الحـــرب القـــذرة قراءة في إستراتيجية حرب الأســد على الشعب السوري
(إن الحرب التي لا تستند لقيم أخلاقية تُفقد الجندي روحه الإنسانية وشرف الجندية فيتحول إلى مرتزق يقتل من أجل المال)
(إن الحرب التي لا تستند لقيم أخلاقية تُفقد الجندي روحه الإنسانية وشرف الجندية فيتحول إلى مرتزق يقتل من أجل المال)
1- إستراتيجية فن الحرب:
لقد حدّد الفيلسوف العسكري الصيني "صن تزو" (512 ق م) في كتابه فن الحرب معنى "الإستراتيجية Strategy" بأنها: فن تنظيم الجيوش وتنسيق القوى ووضع الخطط العسكرية في المعركة، وهي الخطة الشاملة؛ ولكن ما هو الغرض من الإستراتيجية العسكرية؟ ربما يمكننا القول بأن الهدف من الإستراتيجية هو تحقيق ميزة عسكرية إستراتيجية على العدو في الميدان قبل بدء المعركة، وهنا نجد أن صن تزو لم يذكر شيئاً قبل نحو 2500 سنة ق م عن حرب بين جيش وشعب، بل حرب بين جيشين بغض النظر عن موازين القوى العسكرية لكلا الجيشين، لذا نراه يتحدث ويصف الجيوش التي تنفذ إستراتيجيتها العسكرية في مواقع وأماكن تسمح بتجمع أعداد الجيوش الكبيرة والمعدات الثقيلة المرافقة للجيش والتي غالباً ما تكون خارج المدن وأماكن تجمع السكان، أما اليوم وبعد مشاهدتنا لما يحدث في سورية مما يمكن وصفه بالردة العسكرية على الإنسانية رغم استمرار الثورة السلمية ينبئ بفساد العقيدة القتالية والروح العسكرية لدى الجيش البعثي السوري الأمر الذي أثار حفيظة البعض ممن حافظوا على عقيدتهم القتالية والعسكرية الصحيحة فانشقوا عن ذلك الجيش الفاقد لقيم العسكرية وروح الإنسانية.
2- الحــــــرب القــــذرة:
إن إستراتيجية الحرب القذرة dirty war تهدف إلى تحقيق الهدف العسكري بغض النظر عن الخسائر والضحايا الأبرياء، حيث لا تأخذ هذه الأنواع من الحروب في حسابها الخسائر الإنسانية أو الحضارية، ولكنها تركز على سحق العدو لإخضاعه باستخدام القوة التدميرية المفرطة التي تهدم المكان وبنية الإنسان بل وحتى الحيوان والحياة، بما في ذلك دور العبادة والمقدسات، لإرسال رسالة للعدو مفادها بأننا جئنا لسحقكم وماضون في ذلك إلى النهاية حتى لو تم استسلامكم كما كان التتار يفعلون في حروبهم مع أعدائهم، ويبدو أن الأسد وجيشه قد تبنى تلك الإستراتيجية القذرة، فما تؤكده التقارير الإخبارية من تصاعد مستمر ودون توقف لحدة العمليات العسكرية باستخدام الدبابات والمدرعات والزوارق البحرية والطائرات إلى غير ذلك من الأسلحة،الأمر الذي يؤكد أن هذه المعركة لا يُمكن حسمها بأية تسويات على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" بل ستُحسم بانتصار طرف على آخر، وأن الأسد وجيشه المفترس ماضون في تلك الحرب حتى نهايتها بالحسم العسكري الساحق للثورة وكسر شوكة الثوار كما يأملون.
3- سيناريو الحسم:
وربما نتفق في التوجه مع رؤية الأسد أنه لابد من حسم عسكري للثورة في سورية، ولكن لن يكون هذا الحسم في صالح الأسد الذي لم يتعلم الدرس رغم تكراره لثلاث مرات متتالية خلال ستة أشهر من تونس إلى ليبيا مروراً بمصر، الأمر الذي يثبت تمتع النظام بحالة من حالات العته السياسي الذي خسر بسببه الدبلوماسية الدولية وعلى رأسها الحليفة تركيا، وكذلك العته الأمني والعسكري الذي خسره بسببه تعاطف من تبقى من الصامتين من الشعب السوري. إذاً فالسيناريو الليبي مع بعض التعديلات الطفيفة التي تناسب الخصوصية السورية بات هو الأقرب بل وربما هو الحل الوحيد للإطاحة بالنظام الذي يُدرك أن خسائره تزداد بشكل متضاعف وأنه لم يبقى له سوى مخرج واحد عبر تصدير الأزمة للمنطقة من خلال اللعب بالورقة الطائفية و إشعال حرب إقليمية " شيعية سنية " بدعم من حزب الله، ودون مشاركة من إيران التي أبدت بعض الإرهاصات التي يمكن أن تُقرأ على أنها غير مُستعدة للتورط بشكل مباشر في هكذا حرب كما يُمكن للبعض أن يعتقد، حيث يرجح أن تتصرف إيران ببرجماتية سياسية مفادها إذا سقط نظام حليف فيمكن بناء غيره دون إضعاف قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والروحية فتخسر معها ما تبقى لها من تعاطف في العالم العربي والإسلامي الأمر الذي يحولها إلى دولة عدو، ولكن هذا لا يمنع من دعم النظام بصورة غير مباشرة في تلك الحرب إذا ما قُدر لها أن تقوم.
4- الحرب الإعلامية القذرة:
وبالطبع يواكب هذه الحرب العسكرية القذرة " حرباً إعلامية قذرة " تهدف لإضعاف وتدمير الروح المعنوية لدى الثوار من خلال اتباع إستراتيجية إعلامية بعدة تكتيكات منها:
1- تكتيك صناعة العدو: بإدعاء وجود مُندسين ومخرّبين بين المُتظاهرين، وببث اعترافات وعرض أسلحة لإثبات وجودهم.
2- تكتيك الصدمة والرعب: من خلال تصوير وبث عمليات التكفير و القتل والتعذيب الوحشية لإرهاب الثوار وذويهم.
3- تكتيك تحشيد الرموز: لتبرير حملته العسكرية من خلال الترويج لفكرة المؤامرة الكونية على النظام في سورية.
4- تكتيك التهوين من الثورة: حيث يطلق عليها مصطلحات إعلامية من قبيل أزمة أو احتجاجات أو مظاهرات إلى غير ذلك من الألفاظ.
وعموماً وبالرغم من كل موجات التضليل الإعلامي للسيطرة على الرأي العام السوري، الأمر الذي دفع النظام لتوجيه رسالة إلى الشعب مفادها عودوا إلى مساكنكم حفاظاً على أمنكم وسلامتكم، فلقد وصلت رسالتكم ودعونا نقاتل المندسين ونقضي على المخربين وبعدها نقوم بعمليات الإصلاح التي تحتاج إلى وقت "في إشارة ضمنية إلى أن أحد عشر عاماً لم تكن كافية" غير أن كل هذه الحيل الالتفافية لم تفلح في الإقناع بمصداقية رسالتها الإعلامية فخرج الثوار يقولون "الإعلام السوري كاذب .. كاذب .. كاذب.." ولعلّ وهذا ما أكده استطلاع الرأي الذي قامت به قناة الجزيرة من خلال نتيجة الاستفتاء على سؤال جاء فيه:
هل تصدق وجود جماعات مسلحة ومخربين في سورية؟
حيث صوتت الأغلبية الساحقة من المشاركين "بلا " بنسبة 84.2 %، مقابل اقتناع نسبة 15.8 %، مما يعني أن النظام قد فشل فشلاً ذريعاً في إدارة حربه الإعلامية، ومع ذلك لا زال مصراً على استكمالها بمزيد من عمليات التضليل الإعلامي عن عدم وجود ثورة في مُعظم من المدن السورية، لأنه يفسر الاعتراف بالثورة على أنه خسارة النظام لما تبقى من كبرياء الحكم من جهة حيث سيضطر لإظهار المعارضة الحقيقية الموجودة على الأرض الأمر الذي سيحدث تحولاً استراتيجياً في إدارة الثورة يتحول معه النظام إلى مُدافع بدلاً من مهاجم ويضفي مزيداً من المشروعية السياسية للثورة والثوار، لذا فهو يحرص على أن يؤكد قوته وتماسكه باتباع عدة وسائل منها ما يلي:
1- التأكيد على أن الأمور تحت السيطرة وأنه يحقق نجاحات عسكرية لن يُعلن عنها في معركته الوهمية ضد المخربين.
2- الحرص على الظهور بمظهر الواثق الثابت "على عكس الحقيقة" للفت من عضد الثوار في الداخل والعمل على كسب معركة الخارج بإجبار المجتمع الدولي على إعادة التعامل معه.
3- الحرص على الظهور الإعلامي مع رموز المجتمع وبخاصة رجال الدين التابعين له والذين فقدوا الشرعية الأخلاقية قبل الدعوية في نفوس الناس.
4- الإمعان في التضليل من خلال خلق حوارات مع المعارضة المستأنسة التي صنعها النظام خلال حكمه للالتفاف على الداخل والخارج بتمرير رسالة الاستجابة للإصلاحات بهدف كسب الوقت لتدمير الثورة بالقضاء على أبرز القيادات والنشطاء الميدانيين.
5- السعي لتشويه صورة المعارضة الخارجية التي فرت من سورية في ظل نظام الأسد وسحب مشروعيتها من المشاركة في الحوار.
6- نشر الفيديوهات التي تصور أعمال القمع والقتل والمداهمات التي يقوم بها الجيش والشبيحة بهدف إثارة الفزع والرعب لدى أهالي الثوار وعائلاتهم لثنيهم عن الاستمرار من جهة، وإحباط أي تحرك لدى الأغلبية الصامتة من جهة أخرى.
7- التهديد بالفتنة الطائفية والحرب الأهلية وتقسيم البلاد كما فعل صديقه "الهارب" معمر القذافي.
وتأتي كل هذه الخطوات في إطار عمليات الحرب القذرة لإخماد الثورة السورية التي تزداد توهجاً وإلهاماً يوماً بعد يوم، حيث يثبت السوريين أنهم لديهم عزيمة جبارة وإرادة لا تلين وأنهم ماضون وحدهم وبمعية الله للنهاية حتى إسقاط النظام، فهل هناك من يسمع أو يجيب؟
إن هذا يذكرنا بقوله تعالى {وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] إنها سنّة كونية وليست مؤامرة كونية،هي سنّة التغيير ومن يدركها يعلم بأن الشعوب إذا أرادت أراد الله فهم شهداء الله في أرضه، نعم إنهم لا يفهمون أو يشعرون بأن الثورة عندما تقوم لا يمكن أن تخمد بالقوة لأنها تمتلك قوة الدفع الرباعية لعجلات التاريخ الذي يدفعها بقوة للتغير والانتقال من مكان لمكان ومن موضع لآخر، حتى مع استمرار محاولة عرقلتها لأنها ستزيد من سرعتها رويداً رويداً فترتفع فوق كل المعوقات لتدوسها بسرعة، مُخلفةً ورائها ركام النظام وفلوله التي ستحاول ستر سوئتها المفضوحة بعباءة الثورة الواسعة، فيتحولوا عقب انتصار الثورة من مناهضين إلى مؤيدين بين عشية وضحاها، وما المذيعة هالة المصراتي في ليبيا من هؤلاء ببعيد، وهؤلاء من يطلق عليهم في مصر المتحولون، إن ظهور المتحولون علامة على نجاح الثورة الشعبية، ولكن لماذا لا يفكر المتحولون المُساندون للنظام الآن في التحول واغتنام شرف الفرصة الأخيرة قبل انتصار الثورة واختيار الشعب على الأسد، أليس من الأشرف لهم أن ينضووا تحت عباءة الثورة والثوار الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحرية، بدلاً من الاصطفاف حول النظام الفاني.
- التصنيف: