ثلاثة أحاديث نبوية عليها مدار الإسلام وقواعد الدين -2

منذ 2024-02-05

قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»

 

 

الحديث الثاني

مقصد الحديث: التمسك بالسنة واجتاب المحدثات، والسير على نهج السلف الصالح.

عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» ". [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:2697]، وَمُسْلِمٌ [رقم:1718]] .

وفي رواية لمسلم ( «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» )

منزلة الحديث:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وهذا الحديث أصلٌ عظيمٌ من أُصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أنَّ حديث: «الأعمال بالنـيَّات» ميزان للأعمال في باطِنها، فكما أنّ كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَن أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس مِنَ الدِّين في شيء. (11)

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقال: وهذا الحديث مما ينبغي العناية بحفظه وإشاعته، واستعماله في إبطال المنكرات. (12)

شرح الحديث:

 ( «مَنْ أَحْدَثَ)» أي من أوجد شيئاً لم يكن (فِي أَمْرِنَا هَذَا) في ديننا وشريعتنا (مَا لَيْسَ مِنْهُ) مالم يشرعه الله ورسوله (فَهُوَ رَدٌّ) فهو مردود عليه حتى وإن صدر عن إخلاص.(13)

والرواية الأولى (من أحدث) خاصة بمن يبتدئ العمل، والرواية الثانية – وهي رواية مسلم -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) شاملة للمنشئ والتابع لغيره، فالرواية الأولى في رؤوس البدع الذين يخترعونها، والرواية الثانية شاملة لهم ولأتباعهم، فالذي يعمل البدعة المتوارثة من قرون داخل في الحديث بهذه الرواية الأخرى (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).(14)

فمن احتج بأنه لم يبتدع وإنما أخذ عن سلف يقتدي بهم، وأنه لم يحدث شيئاً، فيرد عليه بالرواية الثانية.

والمحدثات نوعان:

الأول: محدثات في الدين، فهذه مذمومة وسيأتي تفصيلها.

        الثانية: محدثات ليست في الدين، وهذه غير مذمومة مثل اتخاذ الدواوين والبناء والعناية بالمرافق وغير ذلك مما لم يكن في زمن الصحابة.

قال عبد الكريم الخضير: ولا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) أنَّ عثمان رضي الله عنه أحدث الأذان الأول يوم الجمعة؛ لأنَّه خليفة راشد، وقد أُمِرنا بالاقتداء به في قوله صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنَّتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديينَ مِن بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ) (15) ومن هذا القبيل ما فعله عمر في صلاة التراويح. (16)

ففعل عمر رضي الله عنه يجاب عنه بأمور:

  1. أنه من قبيل ما سنه الخلفاء الراشدون.
  2. أن قوله رضي الله (نعمة البدعة) المراد البدعة اللغوية وعليه ابن تيمية وكثير من أهل العلم.
  3. أن صلاة التراويح صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس خلفه ثم تركها خشية أن تفرض، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خلافة عمر، والناس ما زالوا يصلون التراويح أفراداً، رأى عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام، فهي سنة كانت قائمة قبل زمن عمر رضي الله عنه.

وتعَرَّف البدعة بأنها: طريقة في الدين مخترعة تضاهى بها الطريقة الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى. وهذا تعريف الشاطبي في كتابه (الاعتصام) وهو تعريف جامع من أشهر التعريفات.

وهناك تعريف قاصر وهو: (فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قاله العز بن عبد السلام، وقسم البدعة إلى واجبه ومحرمة ومستحبة ومكروهة ومباحة، وقد نقض قوله الشاطبي نقضاً بليغاً لا مزيد عليه في كتاب الاعتصام.

 قال صالح آل الشيخ: (وتعريف البدعة بأنها (كل ما أحدث بعد رسول صلى الله عليه وسلم) هذا التعريف قال أصحابه: البدعة منها ما يكون بدعة حسنة. وهذا هو الذي مال إليه بل ابتدعه ونصره العز بن عبد السلام المعروف، وأوقع الأمة في بلاء تحسين البدع بعد أن قال هذا في كتابه (القواعد)، وتبعه عليه تلميذه القرافي في (الفروق)، وقد رد عليهما الشاطبي رحمه الله في كتابه (الاعتصام)، وكذلك شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم رحمه الله وجماعات من أهل العلم، ولكن تبع العز بن عبد السلام على تعريفه وتقسيماته جماعات، فلا تكاد تجد أحداً ممن شرح الحديث بعد العز بن عبد السلام إلا وقع فيما ذكره)، إلى أن قال: (والنبي لم يفصل ولم يبين أن بدعة دون بدعة لها حكم، بل قال (فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَهٌ)) (17)

ولقبول العمل الصالح شرطان هما: الإخلاص، والمتابعة، والإخلاص دل عليه الحديث السابق (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)، والمتابعة دل عليها هذا الحديث، قال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: (المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور سته: سببه، وجنسه، وقدره، وكيفيته، وزمانه، ومكانه). (18)

الأول: مخالفة الشريعة في السبب ومثاله: أن يصلي ركعتين كلما دخل بيته. 

الثاني: مخالفة الشريعة في الجنس ومثاله: أن يضحي بفرس، إذ أن الأضاحي تكون من بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم. 

الثالث: مخالفة الشريعة في القدر ومثاله: أن يتوضأ أربع مرات فالرابعة لا تقبل، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال (مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وتَعَدَّى وظَلَمَ) أحمد6684 ماجة422.

الرابع: مخالفة الشريعة في الكيفية ومثاله: أن يصلي فيسجد قبل أن يركع.

الخامس: مخالفة الشريعة في زمان العبادة ومثاله: كصلاة الفريضة قبل دخول وقتها أو أن يؤخر صلاة مؤقتة بغير عذر إلى أن يخرج وقتها فإنها مردودة غير مقبولة.

السادس: مخالفة الشريعة في مكان العبادة ومثاله: كالاعتكاف في غير المساجد كالبيت والمدرسة. (19) 
تنبيهات:

  1. يُردّ بهذا الحديث على جميع الطوائف المخالفة لمنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم من خوارج وجهمية وأشعرية وروافض وإباضية ..الخ قال صلى الله عليه وسلم (عليكُم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ من بعدي تمسَّكوا بِها وعضُّوا عليها بالنَّواجذِ وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ) صححه جمع من أهل العلم.
  2. يدخل هذا الحديث في أبواب الفقه كالعبادات والعقود.
  3. يدخل هذا الحديث في باب التوحيد العملي، ففيه رد على أصحاب العبادات الشركية كالطواف بالقبور والبناء عليها وتسريجها ورفعها والاستغاثة بغير الله سبحانه كالاستغاثة بالأموات والصالحين. 
  4. من احتج بأنه لم يحدث في الدين وإنما يتبع من سبقه فيرد عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم :"مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ". فعمله مردود وإن لم يحدثه هو بنفسه.
  5. حري بطالب العلم أن يتجنب الحديث الضعيف فذلك أدعى لأن يبني فقهه وعلمه على ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأدعى له أن يتحرى الصواب في طلبه، وأن يلم بالسنن الصحيحة.
  6. وحري بكل مسلم أن يتجنب الحديث الضعيف، فهذا أدعى له أن يتحرى الصواب ويسأل العلماء، وهو أحفظ لدينه من الوقوع في البدع والخرافات؛ حيث إن قبوله للحديث الضعيف يجر إلى العمل بالأحاديث الموضوعة وإلى اختلاط الأمور عليه ووقوعه في البدع والمحدثات، وقد يبقى زماناً وهو غافلاً عن الصواب متمسكاً بالضعيف والموضوع والمحدثات.  

 

بدر الصاعدي

  • 1
  • 0
  • 598

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً