حديث: فمن رغب عن سنتي فليس مني

منذ 2024-01-21

السائرين إلى الله على بصيرة هم أهل السُّنة والجماعة، ولله الحمد والمنة، فهم المتوسطون بين المُفرطين والمُفرِّطِين، وخير الأمور أوساطها.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه، وقال: «لكني أنا أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»؛ (متفق عليه) .

 

المفردات:

وأثنى عليه؛ أي: وشكر الله عز وجل.

أصلي؛ أي: أتهجَّد بعض الليل.

وأنام؛ أي: بعض الليل.

وأفطر؛ أي: بعض الأيام ما دام الصيام نافلةً.

فمَن رغِب عن سنتي؛ أي: أعرض عن طريقتي السهلة السمحة المباركة.

فليس مني؛ أي: ليس على منهاجي وما أدعو إليه من اليسر ودفع الحرج.

 

البحث:

هذا اللفظ الذي ساقه المصنِّف هو لفظ مسلم، ولهذا الحديث سببٌ فقد روى البخاري رحمه الله من طريق حميد بن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن مِن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، قال أحدهم: أما أنا أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوَّج النساء، فمَن رغِب عن سنتي فليس مني».

 

وأخرجه مسلم من طريق ثابت عن أنس، بلفظ: أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السِّرِّ، فقال بعضهم: لا أتزوَّج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلِّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوَّج النساء، فمَن رغِب عن سنتي فليس مني».

 

وهذا الحديث قاعدة من أمهات قواعد الإسلام التي قررت أن الإسلام هو دين الفطرة، ودين الحياة الطيبة، وأن مبناه اليسر، وترك التنطُّع، وأنه لا رهبانية في الإسلام، وأنه لن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه؛ فالمنبتُّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، وقد ذكر الله تبارك وتعالى هذه المعاني السامية في آيات كثيرة؛ حيث يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ويقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ويقول: ﴿ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [النساء: 171] ويقول: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].

 

قال البخاري في صحيحه: باب الدين يسر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة».

 

ثم ساق من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسرٌ، ولن يشادَّ الدِّين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».

 

كما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وعندها امرأة، قال: «من هذه» ؟)) قالت: فلانة تذكر من صلاتها، قال: «مَهْ، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملُّوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه»؛ اهـ.

 

حتى الموعظة والإرشاد والتذكير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّلهم بها مخافة السآمة عليهم.

 

قال البخاري: باب (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا)، وساق هو ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام كراهةَ السَّآمة علينا.

 

كما روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا»؛ اهـ.

 

وقد دلَّت التجارب على أن المتشدِّدين في الدين الغالين قد انقطعوا وصاروا من أهل الأهواء وأن السائرين إلى الله على بصيرة هم أهل السُّنة والجماعة، ولله الحمد والمنة، فهم المتوسطون بين المُفرطين والمُفرِّطِين، وخير الأمور أوساطها.

 

ما يفيده الحديث:

1- أن ترك التزوُّج من أجل الانقطاع للعبادة ليس من هَدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- وأن المشروع هو الاقتصاد في العبادات.

3- وأن مبنى الشريعة الإسلامية قائمٌ على التيسير وعدم التعسير.

4- وأن الانهماك في العبادة والإضرار بالنفس ليس مِن هَدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5- الترغيب في الزواج.

عبد القادر بن شيبة الحمد

عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقا والمدرس بالمسجد النبوي

  • 2
  • 0
  • 941

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً