الخواء الروحي

منذ 2024-05-11

وإذا فتشنا في أنفسنا فسنجد أننا مصابون بهذا الداء الأليم والمرض الخطير مرض القسوة والغفلة غفلة عن أداء الواجبات وغفلة عن فعل الخيرات وغفلة في الوقوع بكل سهولة في المعاصي والمنكرات...

إن من المشكلات العظيمة التي نعاني منها في هذا الزمن الصعب مشكلة الخواء الروحي وضعف الإيمان وقلة المراقبة لله سبحانه وتعالى فالطاقة الإيمانية عندنا ضعيفة جداً ولدينا جفاف في الروح وقسوة في القلب وسوء في العمل فلا نتأثر بالقرآن ولا تؤثر فينا المواعظ ولا تغير فينا الآيات والعبر فقلوبنا أقسى من الحجر لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً إلا ما أشربت من هواها.

 

لابد أن نعترف بأن هذا المرض فينا ويعاني منه المتكلم قبل السامع وإذا فتشنا في أنفسنا فسنجد أننا مصابون بهذا الداء الأليم والمرض الخطير مرض القسوة والغفلة غفلة عن أداء الواجبات وغفلة عن فعل الخيرات وغفلة في الوقوع بكل سهولة في المعاصي والمنكرات وغفلة عن ذكر الله وغفلة ملموسة محسوسة عن مراقبة الله.

 

لدينا تهاون كبير في كثير من الطاعات والعبادات بل ربما تفوت علينا بعض الفرائض والواجبات فتخرج أوقاتها من غير أن نؤديها أو نؤديها كأداء المنافقين يرقب الشمس فإذا كادت الشمس تطلع قام فصلى الفجر وإذا كادت الشمس تغرب قام يصلي العصر ينقرها كما ينقر الديك الحب وإذا ضيعنا الفرائض وتهاونا في أدائها فمن باب أولى سنضيع السنن والمستحبات ونتكاسل في أدائها.

 

ما هو وردنا من قراءة القرآن وما هو وردنا من التحصينات والأذكار وما هو وردنا من صلاة الوتر والليل وما هو وردنا من الصدقة وما هو وردنا من الكثير والكثير من المستحبات والسنن.

 

كم من الموبقات التي نقع فيها مرة بالترخص ومرة بالتساهل ومرة بالتأويل ومرة بقولنا الله غفور رحيم ومرة باحتقار الذنب واستصغاره.

 

كم من الذنوب التي مارسناها بأسماعنا وكم من الذنوب التي مارسناها بأبصارنا وكم من المخالفات الموجودة في بيوتنا وكم من المخالفات الموجودة في مآكلنا ومشاربنا وملابسنا يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً إيانا {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16] يحذرنا الله أن نكون كأهل الكتاب يعني اليهود والنصارى الذين أتتهم الرسل وأنزلت عليهم الكتب فقرءوها ووعوها ثم تطاول عليهم الزمان وطال بهم الأمد فقست قلوبهم وضعف النور الذي في صدورهم وذهبت الطاقة الإيمانية التي كانت تحركهم لطاعة الله وتحجزهم عن معاصي الله فتلاشى إيمانهم وخوت قلوبهم وضعفت نفوسهم واستولت القسوة والغفلة عليهم فأصبح أكثرهم فاسقين.

 

يقول ابن القيم رحمه الله (إن حجاب الهيبة لله عز وجل رقيق في قلب الغافل ) وصدق رحمه الله فالقلب الغافل سريع الاختراق سهل الوقوع في الشهوات والشبهات أما القلب الذاكر المتيقظ المنتبه فإنه شديد الهيبة لله عامل على منع الأمراض من الدخول والتسرب يقول الله سبحانه وتعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] ويقول صلى الله عليه وسلم «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير القلوب على قلبين قلب أبيض مثل الصفاء لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض وأسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه».

 

قلوبنا تعلقت بأمور تافهة حقيرة نصبح عليها ونمسي عليها فمنا من تعلق قلبه بجمع المال وسلك في ذلك مسالكاً مشبوهة وسبلاً محرمة ومنا من تعلق قلبه بالزوجة والولد ومنا من تعلق قلبه بالنساء الأجنبيات ومنا من تعلق قلبه بالغلمان والمردان ومنا من تعلق قلبه بالكرة والرياضة ومنا من تعلق قلبه بالمواقع الفاسدة والدردشات التافهة على الانترنت فعاقبنا الله بالخواء الروحي وضعف الإيمان يقول سبحانه وتعالى  {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وقد فسر العلماء الفتنة بالشرك فإذا كان الإنسان إذا وقع في مخالفة أوامر الله عوقب بالوقوع في الشرك فمن باب أولى أن يعاقب بالوقوع في الغفلة والقسوة والانحراف لأن القلب إذا ضعف وفتر ابتعد عن الله وعن طاعة الله فالطاعة زكاة وغذاء وطاقة تجعل الإنسان يرتفع ويسمو والمعصية داء يرمي الإنسان وينحدر به نحو الهاوية والانحدار.

 

قست قلوبنا ياعباد الله بسبب ابتعادنا عن مرافقة الصالحين وصحبة أهل الخير والفضل والصلاح فعندما يبتعد الإنسان من أهل الخير ويقترب من أهل السوء فإن الشيطان يستطيع أن يجده ويفترسه ولذلك أمرنا الله بصحبة الصالحين وأهل الخير أهل ذكر الله الذين يذكروننا بالله ويزودوننا بالإيمان ويحولون بيننا وبين الشيطان ويحولون بيننا وبين الوقوع في المعاصي والذنوب هؤلاء هم من أمرنا الله بصحبتهم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

 

فالواحد منا يجد في نفسه القوة الإيمانية عندما يكون مع إخوانه الصالحين ويضعف ويفتر عندما ينفرد أو يمشي مع المسيئين لأن الصالحين يذكرونك بالله إذا غفلت وتستحي وتخجل من الوقوع في المعصية عندما تكون معهم أما الصحبة السيئة فإنهم عكس ذلك تماماً {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].

 

هناك جانب مهم مفقود عندنا ألا وهو جانب التزكية والكلام عن القلوب وأعمال القلوب وأمراض القلوب والأمور الروحانية وتزكية الأنفس فهذا أمر عظيم ومهم أرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم من أجله فقال {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].

 

فعلينا عباد الله بالأخذ بالأسباب التي تحيي القلب وتنعش الإيمان وتقرب العبد من الرحمن كتذكر الموت فذكر الموت يجعل الإنسان دائم الاتصال بالله والدار الآخرة وهكذا عيادة المريض وإتباع الجنائز والمسح على رأس اليتيم وغيرها من الأسباب التي تدفع الإنسان وتعطيه طاقة قوية تدفعه نحو الخير وتمنعه من الشر.

 

لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يحسون أن إيمانهم قد ضعف فإنهم يشعرون بذلك لأن قلوبهم حية وإيمانهم قوي وإذا وقعوا في ذنب أو معصية أو فتور ضخموه وعظموه كما قال ابن مسعود رضي الله عنه إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه ، فقال به هكذا فطار.

 

إن الغفلة سهو يصيب الإنسان ويسهيه عن طاعة الله ومراقبته ويوقعه في الذنب والمعصية والتساقط فتجتمع عليه الذنوب والمعاصي فتهلكه وتؤدي به بعد ذلك إلى فعل المحرمات الكبيرة والموبقات العظيمة فلنحذر من هذه الغفلة فإنها داء حذرنا الله منه في آيات كثيرة فقال  {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}[الأعراف: 205] ويقول {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

 

فلابد من اليقظة التامة ولابد من الاستقامة ولابد من ترويض النفس على الطاعة والبعد عن المعصية حتى نكون أنقياء أتقياء يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا أذنب العبد ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا تاب غسل قلبه» أي غسل عنه الران الذي خيم عليه بسبب هذه الذنوب والمعاصي اسأل الله أن ينفعني وإياكم بهذا وأن يجعلنا ممن يستمعون القلب فيتبعون أحسنه.

____________________________________________________
الكاتب: د. مراد باخريصة

  • 2
  • 1
  • 471

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً