وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه...

منذ 2024-02-15

لقاؤنا في يومنا هذا فهو عن ( أداء الأمانة في الولد) هذا الذي نتعلمه من قصة العبد الصالح (لقمان)، نتعلم كيف أدى لقمان أمانته مع ولده،  وبأي طريقة دعاه وبأي أسلوب نصحه



أيها الإخوة الكرام:  لقد عُنى القرآن الكريم كثيراً بالحديث عن قصص الأولين.. 
قصص الأنبياء والرسل عليهم السلام ،  قصص الأمم الناجية،  قصص الأمم الهالكة، قصص المفسدين المجرمين، قصص العباد الصالحين،  عُنى القرآن الكريم بالحديث عن هذا القصص وفصل فيه تفصيلاً لأن في هذا القصص عظة، ولأن فيه عبرة، قال الله تبارك وتعالى { ﴿ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾}

نتعلم سعة الصدر من قصة سيدنا نوح عليه السلام ، نتعلم حسن الظن بالله تعالى من قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام،  نتعلم الصبر على فقد الولد من سيدنا يعقوب عليه السلام،  نتعلم علو الهمة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام،  ونتعلم الأخذ بالأسباب من قصة العبد الصالح [ ذي القرنين]، ونتعلم أداء الأمانة في المال والولد من العبد الصالح [لقمان الحكيم] 

أما لقاؤنا في يومنا هذا فهو عن ( أداء الأمانة في الولد) هذا الذي نتعلمه من قصة العبد الصالح (لقمان)، نتعلم كيف أدى لقمان أمانته مع ولده،  وبأي طريقة دعاه وبأي أسلوب نصحه ، ومن فضل الله تعالى وعلى الناس أن القرآن الكريم تكلم عن لقمان وحفظ بين السور والآيات وصاياه لولده والتي سجلها القرآن الكريم وأودعها سورة من سوره سميت باسم ذلك العبد الصالح (لقمان) .. 

قال الله تعالى: {﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَٰنَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾ }

قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان لقمان عبدًا حبشيًا نجارًا، غير أن الله تعالى آتاه علماً وآتاه حكمة وفي التنزيل الحكيم الله سبحانه وتعالى يقول:   { ﴿ يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ ﴾}

عاش لقمان الحكيم زمان سيدنا داود النبي، وقيل بل عاش لقمان في الفترة الزمنية بين سيدنا عيسى وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم.. 

كان الحكيم لقمان عبداً مملوكاً،  قال له مولاه يوماً : يا لقمان اذبح لنا شاة وأتني بأخبث ما فيها؟ فذهب لقمان فذبح شاة وجاء سيده بلسانها وقلبها... 
ثم قال له مرة ثانية: يا لقمان: اذبح لنا شاة وأتني بأحسن ما فيها؟ فذهب لقمان فذبح شاة وجاء سيده بقلبها ولسانها، فقال له سيده يا لقمان ما هذا؟ فقال لقمان: إنه (القلب) وإنه (اللسان) ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، وليس من شيء أخبث منهما إذا خبثا.

قال له رجل يوماً: يا لقمان ألست عبداً مملوكاً لفلان؟ قال نعم أنا هو ذلك العبد المملوك لفلان،  فقال الرجل فما الذي بلغ بك ما أرى من الحكمة؟ فقال لقمان: قدَرُ الله، وأداءُ الأمانة، وصدقُ الحديث، وتركُ ما لا يعنيني .

أوتى الحكيم لقمان علماً واسعاً،  وأوتى مع العلم حلمًا، وأوتى مع العلم والحلم حكمة، وبركة العلم ليست فقط في جمعه إنما بركة العلم في إنفاقه،  وبركة الحلم أيضاً ليست في اكتسابه وإنما بركة الحلم في العمل به وتطبيقه، وبركة الحكمة أيضاً ليست في أن تؤتاها وإنما بركة الحكمة أن تبذلها لغيرك.. 

ولأن الأقربون أولى بالمعروف،  ولأن العاقل صاحب المعروف يبدأ أولاً بمن يعول بدأ لقمان الحكيم يبذر ويزرع ويغرس علمه وحلمه وحكمته في ولده ( أداءً للأمانة فيه،  وبراءةً للذمة أمام الله سبحانه وتعالى.. 

ذلك أن الإنسان يسئل يوم القيامة في أول ما يسئل عن زوجه وولده، وفي البيان النبوي يقول الحبيب صلى الله عليه وسلّم [ «إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» ]  من هنا بدأ لقمان أداء الأمانه بالنصح لولده.. 

قال الحكيم العليم سبحانه وتعالى   {﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَٰنَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾ ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَٰنُ لِٱبْنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾}

أول وصايا الحكيم لقمان وصية للولد أن يعبد الله وحده  لا يشرك به شيئاً ذلك أن الشرك هو الذنب الأكبر الذي لا يغفره الله أبداً {{ يَٰبُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾}

ثم كانت الوصية الثانية أن يبر الولد والديه وأن يحسن إليهما ولو كانا كافرين فلهما حق الطاعة في كل شيء إلا فيما يغضب الله عز وجل فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق { ﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَٰلُهُۥ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ ﴾ ﴿ وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ۚ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} }

ومن وصاياه التي سكت عنها القرآن قوله[ يا بنى، عليك بمجالس العلماء، وبسماع كلام الحكماء، فإن الله- تعالى- يحيى القلب الميت بنور الحكمة].

ثم كانت ثالث الوصايا أن يملأ الإنسان قلبه خشية لله رب العالمين ذلك أن الله تعالى يرى ما لا نرى ويسمع ما لا نسمع ويعلم السر وأخفى..  وجه الحكيم لقمان ولده إلى ذلك بقوله {﴿ يَٰبُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِى ٱلْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾}

ومن وصاياه التي لم ترد في القرآن الكريم قوله [يا بنى، لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار، وأنت نائم على فراشك] 

ثم كانت رابع الوصايا أن يحفظ الولد الصلاة المكتوبة وأن يؤدى الزكاة المفروضة وأن يصبر على مقادير الله تعالى ويتجاوز عن سفاهات الناس ﴿ يَٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ ﴾ 

 ومن وصاياه التي لم ترد في القرآن الكريم قوله [يا بنى اتخذ تقوى الله لك تجارة، يأتك الربح من غير بضاعة] 

ثم كانت خامس الوصايا أن يلزم الإنسان حدود الأدب وأن يتخلق بكل خلق حسن { ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾  ﴿ وَٱقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلْأَصْوَٰتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ ﴾}

ومن وصاياه التي لم ترد في القرآن الكريم قوله [يا بنى، اعتزل الشر كما يعتزلك، فإن الشر للشر خلق] 

صدرت هذه الوصايا من الحكيم لقمان رحمة من الوالد بالولد، وإشفاقاً من الوالد على الولد، ورعاية لمصلحته ، وإصلاحاً له وقد حُفظت هذه الوصايا في القرآن الكريم لننصح بها أولادنا، رجاء أن ينشأ الولد نشأة طيبة، يسعد بها الولد في نفسه، ويسعد بها الوالد في حياته،  وبعد مماته،  قال النبي عليه الصلاة والسلام [ «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له» ] 

أيها الإخوة الكرام: إن قصص القرآن لم يتنزل لأصحابه فما نزلت قصة ذي القرنين في زمانه إنما نزلت في أيامنا نحن المسلمين، وعندما نزلت قصة لقمان الحكيم لم تنزل في زمانه هو،  إنما نزلت في أيامنا نحن المسلمين... 

ذلك لأن القرآن الكريم كتابنا نحن نزل يحدثنا نحن نزل لينذرنا نحن قال الله تعالى {﴿ وَمَا عَلَّمْنَٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنۢبَغِى لَهُۥٓ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ ﴾﴿ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾}

الغرض الأبرز من عموم قصص الأولين هو رجاء أن ينصلح حال الآخرين،  المقصود أن نتعلم،  وأن نقتدي، وأن نتعلم، ونتعظ، ونحذر... 
نقتدي فننظر إلى الناجي كيف نجا،  ونحذر فلا ننظر إلى الهالك كيف هلك.. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..  

الخطبة الثانية 
بقى لنا في ختام الحديث عن أداء الأمانة في الولد،  وإبراء الذمة منه أمام الله عز وجل ب(نصحه ووعظه وأمره ونهيه) من خلال قصة لقمان الحكيم مع ولده بقى لنا أن نقول: 

من الأمور المفروغ منها ومن المُسلَّماتِ ومن البديهيات أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى وحده ليست الهداية بيد أب ولا بيد أم ولا بيد نبي ولا بيد رسول كما في التنزيل الحكيم { ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾}

ابن نبي الله نوح عليه السلام كان كافرا، وقد جعل نوح عليه السلام ينصح له حتى آخر نفس { ﴿ وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُۥ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يَٰبُنَىَّ ٱرْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾  ﴿ قَالَ سَـَٔاوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ ﴾}

أبو طالب عمُّ النبي محمد صلى الله عليه وسلّم مات على غير التوحيد وقد جعل رسول الله يرجوه على الإسلام حتى آخر رمق..  قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِعَمِّهِ: «يا عمّ قُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أشْهَدُ لكَ بها يَومَ القِيامَةِ، فقالَ العمُّ: لَوْلا أنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يقولونَ: إنَّما حَمَلَهُ علَى ذلكَ الجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بها عَيْنَكَ» ، فأنْزَلَ اللَّهُ: { {إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ} }

مع إيماننا الكامل بأن الهداية ليست بأيدينا لكننا نأخذ بالأسباب، ونعمل كل ما يمكننا عمله مع أولادنا..  نكلم أولادنا،  نسمع لهم،  نرقب أفعالهم، ننصح لهم، نصبر عليهم، نأخذ بأيديهم، ندعو لهم ولا ندعو عليهم والتوفيق بعد ذلك بيد الله سبحانه وتعالى. 
عسى الله تعالى أن يكلل سعينا بالنجاح فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً  قال الله تعالى {﴿ وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَٰبِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ ﴾}

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وأحوال أزواجنا وأبنائنا وبناتنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 7
  • 0
  • 887

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً