تحديات النهضة

منذ 2011-12-10

فلا شك أن فوز حزب النهضة في تونس يُعَدُّ حدثاً تاريخياً مهمّاً؛ فبعد أن كان الحزب محظوراً بل طريداً ملاحَقاً، أصبح الآن بعد سقوط الديكتاتورية هو الحزب الأبرز في تونس،



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:

فلا شك أن فوز حزب النهضة في تونس يُعَدُّ حدثاً تاريخيًا مهمًّا، فبعد أن كان الحزب محظورًا بل طريدًا ملاحَقًا، أصبح الآن بعد سقوط الديكتاتورية هو الحزب الأبرز في تونس، وهذه نقلة نوعية كبيرة لن يقتصر تأثيرها على تونس فقط، بل سيمتد في المحيط العربي، وخاصة دول الجوار.


ونحن إذ نهنئ إخواننا في حزب النهضة التونسي بهذا الفوز المشهود، فإننا نحسب أن أمامهم تحدياتٍ كبيرة جدًا في إدارة المرحلة القادمة، ومن أخطر هذه التحديات:

أولاً: إدارة البلاد بعقلية الدولة وليس بعقلية الحزب، والاستفادة من تجربة الحركة الإسلامية في السودان، التي حكمـت أكثر من عقدين دون أن تتخلص في بعض مراحلها من عقلية الحزب الضيقة، التي جعلت الحركة تنكفئ على نفسها وتفقد كثيرًا حيويتها.

ثانيًا: ورثت الحركة تَرِكَة مهترئة خلَّفها النظام البائد، ومن واجبها أن تعالج تلك الإصابات بسرعة من أجل أن تتفرغ للبناء والتنمية. أما أن تكون إدارة الدولة بأسلوب إطفاء الحرائق ومعالجة المشكلات، فإن ذلك سيُبقي الحزب منهكًا عاجزًا عن النمو والتطور، ولن يحقق طموحات الناخبين في التنمية والإصلاح، وسيستمر الشعب متذمرًا ضجرًا.

ثالثًا: تجربة حزب العدالة والتنمية التركي تجربة مهمة يجب الاستفادة منها وتوظيفها بطريقة صحيحة، مع ضرورة استيعاب حزب النهضة للخصوصية الدينية والثقافية للمجتمعَين (التركي والتونسي) والفروقات بينها، ومعرفة ما يصلح للاقتباس وما لا يصلح، وإن نجاح حزب العدالة سياسيًا واقتصاديًا لا يعني بالضرورة استنساخ تجربته فكريًا وثقافيًا وتربويًا، فلكل بيئة أولوياتها وظروفها الموضوعية.

رابعًا: ظاهرة الخوف من الإسلاميين لا زالت مسيطرة على الحكومات الغربية، حتى وإن أعلن بعضها عن قَبُوله بالتعامل مع حكومات أو أحزاب إسلامية، لكن محاولاتهم للالتفاف على الثورات العربية لم تهدأ قط، من أجل تفريغها من مقاصدها الحقيقية. ومن المتوقَّع أن يتعرض حزب النهضة لضغوطات كبيرة من الغرب ومن المحيط الإقليمي ومن التيارات الليبرالية المحلية، تهدف إلى تجريد الحزب من منطلقاته الرسالية. وتطمينُهم ومداراتُهم مطلب مقدَّر، لكن لا يعني ذلك بحال التماسَ رضا الناس بسخط الله تعالى. وإن أطماعهم لن تتوقف عند حد معيَّن، ومقتضيات السياسة الشرعية تتطلب فقهًا راسخًا، ووعيًا بدرجات الأعمال وأولوياتِها، ونحسب أن إخواننا في النهضة يدركون أن المداراة لا تعني المداهنة في الحق، أو التنازل عن مُحْكَمَات الإسلام.

ومن واجب الإسلاميين بمختلف أطيافهم أن يقفوا صفًا واحدًا مع إخوانهم في حزب النهضة، وينصروهم بكل ألوان النصرة لتحقيق ما يطمحون إليه من أهداف، فنجاحهم نجاح للجميع، كما أن الإخفاق سيؤثر سلبًا على الجميع.


هذا ونسأل الله -تعالى- أن يبرِم لهذه الأمة أمرَ رشد يعز فيه أهل طاعته ويحكَم فيه بشرع الله، ويؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.

المصدر: مجلة البيان - قـلـم الـتحـرير العدد: 293
  • 1
  • 0
  • 1,193

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً