رسالة إلى الرئيس بشار الأسد

منذ 2011-12-20


في نشوة الحياة وبسطة السلطة والنفوذ قد تختلط الأوراق على النفس البشرية الضعيفة، وتختلط أيضًا معها الحقائق بل المسلمات والبديهيات، حتى تصاب بنوع من عمى البصيرة، أو نوع من الرؤية بالمقلوب، لترى المواقف على غير ما عليها بالحقيقة، وهنا تتوجب النصيحة من كل المحيطين، لعل النفس تفيق من سكرتها، وترتد إليها بصيرتها، فتدرك الواقع وتحسن التصرف قبل فوات الأوان.

وهذه الحالة الاضطرابية تنطبق بحذافيرها على الرئيس السوري (بشار الأسد) الأمر الذي قرر معه فتح نيران المدفعية الثقيلة على أبناء شعبه، فأردى منهم حتى الآن أكثر من خمسة آلاف قتيلًا، فضلًا عن الجرحى والمصابين، من هنا وجبت المكاشفة، وإرسال النصيحة تلو النصيحة، والرسالة عقب الرسالة، وإن كان في طياتها بعض القسوة والفظاظة، فهذا ما يقتضيه واقع الحال، كأشبه ما يكون بالصاعق الكهربي الذي يضعه الطبيب على صدر المحتضر لعله يستفيق وتعود إليه ضربات قلبه ونسمات روحه من جديد.

الرئيس: بشار..
ولدت وفي فمك معلقة من ذهب كما يقولون، فلقد ولدت ليس في قصر الرئاسة ولكن في قصر الملك، لأب ملك وإن سمى نفسه (رئيسًا للجمهورية العربية السورية) ملك من نوع سلطوي تملك بمنصبه سوريا كلها بشعبها وثرواتها ومقدراتها، وصار هو كل سوريا فترعرعت في ظل الدكتاتورية التي لم تعرف غيرها، فوجدت في صباك ضابطًا رفيعًا بالجيش العربي السوري يفتح لك باب السيارة، وخادمة حسناء تكون بجوارك لا تنام عينها وأنت تغط في نومك، وأمانيك تتحقق قبل أن تكتمل معالمها في مخيلتك، وللدنيا عندك وجه واحد لا وجه سواه، هو وجه الخضرة والنعيم والمتعة والرفاهية.

كان أخوك الأكبر هو محط أنظار الجميع، فهو ولي العهد والمشمول برعاية كل أساطين السياسة في القصر الجمهوري، بدأ من الوالد المخضرم إلى أصغر فرد في الطغمة السورية الحاكمة، لكي يقود إرث سوريا بعد الوالد الفرعون الكبير، ولكن كان للأقدار حكمًا آخر، فلقد مات الدكتاتور الصغير في حادث سيارة مروع واضطربت الترتيبات، فاستدعاك الوالد من بريطانيا وأنت طبيب العيون الماهر المسالم، ولا عهد لك بسياسة ولا قيادة، وأوكل لك ما كان مدبرًا لأخيك، ثم كان للأقدار حكمًا آخر، حيث مات الوالد على عجل، وسنك لا يناسب رئاسة الملك حسب دستور البلاد، فما كان من الطغمة الحاكمة إلا أن غيرت الدستور ليناسبك أنت وحدك في أقل من نصف ساعة.

أي دنيا هذه التي لانت لك لينًا وخضعت لك خضوعًا، لم يناله نبي مرسل ولا ولي مصطفى..! وأي أيام تلك التي تضحك لك سنوات وسنوات مديدة ولا تريك أحزانها ولا أتراحها، برغم أن كل البشر عهدها دنيا دنيئة لا تستقيم على حال، وبقدر ما تضحكك مرة تبكيك مرات، وإذا أسعدتك نوبة تشقيك نوبات.

لقد غدرت بك الأيام على غرة، وتنكرت لك الأحداث على غفلة، فالشعب الذي لم تشعر به يومًا قد انتفض وعلا صوته، وأنت الذي لم تسمع له صوتًا أبدًا، وهذا يراجعك في أوامرك وذاك يحذرك، وآخر يتبرأ منك، وأنت الذي كانت أعين الجميع معقودة على بنانك الصغير، تنتظر أي إشارة منه لتلبي رغبته في سرعة البرق، وأنت الذي لم تسمع أُذناك غير التصفيق الحار على كل جملة تخرج من ثغرك البسام، وأنت الذي لم تعرف الحواجز يومًا ولا العقبات ولا المعارضات، ولا المناكفات ولا المنغصات.

لكن من الحكمة اليوم أن تكون ابن المرحلة ورجل الواقع، وتسأل نفسك بجرأة: لماذا تغير الحال، وتبدلت الأيام، وانتفضت الجماهير؟ والجواب لا يحتاج إلى قريحة فذة ولا عقلية جبارة، إنما يحتاج نبرة صدق ورؤية حق..

إنه (الظلم) يا سيادة الرئيس، الظلم الضارب في أعماق القطر السوري من أيام الوالد (حافظ الأسد) صاحب مذبحة حماة التي سميتها أنت (إنجازات..!) وهددت الشعب السوري إبان انتفاضته أن تعيد أمجاد والدك في حماة، الظلم الذي دفعك لأن تضرب الأبرياء ذوي الصدور العارية بالمدفعية الثقيلة، وتهدم المآذن بطلقات مدافعك، وتجعل المعذبين يقولون: "لا إله إلا بشار" ويسجدون لصورتك..!

صدقني إن أناملي ترتجف وأنا أكتب هذه الفظائع، لكن المشكلة أنك تجاوزت بأزمتك حدود دماء شعبك، ووضعت نفسك في أزمة مع الله عز وجل بجبروتك، وصدق فيك قول الله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130]. هل الله عز وجل يُحارب؟ وهل من حارب الله ينتصر؟ حاشا لله.. كلا وألف كلا.

قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12]. ولذلك إننا على يقين لا يعتريه أدنى شك أن الله سيرينا فيك آية من آياته، وقدرة من قدراته، وعجيبة من عجائبه، وما حتف القذافي منك ببعيد: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].

لقد وضعت نفسك في فخ لا فكاك منه، ومصيدة أشبه بمصيدة العنكبوت كلما تحركت فيها أدنى حركة -ولو قيد أنملة- إلا والتفت عليك أكثر وتعقدت أكبر، فاستطابتك دماء الأبرياء جرم فاحش، فما بالك بالتطاول على الله، ونقد العهد الذي أولاك إياه من رعاية هذا الشعب.

لقد توعدت خصومك بأنك ستحرق المنطقة بأكملها، وكأنك تسير في طريق حتفك سيرًا لا رجعة منه، ورغم كل العروض المغرية لك بترك السلطة والعيش آمنا في أحد الدول في بحبوحة من العيش، إلا أنك ركنت إلى قوتك وهان عليك كل شيء في سبيل كرسي حتمًا أنت مفارقه، وأخذتك العزة بالإثم، فلا تفزعك صرخات المجروحين ولا دعوات المظلومين ولا آهات المكلومين، وركنت إلى آراء المضللين من حولك بأن الجيش ما زال متماسكًا ومواليًا، لكن متى توهب الجيوش الأمن الدائم للظالمين، وتعصم الطغاة من أخذات رب العالمين، وما مصارع الجبارين بخافية عليك.

سيادة الرئيس بشار..
لقد سبق السيف العزل، فلقد تعجلت نهايتك المأساوية، وحكمت على نفسك بلعنات التاريخ الأبدية، والأيام القلية القادمة حبلى بشر مصير لك، فارتقب إنا مرتقبون: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42].

المصدر: الكـاتب: خالد سعد النجار
  • 7
  • 0
  • 2,096

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً