الرجاء

منذ 22 ساعة

إنَّ رجاء الله هو الَّذِي حيا به المؤمنون في هٰذِه الدنيا، وهو المركب الَّذِي نجو به من أنواع الهموم والغموم، والأكدار والأشرار

عباد الله! إنَّ عبادةً عظيمة تتعلَّق بالقلوب، بقلوب المؤمنين الموحدين، ما أكثر ما يُغفل عنها، وما أكثر ما يُتناسى شأنها، ألا وهي: عبادة رجاء الله عَزَّ وَجَلَّ، وتعليق الأسباب والمسببات به سُبْحَانَهُ، وتعليق القلوب بأنياط رحمته وعلائق عفوه وإحسانه.

 

إنَّ رجاء الله هو الَّذِي حيا به المؤمنون في هٰذِه الدنيا، وهو المركب الَّذِي نجو به من أنواع الهموم والغموم، والأكدار والأشرار، في هٰذَا الرجاء نجا يوسف عَلَيْهِ السَّلَامُ من البئر، وبهذا الرجاء نجا يونس بن متَّى من بطن الحوت، وفي هٰذَا الرجاء أمَّن نبيكم مُحَمَّد صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ربه خيرًا، ومن ذلك: أن يخرج من أصلاب زعماء وصناديد الكفر في مكة من يعبد الله فلا يشرك به شيئًا.

 

وَأَمَّا نحن يا عباد الله، فما شأننا بعبادة الرجاء؟ ما شأن قلوبنا في تعلقها بالله جَلَّ وَعَلَا حبًّا وتعظيمًا ورجاءً وطلبًا لما عنده من الخير؟

 

إنَّ ربنا جَلَّ وَعَلَا كما جاء في الحديث الصحيح[1]: «لا يزال ينظر إِلَى عباده أزلِين قَنطين، يعجب من ذلك» أي: يضحك، «يعجب جَلَّ وَعَلَا ويضحك من قنوط عباده وقرب غِيَرِه» أي: من تغيير حالهم من حالٍ إِلَىٰ حال، وَالشَّأن في ذلك كله هو ما يكون في مقدورك أَيُّهَا المكلَّف، أَيُّهَا العبد في تحقيقك عبوديتك لله جَلَّ وَعَلَا في رجائه، وفي حسن أملك وظنك به، وفي ثقتك به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، فإن عَظُم رجاؤك، وعَظُم إحسان ظنك بالله، وعَظُم رجاؤك به؛ عندئذٍ عظم نوالك عند الله، وستنال من الدنيا مِمَّا أمَّلأت من ربك خيرًا، وأعظم من ذلك في دينك وعقيدتك.

 

• إنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ قريبٌ من عبده، قريبٌ من دعوته، قريبٌ من رجاء عبده به، وتعلُّق قلبه به، فإن كان من نقصٍ يا عباد الله؛ فإنَّه منَّا ومن قلوبنا، ومن تعلقنا، ومن ركوننا إِلَىٰ أسباب الدنيا، وغفلتنا عن مسبب الأسباب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ.

 

• أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

يا عباد الله! فاتقوا الله جَلَّ وَعَلَا، وأروا الله من قلوبكم في اعتقادكم ما يسركم يوم أن تلقوا بركم، وما تنجو به من أنواع الهلكات في الدنيا والآخرة، ومن ذلك: رجاء ما عنده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ.

 

ولمَّا شكا النَّاس في عهده صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شكو إِلَىٰ الله جدب ديارهم، واعدهم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا يخرجون يستسقون فيه، أتدرون ما حقيقة هٰذَا الاستسقاء؟ إنه تعليقٌ لمراداتهم بحباله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، تعليق للقلوب بدعوة الله ورجائه، وحسن الظَّنّ به والثقة به، وبه يحصل مراد العبد من ربه، إن كان في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا.

 

 إن الاستسقاء يا عباد الله عبودية لله، مناطها عَلَىٰ تحقيق وحدانيته برجائه وحده، وحسن الظَّنّ به وحده، وكمال الثقة به سُبْحَانَهُ وحده.

 

فاللهمَّ لك الحمد كَثِيْرًا، كما تنعم يا ربنا كَثِيْرًا، ولك الحمد والمنة عظيمًا كما تعفو يا ربنا عنَّا كَثِيْرًا.


[1] أخرجه أحمد (16187) و (16201) وابن ماجه (181).

علي بن عبد العزيز الشبل

أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 0
  • 0
  • 234
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سكينة المجاهد الصادق ومن عجائب الجهاد في سبيل الله، أنه ما إن يمتثل العبد أمر ربه ويرغم نفسه على القتال في سبيله، حتى تتنزل عليه السكينة ويذهب عنه الخوف رغم وجود أسبابه، بل ربما تكون أشد، وتدبر قوله تعالى عن المسلمين في أحد، وهم بين يدي القتل والقتال: { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ..}، وروى البخاري في صحيحه عن أبي طلحة - رضي الله عنه - قال: "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه، يسقط فآخذه"، وهذا الحال ما يزال المجاهدون في سبيل الله يعيشونه في معاركهم مع أعدائهم حتى اليوم، وهذا من فضل الله عليهم وتثبيته لهم، فتأمل كيف يظفر المجاهد بالأمن والنجاة في موطن الخوف والهلاك، في حين يغشى الناس الخوف والهلاك حيث ظنوا أنه المنجى والخلاص، والجزاء من جنس العمل. • افتتاحية النبأ "بين الخوف والحذر" 449

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً