الخمر أم الخبائث

منذ 2011-12-18


الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة العقل والإدراك، ورزقهم من العقول ما يسعون بها إلى الخير وينجون بها من الهلاك، أحمده وأستغفره من كل ذنب لا منجا منه ولا فكاك، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

عباد الله:
الإنسان في هذه الدنيا سلاحه عقل سليم وصحة قوية، ومال يغنيه وكرامة وشرف يعليه، والعقل أغلى هذه الأمور، فبالعقل يستفيد الإنسان من ماله وصحته وشرفه، وبدونه لا يستفيد منها، أو لا يحس بالاستفادة منها.

والدين حارس على أتباعه حريص على سعادتهم، حرَّمَ عليهم ما يضرُّهم في دنياهم ويُردِيهم في أخراهم، حرَّم عليهم ما يضُرُّ بعقولهم وأبدانهم، ويُذهِبُ أموالهم وشرفهم، ولكن الشيطان يُغرِي الناس بالمحرم الممنوع، والنفس تتشوق للبعيد، ولو كان فيه هلاكها ودمارها في الدنيا، وعذابها وسعيرها في الآخرة.

حرَّم الله شرب الخمر: لإفسادها العقول، وإضاعتها الأموال، وهدم الأبدان، وإفقاد الإنسان كرامته، وتدهور أخلاقه، فمُدمِنُ الخمر مآلُهُ للخَبَل والجنون، والفقر والحاجة، والضعف والعلل، وكم بيننا في هذه الصالة من الأمثلة الحية على ذلك، أو كم عرفنا ممن هو في هذه الحال، سواء في هذه الصالة أو خارجها، وكم من رجل مُجدٍ نافع أرسَلَتْه الخمور لمستشفى المجانين.

وكم من بيوت أغلقت، وعائلات تعذبت وتشردت، لأن عائلها عاقر الخمر، وانشغل بها وبأهلها، وترك أهله وأطفاله الصغار وهم بأمس الحاجة إليه، تركهم في بؤس وشقاء بحاجة إلى لقمة الغذاء، وكم من رجال أشداء أقوياء هدمتهم الخمر وطحنتهم فصاروا مجمعًا للعلل، ومستودعًا للأسقام، وكم من رجل فاضل صيَّرَته الخمر سفيهًا بذيئًا لا يستحي من أقبح القول ولا يتورع عن المحرمات.

عباد الله:
لقد حرَّم الإسلام الخمر ليمنع التباغض والتقاتل، فإن السكير يسب ويلعن، ويؤذي ويضرب، ويعتدي على عفاف النساء فيزني ويفسق، وإن لزِمَ الأمرُ ينهب ويسرق، ويقتل النفس التي حرم الله، فتكون الجرائم والمصائب، والنزاع والعداوة، والتقاطع الممقوت.

عباد الله:
لقد حرَّم الله الخمر لأنها: تُنسِي ذكر الله، وكيف يذكر الله شخص نسي نفسه وكرامته، نسي بيته وأولاده، نسي واجبه ودينه، حرَّم الله الخمر لأنها: تصُدُّ عن الصلاة وهي عمود الدين، وعلامة الإيمان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91].

متى ما سَكِر المرء وانتشى، فلا يبالي بما يقول ولا بما يفعل، ولا يُبالِي بزنى ولا بفاحشة، ولا يعبأ بعِرْضٍ أو عفافٍ، فالسكير لا يتعفَّفُ عن منكر، ولا يخجل من تهتُّك.

يقول بعض أصحاب الخمر: "إن الخمر تذهب الهموم والأحزان". إن الهروب من الهموم والأحزان ليس حلًا، ولكن الحل هو علاج المشاكل التي سببت هذه الهموم والأحزان، والخمر تزيد الهموم همومًا، والمشاكل تعقيدًا.

ويقولون: "إنها تجلب المسرة والفرح". وفَاتَهُم أنه فرحٌ مُزيَّفٌ مغشُوش، وسُرور كاذب يعقبه هبوط وحسرة، وركود وذلة، وهمٌ وغمٌ لأوقات طويلة.

ويقولون: "إنها تقوي الجسم، وتفيد الصحة" وفاتهم أن للخمر رد فعل يصحبه اصفرار وهزال، وقيء وكسل، وفاتهم أيضًا أن الطب أثبت أن الخمر سبب لالتهاب الكبد والكلى، والشلل والصرع، والجنون وضعف النسل.

وفوق هذا كله: ما ورد من الوعيد لمتعاطيها، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر لم تُقبَل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تُقبَل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن عاد الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال» (أخرجه أحمد، والترمذي، وصححه الألباني: صحيح الجامع برقم: 6188).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها» (أبو داود والحاكم، وصححه الألباني صحيح الجامع برقم: 4970).

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].

الكـاتب: سليمان بن قاسم العيد
المختار الإسلامي

  • 6
  • 0
  • 12,659

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً