٌ طبيعي؛ "فما جعل الله عز وجل لرجل قلبين في جوفه، وما يمع إنسان في قلب واحد ودين: وداً لله ورسوله، ووداً لأعداء الله ورسوله، فإما إيمان أو لا إيمان، أما هما معا فلا يجتمعان"[7].

"وليس من التقية المرخص فيها أن تقوم المودة بين المؤمن وبين الكافر"[8].

هذا، ولا يوجد تعارضٌ بين النهي عن موالاة غير المسلمين، وبين مشروعية البر بمن كان مسالماً موادعاً منهم، والقسط معه؛ لأن هناك فرقا بين الموالاة التي من لوازمها الحب والنصرة والصداقة والقرب، وبين البر والقسط الذي لا يعدو أن يكون ضرباً من الإحسان في المعاملة فقط، كما في قوله تعالى عن الوالدين الكافرين: {﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾} [لقمان: 15].


[1] الولي: القرب، والدنو، والولي: الاسم منه، والمحب، والصديق، والنصير. (القاموس المحيط، الفيروز آبادي، ص 1344، مؤسسة الرسالة، بيروت. ط السادسة 1419هـ - 1998م). والولي ضد العدو، والمولى: المناصر والجار والحليف، ويقال: بينهما ولاء بالفتح، أي قرابة، والموالاة: ضد المعاداة، والولاية: النصرة، قال: هم على ولاية، أي: مجتمعون في النصرة. (الصحاح 6/ 2529 - 2530 باختصار).

[2] رواه البخاري في ك الأدب ب رحمة الناس والبهائم 8/ 10 رقم 6011، ومسلم [وهذا لفظه] في ك البر والصلة ب تراحم المؤمنين وتعاطفهم 4/ 1999، رقم 2586، من حديث النعمان بن بشير، ولفظ البخاري: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى".

[3] رواه البخاري في ك المظالم والغصب ب نصر المظلوم 3/ 129 رقم 2446، ومسلم في ك البر والصلة ب تراحم المؤمنين وتعاطفهم 4/ 1999، رقم 2585.

[4] كشف المشكل من حديث الصحيحين، جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى 597هـ)، 1/ 405، تحقيق علي حسن البواب، (بدون دار وتاريخ النشر).

[5] الجامع لأحكام القرآن 4/ 57.

[6] تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير (المتوفى 774هـ)، 2/ 25، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى 1419هـ.

[7] في ظلال القرآن، 6/ 3514.

[8] السابق 1/ 386.


 

  • 0
  • 0
  • 780

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً