ماذا ينبغي لمن أراد أن يضحي؟
مَن أراد أنْ يضحِّي فلا ينبغي له أنْ يحلق شيئًا من شعره، ولا أنْ يقلم شيئًا من ظفره، من أوَّل ذي الحجة حتى يَذبَح أضحيته
ما ينبغي لمن أراد أن يضحي:
مَن أراد أنْ يضحِّي فلا ينبغي له أنْ يحلق شيئًا من شعره، ولا أنْ يقلم شيئًا من ظفره، من أوَّل ذي الحجة حتى يَذبَح أضحيته؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ««إذا دخَل العشر وأراد أحدُكم أنْ يُضحِّي، فلا يمسَّ من شَعرِه وبَشَرِه شيئًا»، وفي لفظٍ عنها: «إذا دخَل العشر وعنده أُضحِيَّة يريد أنْ يضحِّي، فلا يأخذن شَعرًا، ولا يقلمن ظفرًا»» ، وفي لفظٍ: ««فليُمسِك عن شَعرِه وأظْفاره»» .
بداية وقت ذبح الأضاحي ونهايته:
يشرع تأخير ذبْح الأُضحِيَّة عن صَلاة عيد الأضحى، وأنَّ المتعيِّن على المسلمين ألاَّ يذبَحُوا ضَحاياهم حتى يفرغوا من صَلاة العيد؛ ومن أدلَّة ذلك قوله تعالى: {﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾} [الكوثر: 2]، حيث أخَّر سبحانه الأمرَ بالنحر عن الأمر بالصلاة؛ ففي ذلك تنبيهٌ على أنْ يكون النحر بعد الفَراغ من الصلاة، وهكذا قوله تعالى: { ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾} [الأنعام: 162].
فإنَّه تعالى أخَّر ذِكر النسك فجعَلَه بعد ذِكر الصلاة، وفي ذلك دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ المشروع تأخير الأُضحِيَّة عن الصلاة؛ فإنَّ هذا ممَّا أمر الله به رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وثبَت في الصحيح عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّل ما نبدأ به في يومنا هذا أنْ نصلِّي ثم نرجع فنَنحَر، مَن فعَل فقد أصاب سُنَّتنا، ومَن ذبَح قبلُ فإنما هو لحمٌ قدَّمَه لأهله، ليس من النُّسك في شيء»، وفي الصحيحين - واللفظ لمسلم = عن جُندب بن سُفيان البجلي رضي الله عنه قال: شَهِدتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يومَ النَّحر فقال: «مَن كان ذبَح أُضحِيته قبل أنْ يُصلِّي - أو نُصلِّي - فليَذبَح مَكانها أخرى، ومَن كان لم يَذبَح فليَذبَح باسم الله»، وفي لفظ البخاري من حديث أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن ذبَح قبلَ الصلاة فإنما ذبَح لنفسه، ومَن ذبَح بعد الصَّلاة فقد تَمَّ نُسكه وأصاب سنَّة المسلمين»، وفي لفظ البخاري عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن كان ذبَح قبل الصلاة فليُعِدْ».
فهذه نصوصٌ صحيحةٌ صريحة، تُفِيد أنَّ وقت ذبح الأُضحِيَّة يبدَأُ من الفَراغ من صَلاة العِيد في البلد الذي يُوجَد به المضحِّي، وأنَّ مَن ذبَح قبلَ الصلاة لم يُصِبْ سنَّة المسلمين، فلم يتمَّ نسكه حيث ذبَح قبل الوقت، فذبيحته ليست من النسك في شيءٍ، فلم تقع أُضحِيَّة؛ فإنَّه إنما ذبَح لنفسه وقدَّم اللحم لأهله، فإنْ كان يريد النُّسك فليُعِد، بأنْ يَذبَح مكانها أخرى على صِفتها؛ حتى يتمَّ نسكه ويصيب سنَّة المسلمين.
ويمتدُّ وقتُ ذَبح الأُضحِيَّة من بعد صلاة الأضحى يوم النَّحر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجَّة، على القول الراجح من أقوال أهل العلم، فمدَّته أربعة أيَّام (يوم العيد وثلاثة أيَّام بعده)، تنتَهِي بغُروب الشمس يوم الثالث عشر، فإذا غربت الشمس فاتَ الوقت.
قال تعالى: {﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ } [البقرة: 203].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الأيَّام المعدودات أيَّام التشريق؛ يوم النحر وثلاثة أيَّام بعده»، ويُروَى عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «أيَّام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده»، وهذا هو مذهب الإمام الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، واختارَه ابنُ المنذر وشيخ الإسلام ابن تيميَّة وابن القيم رحمه الله تعالى.
قال ابن القيِّم: ولأنَّ الثلاثة -يعني: أيَّام التشريق - تختصُّ بكونها أيَّام منى وأيام التشريق، ويحرم صومُها، فهي إخوة في هذه الأحكام، فكيف تفتَرِق في جَواز الذَّبح بغير نصٍّ ولا إجماع، ورُوِي من وجهَيْن مختلفَيْن يشدُّ أحدهما الآخَر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ««كلُّ منى مَنحَر، وكلُّ أيَّام التشريق ذبح»» .
قلت: ويَشهَدُ لهذا الحديث ما ثبَت في صحيح مسلم عن نُبَيشةَ الهذليِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيَّام التشريق أيَّامُ أكلٍ وشُرب وذكرٍ لله عزَّ وجلَّ»، فجعَل النبي صلى الله عليه وسلم باب هذه الأيام واحدًا في كونها أيام ذِكر لله عزَّ وجلَّ، وهذا يشمَلُ الذِّكر المطلق والذِّكر المقيَّد على بهيمة الأنعام؛ قال تعالى: {﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾} [الحج: 28]، فَذِكْرُهُ عليها حال ذبحها هذه الأيَّام.
- التصنيف:
- المصدر: