أثر الذنوب والمعاصي على المجتمع
أيها الناس.. أوصيكم وإياي بتقوى الله تعالى بفعل ما أمركم به من الطاعات واجتناب ما نهاكم عنه في محكم الآيات، واعلموا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفعه الله إلا بتوبة صادقة، فإن ما أحله الله بالأمم السالفة من الهلاك الجماعي إنما هو مغبة ما اقترفوه من الذنوب قال الله جل وعلا: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40]، فمن اغتر بحكم الله وتمادى في معصية الله أنزل الله به بأسه ولا منقذ له من ذلك يقول تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]، أي آيسون من كل خير.
فيا عباد الله لنعد على أنفسنا ونحاسبها ونقارن بين نعم الله التي خولنا فيها وبين قيامنا بما أوجبه علينا من طاعته، ولنكن منصفين، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيما رواه أبو داود: «لن يهلك الناس حتى يَعْذِرْوا أو يُعْذِروا من أنفسهم» [1]، ومعنى يعذر أي لا يهلكهم الله حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فتقوم الحجة عليهم ويظهر لهم عذر من يعاقبهم، ولنعلم أن الله لا يخفى عليه خافية من أعمالنا حسنها وقبيحها ولكنه رحيم بعباده غفور لمن تاب إليه وأناب كما وصف نفسه بقوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} [الكهف: 58]، أي يعجل لهم عقوبتهم في الدنيا ولكن يمهلهم لعلهم يتوبون، وإلا فلابد من العقاب إما عاجلًا في الدنيا بأنواع المصائب والمحن، وإما آجلًا في الآخرة، لأنه يقول: {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} [الكهف: 58]، أي ملجأ ومحيصًا.
عباد الله:
إن العاقل قد أعذر من نفسه وينتظر العقوبة المهلكة التي توعد الله بها من نسيه وغفل عما خلقه له من عبادته في قوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44]، فقد فتح الله علينا أبواب الخير في الدنيا من كل شيء على تقصيرنا في طاعته وجرأتنا على معصيته أليس ينادى للصلاة في المساجد ولا يحضرها إلا القليل؟، أليس المصلي يصلي والمغني يغني؟، أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضعف عند البعض منا، وذهب من البعض الآخر، فلا يأمر ولا ينهى حتى أولاده ومن تحت يده، أليس الربا والغش في البيع والشراء ظاهرًا علنًا ولا تسمع منكرًا له ولا محذرًا منه إلا ما شاء الله، أليست البيوت قد امتلأت من آلات اللهو التي يعرض فيها كل منكر وزور من أفلام خليعة تدعو الشباب إلى التفسخ والانحلال، يعكف الناس عليها وتصدهم عن الصلاة وخاصة صلاة الفجر، هل ينكر هذا أحد في مجتمعنا!؟، ما ينكره إلا مكابر فإنا لله وإنا إليه راجعون.
روى البخاري في صحيحه عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم فيأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدًا فيبيتهم الله تعالى يضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» [2]، والعلم الجبل، ومعنى ذلك أنهم لا نعيش من الله تروح عليهم سارحتهم أي مواشيهم وبيتهم العدو أي طرقهم وهم غافلون، فعلينا يا عباد الله تجديد التوبة إلى الله لإصلاح ما فسد من أعمالنا والتكاتف في إصلاح مجتمعنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليكن لنا عبرة بغيرنا ممن نسمع أخبارهم في الصباح والمساء وما يحيط بهم من الآفات والنكبات من قتل وتشريد وانتهاك حرمات، كل ذلك بسبب ما أضاعوا من أوامر الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، جاء في الأثر أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: "أيها الناس إنكم تقرؤون قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب» [3].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 42، 43].
أما بعد:
أيها الناس.. اتقوا الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واحذروا معصية الله فإن أجسامكم على النار لا تقوى. عباد الله إن الذنوب والمعاصي خطرها عظيم وتعرض العبد إلى مقت الله وعقابه عاجلًا أم آجلًا، والمؤمن يحاسب نفسه عند كل قول أو فعل يقدم عليه قبل أن تزل قدمه ثم يندم حين لا ينفع الندم، وليكن دائما وأبدًا على حذر من عدوه الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء فإن الشيطان لعنه الله إذا رأى العامل بطاعة الله يحاول أن يفسدها عليه، فتارة يأتيه من باب التقصير، وتارة من باب الغلو فيها، وقد نهى الله أهل الكتاب أن يغلوا في دينهم فقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77]، أي لا تتجاوزوا الحد في اتباع الحق، وقد أخبر الله عنه عندما قال في يوم بدر: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، سول لهم وأملى لهم ثم تجهم بقوله إني أخاف الله، وما أقدمت عليه هذه العصابة المجرمة الضالة عن طريق الهدى في بيت الله الحرام من ترويع المسلمين وقتل من جعل الله أجله على أيديهم واستباحة المسجد الحرام ومنع المصلين من الصلاة فيه لإغلاقه، وإطلاق النار من مآذنه وشرفاته، إنما هو استفزاز من الشيطان بسبب ذنوبهم وما أضمروه من حقد على ولاة أمر المسلمين وتذرعوا بالدين وجعلوه وسيلة للخروج عليهم، والدين يتنافى مع صنيعهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة قلنا: لمن يارسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [4]، فأين النصيحة لولاة المسلمين وعامتهم وهم يستبيحون دماءهم، ولا يستبعد أن الذي دفعهم عدو للإسلام والمسلمين، فإن الله تعالى جعل لهذا الدين من بزوغ شمسه أعداء يرقبون ضعف المسلمين وتفوقهم، فيحاولون النيل منهم بشتى الأساليب، ولكن الله يأبى إلا أن ينصر دينه ويظهره، ويذل أعداءه ويجعل الدائرة عليهم، والحمد لله الذي أذاقهم العذاب الأليم كما وعد بقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، فقاسوا من العذاب العاجل ما أيبس شفاههم، وأوهن أعصابهم، ومكن الله من رقابهم، {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].. وأي فساد أعظم من فسادهم حيث سفكوا الدماء في حرم الله، وغرروا بالبسطاء من المسلمين ونظموهم في سلكهم، وعوضوهم للتنكيل والتعذيب، ودنسوا أهل الدين بأقوالهم وصفاتهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فعلى علماء المسلمين إصلاح ما أفسدوه من عقائد شباب المسلمين وبسطائهم، بإلقاء المحاضرات المتتابعة في المساجد وفي المجتمعات، وكذا المدرسين في المدارس، والأئمة في أدبار الصلوات، وأن يبينوا الحق تجاه ما يجب عليهم لولاة الأمر من الطاعة في حدودها التي رسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويشيدوا بفضل فقهاء الإسلام الذين خدموا السنة، وأفنوا في جمعها وتهذيبها جل أوقاتهم، فإن هذه العصابة قد شوهت كتب الفقهاء، وطعنت فيها وحذرت من الأخذ منها، سممت بذلك أفكار الكثير من الطلبة، ولابد أن يكون له أثر وخيم إن لم يتدارك الأمر يقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].
والحمد لله رب العالمين.
[1] سنن أبي داود ح (4347) وصححه الشيخ الألباني.
[2] صحيح البخاري ح (5590).
[3] صحيح ابن حبان ح (304) وسنن أبي داود (4338).
[4] صحيح مسلم ح (55).
__________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
- التصنيف: