بشار الأسد: طاغية سوريا الذي أحرقها

منذ 2024-12-12

بشار الأسد أحد أكثر الطغاة دموية في العصر الحديث، تحولت حياته من رئيس يقدم نفسه كقائد شاب منفتح إلى طاغية هارب بعد أن أحال بلده إلى أطلال، فمن هو هذا الرجل الذي دمر الحجر وأذلّ البشر، وأدخل سوريا في دوامة من الحروب والمعاناة؟

وُلِدَ بشار حافظ الأسد في عام 1965م في دمشق، لعائلة علوية تنتمي إلى أقلية هامشية ضمن النسيج الاجتماعي السوري، كان والده، حافظ الأسد، ضابطًا في الجيش السوري صعد إلى السلطة بفضل انقلاب عسكري في عام 1970م، ليصبح رئيسًا قاد سوريا بقبضة حديدية حتى وفاته في عام 2000م، نشأ بشار في ظل هذا النظام القمعي، وسط أسرة كبيرة ضمت إخوته، وكان أبرزهم باسل وماهر، كان باسل هو الأخ الأكبر والابن المفضل ووريث العرش المنتظر، درس الهندسة وكان شغوفًا برياضة الفروسية، حيث أعدّه حافظ الأسد ليكون خليفته في حكم سوريا، بالمقابل بدا بشار وكأنه يعيش حياة بعيدة عن دهاليز السياسة، اختار دراسة الطب في جامعة دمشق وتخصص لاحقًا في طب العيون، قبل أن يسافر إلى لندن لمتابعة دراسته في مستشفى ويسترن، وهناك تعرف على زوجته المستقبلية أسماء الأخرس، التي كانت تدرس علوم الكمبيوتر بجامعة كينغز كوليدج وعملت لاحقًا في المجال المصرفي، والذي كان زواجه منها في المستقبل عاملاً إضافيًا في تشكيل صورة الرئيس الشاب المتحضر.

في يناير 1994م، انقلبت حياة بشار رأسًا على عقب موت باسل في حادث سيارة قرب مطار دمشق، هذا الحادث غيّر مسار العائلة بشكل جذري؛ إذ لم يكن هناك خيار أمام حافظ الأسد سوى إعداد بشار لخلافته، استُدعي بشار على الفور من لندن، بدأ رحلة مكثفة من التأهيل السياسي والعسكري لتولي منصب لا يبدو أنه كان معدًا له، التحق بالأكاديمية العسكرية في حمص وبدأ يظهر بشكل متزايد في المناسبات الرسمية، مما كان إشارة واضحة إلى دوره المستقبلي، ومع وفاة حافظ الأسد في يونيو 2000م، أصبح بشار، الذي لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره آنذاك، رئيسًا لسوريا بعد تعديل دستوري سريع خفّض الحد الأدنى لسنّ الرئيس من 40 إلى 34 عامًا، وهكذا وجد طبيب العيون الذي عاش بعيدًا عن السياسة نفسه فجأة في قمة هرم السلطة، وسط نظام موروث من القمع والاستبداد.

الدكتاتورية المتجددة:

عند توليه السلطة؛ بدا بشار وكأنه يحمل رؤية جديدة لسوريا، إذ أطلق سراح بعض السجناء السياسيين في عام 2001م في محاولة لتقديم نفسه كمصلح، وحاول عبر خطاباته الأولى رسم صورة مغايرة لوالده، مستخدمًا مصطلحات مثل "الشفافية" و"الديمقراطية" و"التحديث"، ما أشاع التفاؤل بين السوريين، وتبنى استراتيجية "الإصلاح الاقتصادي قبل السياسي"، لكن هذا النهج أفاد فقط النخبة الموالية للنظام، مما زاد من الفجوة الاقتصادية وأبقى الغالبية العظمى من الشعب في فقر مدقع، ولكن هذه الصورة سرعان ما بدأت بالتلاشي مع استمرار هيمنة الأجهزة الأمنية القمعية التي ورثها عن والده، واستمرارها في سياسات القمع المتمثلة في اعتقالات جديدة وحملات أمنية واسعة جعلت من الإصلاحات المزعومة واجهة زائفة، ومع الوقت لم يستطع إخفاء تمسكه بسياسات والده القمعية، حيث أكد أن سحق المعارضين في الثمانينيات كان قرارًا "صائبًا".

تزامن صعود بشار إلى السلطة مع تحولات كبرى على الساحة الدولية والإقليمية، كان العالم يعيش تبعات هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفي سياق محاولاته للظهور كرئيس إصلاحي على الساحة الدولية.

التقى بشار برئيس الوزراء البريطاني توني بلير في عام 2001م، بدت هذه اللقاءات كجزء من حملة علاقات عامة تهدف لإعادة تشكيل صورة سوريا عالميًا، في الواقع كانت سوريا تنزلق ببطء نحو مأساة جديدة تحت حكم بشار، استمرت القبضة الأمنية، وبدلاً من إصلاح النظام، تم تعزيز دور النخبة المقربة منه، ما أدى إلى تفاقم معاناة الشعب السوري، وهكذا تحول الطبيب الذي بدا يومًا بعيدًا عن السياسة إلى رئيس مستبد، يمهد الطريق لحقبة جديدة من القمع والدمار.

 

لعبت إيران دورًا محوريًا في دعم الأسد، حيث أرسلت ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات، أبرزها حزب الله اللبناني، للقتال إلى جانب قوات النظام، وقدمت إيران الدعم المالي واللوجستي والعسكري

الثورة السورية:

في مارس 2011م، بدأت شرارة الثورة السورية في مدينة درعا بجنوب البلاد، حيث اعتقلت قوات الأمن مجموعة من الأطفال الذين كتبوا شعارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم، كانت هذه الحادثة كافية لإشعال غضب شعبي واسع النطاق، حيث خرجت مظاهرات سلمية تطالب بالإصلاحات السياسية، ورفع القبضة الأمنية عن البلاد، وإرساء الحريات الأساسية، سرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى حركة شاملة ضد نظام الأسد، رد النظام السوري على المظاهرات السلمية بالقوة المفرطة، فأطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية على المتظاهرين، وفرضت حصارًا خانقًا على المدن التي شهدت احتجاجات واسعة، ظهرت ميليشيات الشبيحة المرتبطة بالنظام كأداة لترهيب المدنيين، حيث قامت بعمليات نهب وقتل واعتقال عشوائي، ومع تصاعد العنف تحولت الاحتجاجات إلى ثورة شاملة، ودخلت البلاد في دوامة من الصراع المسلح.

مع تطور الصراع، لجأ النظام إلى استخدام أسلحة محظورة دوليًا لترويع المعارضة وكسر إرادة الشعب، ففي أغسطس 2013م وقع الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية، حيث استخدم غاز السارين ضد المدنيين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1400 شخص، بينهم عدد كبير من الأطفال، وقد أثار هذا الهجوم غضبًا دوليًا واسع النطاق، إلا أن الردود الفعلية اقتصرت على إدانات شفهية، دون أي إجراءات عقابية حقيقية ضد النظام، وأدى ذلك إلى تعزيز شعور الأسد بالحصانة، واستمرار سياساته القمعية.

تحالفات شيطانية:

سرعان ما تحول الصراع السوري سريعًا إلى أزمة دولية متعددة الأطراف، كان عام 2015 نقطة تحول حاسمة في الحرب السورية، حيث دعمت روسيا وإيران النظام السوري عسكريًا واقتصاديًا، وقدمت روسيا الدعم الجوي والمستشارين العسكريين، ونفذت القوات الروسية حملات جوية مكثفة ركزت على مواقع المعارضة المسلحة، متذرعة بمحاربة الإرهاب، لكنها استهدفت أيضًا البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والأسواق، مما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين.

بالتزامن مع التدخل الروسي، لعبت إيران دورًا محوريًا في دعم الأسد، حيث أرسلت ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات، أبرزها حزب الله اللبناني، للقتال إلى جانب قوات النظام، وقدمت إيران الدعم المالي واللوجستي والعسكري، وساهمت في إعادة هيكلة قوات الأسد عبر إنشاء ميليشيات موالية تُعرف باسم "الدفاع الوطني"، وكان الهدف من هذا التدخل هو حماية المصالح الإيرانية في سوريا، والتي تُعد جزءًا أساسيًا مما يُعرف بمحور "المقاومة" الممتد من طهران إلى جنوب لبنان.

رغم نجاح هذه التحالفات في تثبيت أركان حكم الأسد، إلا أن سوريا أصبحت ساحة صراع دولي، حيث تقاسمت القوى الخارجية النفوذ في البلاد. تحول النظام إلى كيان يعتمد بشكل كبير على روسيا وإيران، فاقدًا القدرة على اتخاذ قراراته السيادية بشكل مستقل. وبذلك، أصبح التدخل الخارجي ليس فقط عاملًا في بقاء الأسد، بل أيضًا عاملًا رئيسيًا في تعميق معاناة الشعب السوري وإطالة أمد الصراع.

تغيّر السردية:

على الجانب الآخر؛ تلقت المعارضة السورية دعمًا متقطعًا وغير كافٍ من دول إقليمية وغربية، مما جعل ميزان القوى يميل بشكل واضح لصالح الأسد وحلفائه، كانت تركيا واحدة من أبرز الدول التي قدمت دعمًا للمعارضة، حيث وفرت لها ملاذات آمنة على أراضيها، ودعمتها بالسلاح والتمويل والتدريب، كما ساهمت بعض الدول العربية في تقديم الدعم المالي واللوجستي للفصائل المعارضة، بهدف التصدي للنفوذ الإيراني في سوريا. ورغم هذا الدعم فقد افتقرت المعارضة إلى التنسيق الموحد والقيادة المتماسكة، ما أضعف قدرتها على استغلال الموارد المتاحة، وعلى الصعيد الغربي قدمت الولايات المتحدة دعمًا محدودًا لبعض الفصائل المعارضة، عبر برامج تدريب وتسليح، لكن هذه الجهود كانت خاضعة لتحفظات سياسية وشروط مشددة، ما حد من فعاليتها، وفي الوقت نفسه أبدت دول أوروبية حذرًا في التدخل المباشر، مكتفية بالدعم الإنساني والضغط الدبلوماسي.

كل هذه العوامل جعلت الكفة تميل لصالح النظام المدعوم من روسيا وإيران، حيث استفاد الأسد من الانقسام داخل المعارضة، وغياب الدعم الدولي القوي لها، ليستعيد السيطرة على معظم الأراضي السورية حيث أصبح النظام وحلفاؤه أكثر تنسيقًا وتنظيمًا، فيما ظلت المعارضة تعاني من افتقارها إلى الاستراتيجية الموحدة، ومع ظهور تنظيم (داعش) وسيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراقز

 تمكن الأسد من تغيير السردية الدولية بشأن الصراع، وقدم نفسه كمحارب للإرهاب وحامي للاستقرار في وجه الجماعات المتطرفة، استغل النظام هذا الموقف لتحييد الضغوط الدولية، خاصة من الدول الغربية، التي وجدت نفسها مضطرة للتركيز على محاربة داعش بدلًا من الضغط للإطاحة بالأسد، وقد ساهم هذا التحول في منح النظام مساحة للتنفس وإعادة ترتيب صفوفه، وبدعم جوي روسي وهجمات برية تقودها الميليشيات الإيرانية، وتمكن النظام السوري من استعادة مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة المعارضة، مثل حلب في عام 2016م والغوطة الشرقية في عام 2018م، وكانت هذه الانتصارات مصحوبة بسياسات الأرض المحروقة، حيث دُمرت مدن بأكملها وشُرد سكانها، ما أدى إلى تغييرات ديمغرافية واسعة النطاق في المناطق التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها.

سقوط القناع:

منذ أن سيطرت عائلة الأسد على الحكم في سوريا عام 1970م، أصبحت رمزًا للدكتاتورية والقمع، بدأ هذا الإرث مع حافظ الأسد الذي أسس لدولة بوليسية شاملة، ومع انتقال السلطة إلى بشار تطورت أساليب القمع لتصبح أكثر وحشية، حيث استعان بأدوات حديثة في المراقبة والاعتقال والتعذيب، إلى جانب استخدام الأسلحة المحظورة دوليًا، وبينما كانت سوريا تغرق في الفوضى والدماء، كانت عائلة الأسد تعيش حياة مترفة، إذ كشفت تسريبات "ويكيليكس" عن تفاصيل مذهلة حول نمط حياة العائلة الأسدية، حيث أنفقت أسماء الأخرس، زوجة بشار، مبالغ طائلة على شراء المجوهرات الفاخرة والأثاث الباهظ، متجاهلة معاناة ملايين السوريين الذين شُردوا أو فقدوا أحبائهم، كما أكدت هذه التسريبات تورط بشار شخصيًا في توجيه سياسات القمع الوحشي، مما يسلط الضوء على دوره المباشر في تكريس نظام مستبد على حساب شعبه.

مع اشتداد الضغط العسكري والسياسي على نظامه، ومع التقدم المفاجئ الذي حققته فصائل المعارضة في الأسابيع الأخيرة من حكمه، اضطر بشار إلى ترك السلطة في مشهد درامي، وطلب اللجوء إلى روسيا، حيث استقبلته موسكو هو وعائلته، لتبدأ حياة في المنفى بعيدًا عن البلاد التي حكمها بقبضة من حديد لأكثر من عقدين، وحرب أهلية تعد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، حيث تسبب الصراع في تمزيق سوريا ومقتل أكثر من 500 ألف شخص، وتشريد نحو نصف سكان البلاد، بين لاجئين في الخارج ونازحين في الداخل، وتعرضت البنية التحتية للدمار الكامل، وتعمقت الانقسامات الاجتماعية والطائفية، وانهار الاقتصاد، وفقد ملايين السوريين سبل عيشهم، فيما ظل المجتمع الدولي عاجزًا عن وضع حد لهذه المأساة.

سيبقى إرث الأسد درسًا تاريخيًا قاسيًا حول استغلال السلطة والقمع لتحقيق البقاء، وكيف يمكن أن يؤدي غياب العدالة والحكم الرشيد إلى تدمير وطن بأكمله.

____________________________________________
الكاتب: 
 أحمد مصطفى الغر

  • 8
  • 0
  • 553
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سوريا الحرة وسوريا الأسد! • هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه الفصائل في "سوريا الحرة؟" إن قلتَ الشريعة، فأنتَ لا تعرف الثورة! أو لا تعرف الشريعة! وإن قلت "مجلس انتقالي" و "دستور وطني"، فمع من كانت مشكلة "الثوار" إذن؟ مع عائلة الأسد؟! في السياسة البغيضة لا يمكن فهم الأحداث خارج نطاقها الزماني والمكاني، والتصعيد الأخير من قبل الصحوات، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه الزماني بعد "اتفاق لبنان" وتولد رغبة دولية بإخراج إيران من المشهد السوري، وكذلك بعد تعثر الحوار السياسي بين الأسد وأتاتورغان، ما دفع الأخير إلى مخاطبة الأسد وحلفائه من خلف لثام الفصائل وبياناتهم السياسية، وعبر فوّهات بنادقهم المأجورة. كما لا يمكن فهم هذا التصعيد بمعزل عن سياقه المكاني ممثلا بالشمال السوري الذي تريد تركيا اقتطاع جزء منه منطقة عازلة تحمي حدودها وتمكنها من إعادة النازحين إليها. معلوم أن "التحالف الدولي" الذي تديره أمريكا، تشارك فيه تركيا كبيدق رئيس، وتدير بدورها بيادق أصغر، تتنافس فيما بينها في كسب رضا الراعي الدولي أو المشغل الإقليمي، ويحاول كل بيدق أن يقدّم نفسه فاتحا "محررا" للسوريين، وسياسيا "متحررا" للداعمين. إنها حرب بالوكالة بين "البيادق التركية" التي تحرك تركيا بعضها، وتغض الطرف عن بعضها، وبين "الأذرع الإيرانية" لتحصيل مكتسبات أفضل على طاولة "أستانا" أو "الدوحة" أو أي طاولة ترسم خارطة "سوريا المستقبل". "سوريا المستقبل" أو "الحرة" التي تسعى الصحوات إليها، سبق أن جلاها قادة الدولة الإسلامية في خطاباتهم قبل سنوات طويلة، واليوم تظهر معالمها الجاهلية واضحة في بيانات الهيئات المرتدة التي طغت عليها لغة الطمأنة للنظام الدولي، و "التعايش" مع "الأقليات" الوثنية والباطنية كالعلوية والإسماعيلية والإيزيدية!، ناهيك عن النصرانية، بل ذهبت هيئات الردة أبعد من ذلك عندما خاطبت روسيا الصليبية بصفتها "شريكا محتملا في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة!" وخاطبت الحكومة العراقية الرافضية بلغة "التفاهم والتعاون الأخوي!". إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى. بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها. ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين). ◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472 الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سوريا الحرة وسوريا الأسد! • إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى. بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها. ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين). ولكن فليسمع جنودها وأنصارها قبل خصومها وأعدائها، إنه والله لا يضير دولتكم مدحها أو ذمها فقد استويا عندها، ولم تطلب يوما لقاء جهادها جزاء أو شكورا من أحد، ولئن كانت سجلات الأرض قد ظلمتها وجحدتها فإن سجلات الملك العدل سبحانه لا تفعل، وغدا كله تلقاه في كتاب لا يضل ولا ينسى. ولا ينقصها شهادة من أحد، وهذه ميادين الملاحم ما زالت قائمة وسيوفها ما زالت مشرعة، ولئن قاتل هؤلاء اليوم تثبيتا وتحسينا لاتفاقيات الطواغيت، فإن الدولة لن توقف قتالها أصلا، ولم ترهن قرارها لأحد، ولئن قاتلوا استجابة لأوامر الداعمين ومصالح الراعين لأنهم خالفوا مشاريعهم ومصالحهم جميعا، فإن الدولة قاتلت استجابة لأوامر الحق سبحانه وتحقيقا لمصالح المسلمين، ولئن طبقوا مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها الكافرة في حربهم وسلمهم فإنها طبقت أوامر الخالق سبحانه في حربها وسلمها، ولم تخرج عن ميثاق النبوة ولا ميراثها. ولئن قاتل هؤلاء من خلال "الإستانة" و"سوتشي" وحدودها، فلم تقاتل إلا في ظلال الشريعة وحدودها، ولئن قاتلوا تماشيا مع المصالح الدولية والإقليمية، فلم تقاتل إلا مخالفة لها، فكانت دولتنا خلاف ما يحبون، تراغمهم وتغيظهم وما زالت ستبقى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. وقد عابوا عليها قديما أنها لم تحيّد عدوا، ولو استطاعت لفعلت، ولكنها حرب مفاصلة رموها فيها عن قوس واحدة، لأنها خالفت مشاريعهم ومصالحهم جميعا، وهذا كان اعترافا من حيث لا يشعرون أن دولة الإسلام لم توافق رغبة أحد ولم تقاتل لمصلحة أحد ولم تكن في جيب أحد. وهذه همسة إيمانية تربوية منهجية، إن الشام ستبقى بين الفتن والملحمة، وهذان السياقان لا يمكن الفصل بينهما، وهو ما يحتم على المسلم أن يصحح عقيدته لتقوى ويعزّز إيمانه ليثبته، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. ◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472 الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    تدجين وتجنيد! لم تعد هناك حاجة مُلحة إلى تجنيد ميليشيات جديدة لحرب المجاهدين، فقد وصلت أساليب "مكافحة الإرهاب" إلى مرحلة متقدمة يتم فيها احتواء وتدجين "جهاديين سابقين" للقيام بالمهمة، بما يضمن مصالح النظام الدولي الكفري، ويشبع رغبة المفتونين بالحكم، رأينا ذلك في نسخ عديدة أبرزها "حكومة طالبان" وأحدثها "حكومة الإنقاذ" وكلاهما دخل القصور الرئاسية بموافقة الجهات المعنية. وكنا طرحنا قبل سنوات أن سبب عدم سقوط النظام النصيري "رسميا" رغم سقوطه "فعليا"، هو "غياب البديل"! لأن البديل كان آنذاك إما الدولة الإسلامية، أو الفوضى العارمة التي تهدد أيضا حدود اليهود، ولذلك حالت الجهود "الأمريكية اليهودية الروسية الإيرانية" مجتمعة دون إسقاطه، لكن يبدو أنه خلال هذه السنوات وعبر "إستراتيجية التدجين"، تم إنضاج البديل على نار هادئة بعد أن صنع من مقره في "إدلب" نسخة مصغرة لشكل "سوريا المستقبل" وصدّر صورة مقبولة دولية لنظام وطني "غليظ" مع الأكثرية المؤمنة "رقيق" مع "الأقلية" الكافرة. تدجين وترويض هذه الهيئات يتم عبر مسارات طويلة في أقبية مراكز الدراسات والاستخبارات، تمر بعمليات فحص واختبارات عديدة للتأكد من مدى جدية وتفاني هذه الهيئات في محاربة الجهاد وهدم العقيدة!، وتستمر في ذلك السقوط حتى تصل إلى "مرحلة نضج" تمكّنها من استلام التكاليف الحكومية الأمنية أو الإدارية، كما رأينا مؤخرا في سوريا ومن قبل في أفغانستان. وبناء عليه، توالت تصريحات مسؤولين يهود وأمريكيين وروس وإيرانيين وغيرهم حول "فتح قنوات اتصال" مباشرة وغير مباشرة مع "المعارضة السورية!" بعد تسلّمها الحكم خلفا للنظام النصيري، هذه الاتصالات لم تكن وليدة اللحظة الثورية، فلم يستيقظ قادة هذه الدول على أخبار سقوط المدن والبلدات بسرعة الآليات! ليقولوا يا للهول!، لقد سقط الأسد! علينا أن نتصل بقادة المعارضة الآن! وأن ننسق معهم قبل فوات الأوان! ليس هذا ما حدث، إن ما حدث عملية إبدال مدروسة للنظام النصيري بنظام جديد يحارب الشرع بـ"الشرع!". أما عن أسباب إذعان الحركات الجهادية إلى هذا المسار الجاهلي، ولماذا تنكث غزلها وتنقلب على أعقابها؟! فالأسباب والتفسيرات كثيرة طويلة طول مسارات الحرب على الجهاد التي ترعاها قوى الكفر، لكن لعل أبرزها: وصول هؤلاء "الجهاديين المدجنين" إلى نتيجة حاسمة أنه لا جدوى من سلوك سبيل الجهاد في إحداث التغيير المنشود، لأنهم سيصطدمون بكل قوى الكفر العالمي وسيدفعون أثمانا كبيرة لم تطقها قلوبهم المريضة ولا نفوسهم المروّضة فيجنحون إلى مداهنة ومسايرة الجاهلية الدولية بدلا من مصادمتها ومفاصلتها، وصارت تلك عندهم حنكة ونضجا بعد أن كانت ردة وخيانة ونكوصا. ولذلك بعد 13 عاما من "الجهاد الثوري" في الشام، أصبح الولاء والبراء "طائفية" وفُسّرت الثورة بأنها "قتال اضطراري" ضد "أسرة حاكمة" متسلطة رفضت الحوار وتقاسم السلطة! وليست حربا دينية ضد نظام نصيري كافر حتى بدون "صيدانيا" ومشتقاته، ولذلك خلت خطابات "مهووس السُّلطة واللَّقطة" من وصف النظام بــ"النصيري" خشية أن تُحسب عليه! وهو ما لا يقبله رعاة النظام الجديد ولا دستورهم الجاهلي المزمع تفصيله قريبا ليناسب مقاس "سوريا المستقبل" مع قرب أفول حدود "سايكس - بيكو" وبروز حدود "نتنياهو - ترامب". ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 473 الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ مقال: تدجين وتجنيد!
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    تدجين وتجنيد! وفي سياق النضج الجاهلي لم يغب عن هؤلاء الوطنيين وهم يشرحون معالم "سوريا المستقبل" أن يُظهروا تمايزهم عن الدولة الإسلامية مع أن هذا التمايز لا تخطئه العين، لكنهم حريصون على تذكير المعنيين بأنهم على منهاج النظام الدولي ومواثيقه الجاهلية! وليسوا بحال على منهاج النبوة الذي يكلفهم الكثير. على النقيض تماما، من سلوك دول الكفر المتلائم مع "الجهاديين المدجنين"؛ تقاطرت نفس هذه الدول الكافرة على إعلان خشيتها وتكرار تحذيراتها من استغلال الدولة الإسلامية للأحداث الجارية، وفي هذا السياق نفسّر سلسلة الغارات الكثيفة التي شنها التحالف الصليبي على مواقع الدولة الإسلامية في "وسط سوريا" قبيل الحدث بأسابيع قليلة، ثم كررها تزامنا مع الحدث رغم بعد "الوسط" عن حدود دويلة يهود. ولأن التحليلات تصيب وتخطىء، ولأن التقلبات والمتغيرات السياسية لا تهدأ؛ فإن من سياسة (النبأ) ربط المسلمين بالعقائد والمناهج فإنها لا تتبدل بمرور الأيام ولا بتغير الأحداث لأن ميزان الشرع ثابت، خلافا لسياسة الحركات والأحزاب الجاهلية ومناهجها المتغيرة. في البعد الإيماني للحدث، ظهر تدبير اللطيف الخبير وحكمته البالغة في دفع هؤلاء الشركاء المتشاكسين بعضهم ببعض، ما نتج عنه فكاك أسارى المسلمين بعد سنوات طويلة من التعذيب في سجون "الأقلية" النصيرية، وإن كانت الصورة التي جرى عليها الحال، لم تحقق للمسلمين شفاء وثأرا تاما من أئمة الكفر وجزاري النظام النصيري، لحكمة قدرها الله تعالى، ولعل شفاء صدور المؤمنين والمؤمنات واكتمال فصول ثأرهم يكون على أيدي الأُسد الغضاب الذين يعاقبون المعتدي بأحكام الشريعة لا أحكام الدستور، فلا تأخذهم في الله لومة لائم سلفهم محمد ﷺ وصحبه {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. في السياق المنهجي، أظهرت الأحداث الأخيرة مجددا تشوّه مفهوم "التحرير" عند العامة والخاصة، فيوم سقطت المناطق في أيدي المليشيات الكردية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي النصيرية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي الصحوات التركية أو الأمريكية قالوا تحررت! والقاسم المشترك بين هذه الحالات المتباينة هو انحياز الدولة الإسلامية منها بعد أن حكمتها بالشريعة الإسلامية، فهل "التحرر" عند هؤلاء هو التحرر من حكم الإسلام؟! إن التحرير يعني أن يعلو المكان والإنسان أحكام الشريعة الإسلامية، فتحكم المسلم في أقواله وأفعاله، بل حتى في حبه وبغضه وموالاته ومعاداته، وبالنظر إلى واقع الشام، فلا شك أن التحرير بمفهومه الشرعي ما يزال مفقودا. وعليه، فمن كان خلافه مع الأسد وعائلته وحاشيته وصورته وتمثاله، فقد انتهت ثورته، ومن كان خلافه مع نظام مرتد يقوم على تعطيل الشريعة والاحتكام للمجالس الانتخابية والدساتير الكفرية وحماية المراقد الوثنية وموالاة الكافرين دولا وأقليات، بحجة "العلاقات الدولية" و"التنسيق الوطني"، فإن المشكلة ما زالت قائمة، بل ستتفاقم، ولذلك سيتواصل الجهاد على ثرى الشام لأن غايته سيادة الشريعة ونبذ الشرك، أما الثورة فتتوقف عند حدود صناديق الاقتراع؛ {وَمَنْ كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 473 الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ مقال: تدجين وتجنيد!
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    قتال أمريكا.. قضية شرعية أوَّلاً • إن التوحيد يقوم على ركني عبادة الله وحده والكفر بالطاغوت، وبدون تحقيق هذين الركنين معاً لا يمكن تحقيق التوحيد، فمهما زاد العبد من عبادته لله فإنّه مطالب بالكفر بالطواغيت والبراءة منها هي وأوليائها، ومهما بلغت درجة عدائه للطواغيت فإنه لا يحقق التوحيد إلا بعبادة الله وحده، ولا يكتفى منه بإعلان البراءة من طواغيت دون آخر، وإنما بالكفر بها جميعا لأن الطاغوت الذي أمر الله باجتنابه في قوله {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} هو اسم لجنس، فالأمر باجتناب كل ما حمل صفة الطغيان بأن يجعل نفسه ندّا لله في صفة من صفاته أو حق من حقوقه، كتعبيد الناس له بأن يدعوهم إلى طاعته من دون الله أو يفرض عليهم ذلك، أو يعبّدهم لأي نوع من الطواغيت، كدعوة الناس إليها، أو الدفاع عنها، أو الرضى بصرف أي نوع من العبادات له. فكل ما وقع عليه وصف الطاغوت وجب على المسلم اجتنابه، والكفر به، ومعاداته، وتكفير من يعبده، والبراءة منهم، ومعاداتهم، وقتالهم، حتى يتوبوا من شركهم ويخلصوا العبادة لله العزيز الحميد. ولا يصح تخصيص نوع من الطواغيت بالكفر به دون آخر، أو صنف من المشركين بالبراءة دون آخر، وإن كان الأولى في قتالهم أن يبدأ المسلم بقتال الأقرب إليه منهم، ثم الذين يلونهم، فالذين يلونهم، إلى أن يشمل القتال كل المشركين في الأرض، قال تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ}، وهكذا كان منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتال المشركين في جزيرة العرب، وهي طريقة أصحابه من بعده، فبعد أن أنفذ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إرسال بعث أسامة بن زيد لقتال الروم، تفرغ والمسلمون معه لقتال من ارتد عن دين الله من قبائل العرب لسنوات، مؤجلا قتال المشركين من الفرس والروم حتى أعاد كل جزيرة العرب إلى الإسلام، ولم يُذكر أن صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- حاولوا الاستفادة من عصبية المرتدين من العرب وكرههم للروم في حشد القبائل لقتالهم تحت لواء جيش أسامة بن زيد، والسكوت في سبيل ذلك عن تكفيرهم. ولكن ما نراه في زماننا هذا الذي سيطرت فيه أمم الشرك على الأرض كلها باستثناء الأراضي الواقعة تحت سلطان الخلافة، ظهور دين جديد يقدم قتال بعض المشركين على توحيد الله عز وجل، ويقول بأسلمة طوائف من المشركين لتبرير عدم قتالهم، بل والتحالف معهم، وموالاتهم ضد المسلمين، وذلك بزعم عدم الانشغال بمقاتلتهم عن قتال رأس الكفر أمريكا، حتى بات في أذهان الكثيرين من هؤلاء أن دين الإسلام ينحصر في مقاتلة أمريكا، وأن القرب والبعد عن الإسلام يقاس بمقدار العداء لأمريكا لا بمقدار موافقة الشريعة، وأن الولاء يكون على أساس العداء لأمريكا، لا على أساس تحقيق التوحيد، حتى لكأن الدين عند هؤلاء صار الكفر بأمريكا دون سائر الطواغيت، ودون تحقيق التوحيد. إن العداء لأمريكا وقتالها، ينطبق عليه ما ينطبق على سائر أفعال العباد، فلا بد أن ينبع من الشريعة ويستقي منها أحكامه، وإلا فإن أكثر من يعادي أمريكا اليوم يزعم أن قتاله لها جهاد في سبيل الله، وبدون أن يعرف حكم الشريعة في جهاد أمريكا، فإن قتاله لها قد يتحول إلى محض قتال جاهلي، على عصبية أو على منفعة دنيوية محضة لا أكثر. فأمريكا اليوم طاغوت يُعبد من دون الله، من حيث أنها حكومة كافرة تحكم شعبها بغير ما أنزل الله، وتدين بدين الديموقراطية الشركي، وتحارب الله تعالى في حكمه باستباحة كل المحرمات، من الكفر بالله بدعوى الحرية إلى الزنا واللواط والخمر والميسر والربا وغيرها، وهي رأس الطواغيت في العالم، من حيث فرضها للأحكام الشركية على العالم كله، سواء باسم ميثاق الأمم المتحدة الشركي، أو بنصبها للطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله، ودعمهم وتمويلهم وتسليحهم في حربهم على الإسلام والمسلمين، والدفاع عنهم وعن شرائع الشرك إذا ما خرج المسلمون عليها، ومن هذا المنطلق يكون جهاد هذا الطاغوت، وبهذا المنطلق يفترق أولياء الرحمن عن سواهم في قتالهم لأمريكا، بأن يكون القتال لإزالة هذا الطاغوت لإقامة حكم الإسلام مكانه، سواء داخل أمريكا ذاتها أو في العالم الذي تحكمه بجبروتها وطغيانها. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 23 السنة السابعة - الثلاثاء 12 جمادى الآخرة 1437 هـ مقتطف من مقال: قتال أمريكا.. قضية شرعية أوَّلاً

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً