تربية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب

منذ يوم

من أراد أن يبني الأجيال، وأن يكون الشباب هم من يتحقَّق على أياديهم -بإذن الله تعالى- النصر والظفر والتمكين، فليسع في تربيتهم التربية النبوية الإسلامية الصحيحة على وفق المنهج الحق الذي ارتضاه الله تعالى

إن الله تعالى بعث رسوله محمدًا صلوات الله وسلامه عليه مُعلمًا وهاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا.

 

ورسالته عليه الصلاة والسلام رسالة رحمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فهو صلوات الله وسلامه عليه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن الظلم إلى العدل.

 

كان العرب قبل مبعثه أمة مشتتة وممزقة، القوي يأكل الضعيف، يعبدون اللات والعُزَّى، ومناة الثالثة الأخرى، ويشربون الخمور، ويئدون البنات أحياء خوف العار، وأما شباب العرب قبل الإسلام لا دور لهم يذكر، ولا أهداف يعيشون من أجلها، إلا السلب والنهب، والغارات على بعضهم البعض، يتفاخرون بمآثر الآباء والأجداد، ويتناقلون في ذلك القصائد والأشعار، هم شبابهم، كيف يكون له صولة وجولة في قبيلته وبين بني قومه بحق أو بباطل، وهكذا كانت حياتهم في الغالب، لهوًا ولعبًا، وسلبًا ونهبًا، وغارات على بعضهم البعض، ومجالس لهو وضياع.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله نظر إلى الناس عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب»، أو كما قال رسول الله.

 

أيها الناس، ثم أذن الله تعالى بفجر جديد، ونور يضيء، فاختار الله لهذه الأمة رسولًا منها يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فالكتاب كلام الله تعالى القرآن الكريم، والحكمة سنة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

فكانت الرسالة وكانت الدعوة، وتحرك القدوة عليه الصلاة والسلام في قومه داعيًا وناصحًا وموجِّهًا ومرغبًا، ومحذرًا، فمن كتب الله له الهداية أسلم وآمن واتَّبَع خير الرسل وأفضل الخلق نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن كتب الله عليه الشقاء والتعاسة، وقف حجر عثرة أمام دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن بهذه الرسالة وتلك الدعوة، وخاصة كبار السن من قريش، فإنهم وقفوا من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف المعارض والمعاند والمكابر، أما صنف الشباب، فإنهم سرعان ما استجابوا لهذه الدعوة، وبذلوا من أجلها الغالي والنفيس، وتحَمَّلوا المصاعب والأذى، كل ذلك في ذات الله واستجابة لدعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكيف تحملوا ذلك؟ وكيف خرجوا على عادات أقوامهم؟ وكيف تركوا ما يعبده الآباء والأجداد، وتنكروا لماضي أقوامهم؟ كل ذلك حصل بفضل الله وتوفيقه لهم بالهداية، واختياره تعالى لهم من بين سائر الناس، فتعالوا بنا أيها الناس لننظر كيف ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم شباب الصحابة، وكيف جعل منهم السادة والقادة، وكيف أصبحوا قادة للجيوش والأمم بعد أن كانوا رعاة الإبل والغنم، والذي يطالع سيرة نبينا وحبيبنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وكيف كان مع صغار وشباب الصحابة رضي الله عنهم، يرى أعظم سيرة على وجه الأرض لهذا الرسول الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، حيث تواضَعَ لهم، وجالسهم، وزارهم، وعلمهم، ورفع من هممهم، فخرج منهم أعظم جيل على وجه الأرض.

 

أيها الناس، لقد جعل الله تعالى في الحياة قوة بين ضعفين، وتلك القوة هي العماد في الحياة، والثمرة في الآخرة، وسن الشباب هو القوة بعد الضعف، فيه توقد العزيمة وعلو الهمة، ونفعهم عبر العصور كبير، قال قوم إبراهيم عليه السلام عنه: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60]، وقال عن يحيى عليه السلام: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]، قال ابن كثير-رحمه الله-: ((أي الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير والإكباب عليه، والاجتهاد فيه وهو صغير حدث السن))، وقال تعالى عن أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13].

 

قال ابن كثير: "ذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ؛ ولهذا كان أكثرُ المستجيبين لله ولرسوله شبابًا، ومن السبعة "الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة شابٌّ نشأ في عبادة الله"؛ متفق عليه.

 

أيها الناس، فمن تتَبَّع السُّنَّة المطهرة، والسيرة العطرة لرسولنا عليه الصلاة والسلام، يرى اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بتربية شباب الصحابة، والعناية بهم، وبأخلاقهم، فمن ذلك تواضعه عليه الصلاة والسلام، فكان "إذا مَرَّ بصبيان سلم عليهم"؛ (مسلم).

 

قال ابن بطال رحمه الله: "سلام النبي صلى الله عليه وسلم على الصبيان من خلقه العظيم، وأدبه الشريف وتواضعه".

 

وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على تعليمهم، قال جندب بن عبدالله رضي الله عنه: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتية حزاورة -أي قاربنا البلوغ- فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلَّم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا))؛ (ابن ماجه).

 

وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يغرس العقيدة في نفوس شباب الصحابة رضي الله عنهم، قال ابن عباس رضي الله عنه: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «يا غلام، إني أُعِلِّمُك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»؛ (الحديث. رواه الترمذي).

 

فانظر أخي المسلم، أخي المعلم، أخي المربي، أخي المدرس، إلى هذه التربية الفريدة، والتربية الصالحة، والتربية التي يحبها الله، والتربية الصالحة التي غرسها رسول الله عليه الصلاة والسلام في قلوب الشباب، ألم نسمع قوله عليه الصلاة والسلام لابن عباس: "يا غلام..." حيث يوحي هذا النداء بالعناية بالشباب ورعايتهم، وتوجيههم، وتربيتهم على المنهج الحق، وعلى العقيدة الصافية الصحيحة؛ الكتاب والسنة.

 

أيها الناس، وهذا موقف آخر في تربية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب؛ حيث كان يتلطَّف في تعليم شباب الصحابة رضي الله عنهم، وذلك بتنوُّع طرقه، فأحيانًا يأخذ بأيديهم، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: أخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام بيدي، فقال: «إني أحبك» وعلمه أن يقول: «اللهم أعِنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»؛ (البخاري).

 

أيها الناس، وأحيانًا يأخذ بمناكبهم، قال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: أخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام بمنكبي وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»؛ (البخاري).

 

إنه التوجيه لشباب الصحابة رضي الله عنهم وتوجيههم وتربيتهم نحو ما ينفعهم، ويكن لهم نبراسًا في حياتهم، ونورًا يستضيئون به في مسيرهم إلى الله والدار الآخرة.

 

أيها الناس، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يأكل معهم ويعلمهم آداب الطعام، عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: ((كنت غلامًا في حجر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله عليه الصلاة والسلام: «يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»؛ (متفق عليه).

 

أيها الناس، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يهتم بقدرات الشباب، وهواياتهم، وما يحسنون، ويوجههم نحو ما يعود على أمتهم بالخير والنفع العميم. لما قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة، رأى زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو دون الخامسة عشرة وكان يحسن الكتابة، فجعله من كُتَّاب الوحي، وأبصر فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام ذكاء عجيبًا، فطلب منه تعلم لغة اليهود ليترجم له رسائلهم، وحث على تعلم كلام الله تعالى من صغار أصحابه فقال: «خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد -أي: من ابن مسعود- ومعاذ بن جبل، وأُبَيِّ بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة»؛ (متفق عليه).

 

هكذا أثمرت تلك التربية النبوية للشباب، وأصبح شباب الصحابة هم حفظة هذا الدين، وهم روَّاد العلم والمعرفة، وهم صُنَّاع الحضارة الإسلامية، وهم مشاعل الهدى والنور في كل عصر ومصر، وهم حماة الدين والعقيدة، وحملة راية الكتاب والسُّنَّة، وهم مَنْ عَلَّمَ العالمَ العدلَ والتحضُّرَ، والتمدُّنَ، وهم مَنْ نَشَرَ العدلَ، وهم مَنْ دَحَرَ أعداءَ الدين والعقيدة، وطارت بسيرتهم الركبان، وتحَدَّث عنهم الشعراء والكُتَّاب، ودخل هذا الدين إلى المدن والقرى والهضاب والوديان، كل ذلك بفضل الله تعالى، ثم بحسن تربية النبي صلى الله عليه وسلم لشباب الصحابة رضي الله عنهم.

 

أيها الناس، من أراد أن يبني الأجيال، وأن يكون الشباب هم من يتحقَّق على أياديهم -بإذن الله تعالى- النصر والظفر والتمكين، فليسع في تربيتهم التربية النبوية الإسلامية الصحيحة على وفق المنهج الحق الذي ارتضاه الله تعالى، وبه أرسل رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ كتاب الله تعالى والسنة المطهرة، وعلى ما كان عليه الصحابة وأهل القرون المفضلة، عندها ستفرح الأمة بنصر الله {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4، 5]، ويحصل لهذه الأمة التمكين في الأرض {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].

 

أيها الناس، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على من يستحق الثناء؛ لنبوغه وعلمه وفقهه وتميُّزه، سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام قراءة سالم مولى أبي حذيفة -رضي الله عنه- وهو غلام صغير حسن الصوت بالقرآن، فقال: «الحمد لله الذي جعل في أُمَّتي مثل هذا»؛ (ابن ماجه).

 

ورأى من معاذ بن جبل رضي الله عنه فقهًا فقال: «أعْلَمُهم بالحلال والحرام معاذُ بن جبل»؛ (أحمد).

 

وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يدعو لصغار الصحابة رضي الله عنهم بخيري الدنيا والآخرة محبةً لهم وإكرامًا، قال ابن عباس رضي الله عنه: ضَمَّني رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: «اللهم عَلِّمْه الكتاب»؛ (البخاري).

 

وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يستشير صغارهم فيما يخصه من الأمور العظام، ففي حادثة الإفك "أرسل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإسامة بن زيد رضي الله عنه حين تأخَّر الوحي، يستشيرهما"؛ (متفق عليه).

 

وتربيته عليه الصلاة والسلام أثمرت تلك التضحيات من الصحابة رضي الله عنهم، فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، في حادثة الهجرة، وهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه يرسله رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة قبل هجرته، داعيًا إلى الله وهو شابٌّ.

 

أيها الناس، كلما علت أخلاق العظماء تواضعت للصبيان، والصغير مجبول على محبة من دنا منه وعلمه، أما احتقارهم والإعراض عنهم، ذلك لا يوافق شِيَم العقلاء.

 

أيها الناس، هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، أكمل الهدي، وطريقته أكمل الطرق، وسنته هي من الذكر الحكيم، ومعاملته عليه الصلاة والسلام أرفع المعاملة، وصغار اليوم هم أمل الأمة وعمادها، ومن أراد الخير للشباب وللناشئة فليلزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولتكن دراستهم وتعليمهم على وفق المنهج الحق؛ كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

 

فبتربيته عليه الصلاة والسلام لشباب الصحابة رضي الله عنهم، آل إليهم العلم، وانتفعت بهم الأمة.

 

وإذا أراد الله بشخص خيرًا وفَّقه لسُنَّة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، ووفق للعلم النافع والعمل الصالح، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

 

أيها الناس، حافظوا على فلذات أكبادكم، وعلى مهج قلوبكم، أبنائكم وبناتكم، المغريات كثيرة، والشبهات تحاصرهم من كل مكان، والشهوات متنوعة وعديدة، والضعف في التدين حاصل، والتوجيه والنصح قليل من قليل، وأعداء الإسلام والمسلمين من يهود ونصارى، ومنافقين وأهل الشر والضلال، وأهل الأهواء، كل هؤلاء يعملون جاهدين مع الشيطان الرجيم، في إبعاد الشباب عن دينهم وأخلاقهم، وعن عقيدتهم، وعن كتاب ربهم، وعن سنة نبيِّهم عليه الصلاة والسلام، فما أنتم فاعلون.

 

حَصِّنوا أولادكم وبناتكم وشباب أمتكم من الشبهات والشهوات، {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].

 

ألا وصلوا وسلموا.

___________________________________________________
الكاتب: أبو سلمان راجح الحنق

  • 1
  • 0
  • 110
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    الحكومة التركية كما نعرفها! • لم تكتف الحكومة العلمانية في تركيا بحربها لله - عز وجل - من خلال الحكم بشريعة الطاغوت، والمناداة بالديموقراطية، والتبعية لتحالف الدول الصليبية المعروف بحلف الناتو، ومشاركتها في حربه على المسلمين في أفغانستان وغيرها، بل حاولت أن تظهر بمظهر النموذج المقبول من طواغيت الغرب لشكل الحكومات التي تحكم المسلمين، دون أن تحوّل البلاد إلى النموذج الإسلامي الحقيقي الذي لا يمكن أن يقبل به أولياء الشيطان بأي حال. فزادت هذه الحكومة الطاغوتية في كفرها بإعانتها للمرتدين بشتى أصنافهم في حربهم على الدولة الإسلامية، فمنذ الأيام الأولى لتشكيل التحالف الصليبي سارعت هذه الحكومة إلى الانضمام إليه، فأرسلت المساعدات العسكرية إلى الحكومة الرافضية في بغداد، وإلى حكومة "إقليم كردستان" العلمانية، وفتحت قواعدها وأجواءها للطيران الصليبي الأمريكي والأوروبي لقصف الدولة الإسلامية، ثم فتحت أرضها وحدودها لإدخال المقاتلين والسلاح إلى مرتدي الـ PKK في (عين الإسلام) أثناء معاركهم مع الدولة الإسلامية، ودرّبت وسلّحت مرتدي الصحوات في ريف حلب الشمالي، وآزرتهم في معاركهم ضد جيش الخلافة بالقصف الجوي والمدفعي عبر الحدود، ثم مدت يدها لتحاول إعادة تشكيل الصحوات في (نينوى) بالشراكة مع حلفائها من مرتدي كردستان، بل وزادت على ذلك بإطلاق أيادي أجهزتها الأمنية لاعتقال كل من يشكّون بنصرته للخلافة، والتباهي أمام دول الكفر باعتقالهم للمهاجرين بدينهم إلى دار الإسلام، وتسليمهم للكفار، وفتحهم بلادهم أمام أجهزة المخابرات العربية والدولية لتعيث فساداً في الشام، بتجنيدها للعملاء والجواسيس والأدلّاء لطائرات التحالف الصليبي، وتجميع الفصائل المنحرفة في إطار الصحوات، والتخطيط للاختراقات والاغتيالات في سبيل هندسة المشاريع التآمرية التي يراد من ورائها حرف كل القوى العسكرية في الشام وتوجيهها لقتال الدولة الإسلامية. إن حكومة تركيا اليوم تحاول أن تسير على خُطى حكومة باكستان التي دمرت الجهاد في خراسان، وجعلت منه لعبة في أيادي المخابرات الأمريكية والسعودية، وأخضعت كل الفصائل لخدمة المشروع الأمريكي، الذي جمع في النهاية الفصائل التي كانت تسمى "أصولية"، مع الفصائل الرافضية والصوفية التي كانت تسمى "معتدلة"، مع الأحزاب الشيوعية الإلحادية في إطار حكومة موحدة، وذلك بعد قتال استمر لعشر سنين، كانت ضحاياه بالملايين بين قتيل ومعاق ومشرد، كان هدفه المعلن في بدايته إقامة حكومة "إسلامية" في كابول، وما حرب تركيا اليوم على الدولة الإسلامية إلا تكرار لما فعلته حكومة باكستان بالأمس مع المجاهدين والمهاجرين منهم خاصة، بقتلهم واعتقالهم، حرصاً على هندسة الوضع في خراسان كما خُطط له أمريكياً دون أن ينغّص أحد من المجاهدين الصادقين على العملاء بمطالبته بحكم إسلامي جاهدَ من أجله لسنين، ولكن الفرق في الحالتين أن المجاهدين في الشام هذه المرة لديهم دولة وقوة بفضل الله، في حين أن العملاء لا يملكون من أمرهم شيئاً، لذلك رأت الحكومة التركية وحلفاؤها أنه تَعيَّن عليها اليوم القضاء على هذه الدولة الإسلامية، لتتمكن من إعادة الوضع إلى السياق المطلوب للمخطط الدولي لتصفية الجهاد في العراق والشام. إن المشاريع المتنوعة التي تسعى الأطراف المختلفة إلى تطبيقها في العراق والشام سواء كانت تركية أم إيرانية أم روسية، وإن بدت متضاربة متصارعة، لكنها في حقيقتها تؤدي جميعاً إلى نتيجة واحدة هي أن يكون الحكم لغير الله عز وجل، سواء كان الحكم لمرشد الرافضة باسم "ولاية الفقيه"، أو للطاغوت النصيري باسم "الحزب القومي"، أو للشعب باسم "الديموقراطية"، وإن الدولة الإسلامية ستحارب هذه المشاريع كلها بإذن الله وحده. المصدر: صحيفة النبأ – العدد 14 السنة السابعة - الثلاثاء 8 ربيع الآخر 1437 هـ المقال الافتتاحي: الحكومة التركية كما نعرفها!

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً