دور المسجد في التربية

منذ 2024-12-19

إن المسجد في الواقع هو امتداد طبيعي لبيت الأسرة، وهو رأس المؤسسات التربوية والاجتماعية وأقدمها

 

إن المسجد في الواقع هو امتداد طبيعي لبيت الأسرة، وهو رأس المؤسسات التربوية والاجتماعية وأقدمها؛ لذلك كان أول ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة أن بنى المسجد؛ فهو الذي يوحد صفوف المسلمين في إطار أخوي اجتماعي واحد، يستطيع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهَ وتوحيدَ العمل التربوي للجماعة الناشئة، وباتحاد مصدر المعرفة والتلقي تصبح العملية التربوية أسهل كثيرًا، وأكثر فاعلية، وهذا ما حدث بالفعل مع جيل الصحابة رضي الله عنهم، والمتتبع لنشأة المساجد في دولة الإسلام يجد أن المسجد قد تولى أمر العملية التربوية لمدة تصل لأكثر من ثلاثة قرون، حتى ظهرت الحاجة لإنشاء مدارس تستوعب الأعداد الكبيرة للدارسين.

 

إن المسجد يمكن أن يؤدي دوره الريادي مرة أخرى في حياة المسلمين، وتربية الأبناء روحيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا إذا عادت للمسجد أهميته مرة أخرى، ومكانته في قلوب الناس، فلا ننسى دور الحرمين الشريفين في إخراج العلماء الأفذاذ الذين أثروا الحياة الإنسانية بشتى أنواع المعارف، ودور الجامع الأموي، وجامع المنصور ببغداد، وغير ذلك كثير، وعلى هذا فالدور التربوي للمسجد يمكن تقسيمه إلى عدة أقسام:

1- التربية الإيمانية.

2- التربية الأخلاقية.

3- التربية النفسية.

4- التربية العقلية (علمية/ عملية).

5- التربية الاجتماعية.

♦  ♦  ♦

 

(1) دور المسجد في التربية الإيمانية:

هذا هو الدور الأكبر للمسجد، وميدان التطبيق العملي لدور الأب والأم في البناء الإيماني للولد؛ فالمسجد هو مكان أداء الصلوات التي هي أساس الدين وعموده، وفيه يتعلم الولد كيفية الإخلاص لله عز وجل، ومناجاته عز وجل، يتعلم كيفية التوحيد وتطبيقه العملي بالإخلاص والخشوع لله، ويتعلم في المسجد حفظ كتاب الله تبارك وتعالى، ومنذ قديم الأزل -وحتى وقتنا الحالي- يعد المسجد هو أفضل مكان لتلقي العلوم الدينية: بدءًا من حفظ القرآن، والسنة، وعلوم الشريعة، يرى الولد فيها الراشدين وهم يقومون بالصلاة والذكر والاعتكاف والدعاء؛ فيخشع قلبه، وتهتز جوارحه لهذه البقعة الطاهرة، ويرتبط قلبه بالمسجد كمكان لتطهير النفس، والقرب من الله.

 

(2) دور المسجد في التربية الأخلاقية:

إن للمسجد حرمة وصيانة عن كل ما يؤذي الناس والمصلين من اللغو الباطل والمشاحنات؛ فالمسجد قد خصص للعبادة والذكر والتعلم، فلا يصلح لمنازعات الدنيا، ومدافعات الأهواء والأغراض؛ لذلك كانت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تحض على احترام المسجد وقدسيته؛ ليقوم المسجد بدوره الغير مباشر في تهذيب أخلاق الناس؛ ففي الحديث: « (من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا)» [1] وفي الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، أو ينشد فيه شعر[2]، وكذلك يحرم الكلام فيها بصوت عال يشوش على المصلين والقراء، وفي الحديث: « (ألا إن كلكم مناجٍ ربه؛ فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة)» [3]؛ فجملة الأخلاق المذمومة عرفًا -وإن لم تكن مذمومة شرعًا- خارج المسجد؛ فداخله مذمومة شرعًا وعرفًا، فالطفل يرى في المسجد الجميع يتصف بالأخلاق الطيبة، والهدوء والسكينة، كما أن دروس العلم وخطب الجمعة تعلم الأطفال مكارم الأخلاق، والاحترام لأهل العلم، وكون الطفل يعلم أن الملائكة يأتون إلى المساجد يجعل قلب الطفل ساكنًا هادئًا، مطمئنًا تجاه المسجد وأهله.

 

(3) دور المسجد في التربية النفسية:

إن قلب الصبي الصغير جوهرة نقية صافية، وفطرته بيضاء: لا دخل فيها ولا لوث، نفسه على أصل خلقها تتوق للحق وللراحة الوجدانية، وأكثر الأماكن التي تحقق الراحة النفسية والصفاء الروحي مساجد الله؛ حيث الهدوء والسكينة والرحمة، وملائكة الله عز وجل التي تحف مجالس الذكر.

 

وللمسجد تأثير عجيب في قلب المسلم: يدخله وهو مثقل بالهموم والأحزان ومشاغل الدنيا، فما إن يقف بين يدي الله عز وجل خاشعًا متذللًا حتى ينسى كل ذلك، ويتذكر عظمة الله عز وجل، وأصل العلاج النفسي الخشوع لله عز وجل أثناء الصلاة، وعندما يرى الصبي هذا الجو الروحي يحدث له السكون النفسي بطريق الإيحاء مما يراه، ولعل السبب الرئيس في عدم تأثر الأطفال بجو المساجد في هذه الأيام هو رفع الخشوع من المصلين؛ قال عبادة بن الصامت: لو شئت لأخبرتك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع: يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه خاشعًا[4].

 

(4) دور المسجد في التربية العقلية (العلمية):

المسجد هو روضة العلم والتعلم بدءًا من كتاب الله عز وجل إلى سائر العلوم الشرعية، حتى العلوم الدنيوية، ولقد كان المسجد هو المسؤول عن تخريج وإعداد الأعلام في كل المجالات، حتى القرن الخامس الهجري، ولعل تحفيظ القرآن في المسجد أساس إتقان سائر العلوم الأخرى، يقول العبدري في كتابه المدخل: (أفضل مواضع التدريس هو المسجد)[5]، كذلك في المسجد يتعرف الفتى على أحوال العالم الإسلامي: ما يحدث لإخوانه في شتى بقاع الأرض، وكيف يكيد أعداء الإسلام له، فالطفل يجد في المسجد الجامعة الكبيرة والملاذ الآمن لعقله وفكره ووجدانه.

 

(5) دور المسجد في التربية الاجتماعية:

إن المسجد له خاصية فريدة تميزه عن سائر المؤسسات الاجتماعية في جانب التربية الاجتماعية؛ حيث إن له خاصية التجمع اليومي لشتى طبقات المسلمين خمس مرات في اليوم الواحد؛ فالمسجد حقًّا موسوعة اجتماعية من الطراز الأول؛ حيث يتعرف الطفل فيه على جيرانه، ونظرائه في السن من أهل الحي والمناطق المجاورة، ويتعود الطفل فيه على الاختلاط برفقة صالحة طيبة، حيث لا يحافظ على الصلاة إلا تقي صالح؛ فيجتمع للمسجد جانب التجمع والانتقاء في آن واحد، هذا لا يوجد في أية مؤسسة تربوية أخرى، ولقد كان المسجد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مكانًا لإيواء الفقراء والغرباء -وهم أهل الصفة- ومكانًا لعلاج جرحى الحروب، وتوزع فيه أموال الصدقات والزكاة.. فللمسجد دور فعال ومتواصل في تربية النشء على الاجتماع والتواد والتراحم والتلاحم في نسيج واحد.

 


[1] "مسلم" المساجد (568).

[2] "أبو داود" الصلاة (1079).

[3] "أبو داود" الصلاة (1332)، "أحمد" (1468).

[4] "الترمذي" العلم (2653).

[5] "أصول الفكر التربوي" لعباس محجوب ص (271).

  • 1
  • 0
  • 102
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    صيدنايا والنفاق العالمي يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ المعتقدات، وصبغة "دجلية" تصبغ سلوك الأفراد والجماعات، ومن ذلك حالة الدجل والنفاق العالمي التي طغت على وسائل الإعلام في قضية سجن صيدنايا، الذي أدارته "الأقلية" النصيرية العلوية الكافرة لعقود، عذبت وقتلت فيه آلاف المسلمين. على مسرح الأحداث، وبغير سابق إنذار، صار الإعلاميون يمثلون دور المندهش والمصدوم من مآسي صيدنايا الجاثم على ثرى الشام لأكثر من ثلاثين عاما؛ وكأنّه كان غيبا كُشف حجابه للتو! وكأنّ جرائم النصيرية أمام الشاشات، أقل بشاعة من جرائمهم في أقبية المعتقلات! أو لعلها صدرت عن نظام وردي كان يرمى الناس بالخزامى وبراميل الورود!! إنه دجل ونفاق عابر للحدود. فهل خفيت على وسائل النفاق العالمي جرائم النشر بالمناشير والقصف بالبراميل والكيماوي وغيرها الكثير، وظهرت فقط جريمة صيدنايا؟! لماذا يحاول الدجالون إقناع الجمهور بأن جرائم صيدنايا كانت "استثناء" وليست سياسة معتمدة لدى سائر الطواغيت؟! لماذا يوهمون الناس أنها كانت "أسرارا تحت أرضية" لم تُكتشف إلا بسقوط الأسد من أعين النظام الدولي؟! وبما إنّ شهية الإعلام مفتوحة هذه الأيام على مآسي الأمة ودموع مراسليه غزيرة؛ فهذا بلاغ إلى جميع وسائل الإعلام المرهفة التي ذرفت دموع النفاق على ضحايا صيدنايا، هل ندلكم على أفرع أخرى لصيدنايا لم تسقط بعد من عين النظام الدولي؟! اذهبوا إلى صيدنايا أفرع لبنان، والأردن، وتركيا، وكلها قريبة؟! ومثلها صيدنايا فرع مصر، وأفرع السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ومثلها أفرع المغرب وتونس وليبيا والجزائر والسودان الجريح. بل اذهبوا إلى أفرع صيدنايا التي تملأ العراق حيث يتعرض فيها أسرى المسلمين لأبشع صور التعذيب والقتل البطيء على أيدي الرافضة الذين صار "عديم الشرع" حارسا لمعابدهم مؤاخيا لحكومتهم الرافضية "الموقرة! في"سوريا الحرة" تماما كما كان عليه الحال في "سوريا الأسد!" بل هل ندلكم على ما هو أقرب إليكم من ذلك كله، اذهبوا إن استطعتم إلى صيدنايا فرع "إدلب! " الذي يُمسي فيه المجاهد أسيرا، ولا يُصبح إلا داخل السجون العسكرية التركية، بعد الاستعانة بمصباح "عدو الدين" للخدمات الأمنية السحرية!! فإن أبيتم هذا وذاك، فاذهبوا إلى أكبر صيدنايا في سوريا، فرع الهول وغويران حيث الأهوال التي تُرتكب جهارا نهارا في أكبر سجون بشرية علنية يقبع فيها آلاف المجاهدين والمهاجرين الأبرار وعوائلهم الأطهار الذين جاهدوا على ثرى الشام منذ الأيام الأولى للثورة وأسقطوا النظام فعليا لولا تدخل طواغيت الشرق والغرب مع "الثوار!" إنّ في كل بلد طاغوت، ولكل طاغوت صيدنايا ولكنه الدجل الإعلامي والنفاق العالمي، إنها شبكات عالمية للاتجار بمعاناة الناس أو الانقلاب عليها بحسب تقلُّب المزاج الدولي! وأضوائه الخضر والزرق!! وللمفارقة، فإنه بينما تتوجه اليوم وسائل الإعلام إلى صيدنايا للتباكي على أسراه؛ كانت ذاتها تتوجه إلى أسرى غويران والهول، لا لتنقل معاناتهم ولا لتتباكى عليهم، وإنما لتتشفّى بمصابهم وتبتزهم وتساومهم على البث الحي!! وتمارس بحقهم أقذر صور الخِسّة الإعلامية! لعلها تظفر بتراجع أو استجداء تسوِّقه للغثاء، فلا تعود إلا خاسئة ذليلة. كانت وسائل الإعلام التي تبكي صيدنايا اليوم تذهب إلى الهول لتمارس التشبيح الإعلامي بحق المؤمنات الصابرات الطاهرات اللواتي دفعن وأزواجهن ضريبة الإيمان والانتصار لإخوانهم الشاميين في جهاد لا يرجون من أحد شكره ولا ذكره. كانت قنوات الدجل تذهب إلى الهول لتقدّم مادة إعلامية تشويهية بحق الأطفال الأسرى! المحتجزين بقرار ورغبة دولية في ظروف قاسية بتهمة "الإرهاب" التي يفرّ منها الخونة اليوم، ويقدّمون لتفاديها كل التنازلات. أسرى الهول وغويران الذين تتنافس الميليشيات الكردية والثورية والتركية على التقرب إلى الصليبيين بإمساك ملفهم وشد وثاقهم!، أسرى الأهوال الذين دأبت الحكومات الصليبية والمرتدة على التحذير من إطلاق سراحهم أو التساهل معهم أو حتى الانشغال عنهم! وهو ما عبّر عنه قبل أيام "سيناتور أمريكي" بقوله: "علينا ضمان عدم إطلاق سراح ما يقرب من ٥٠ ألف سجين من الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا"، محذّرا مُقرًا بأنّ هروبهم "سيكون كابوسا لأمريكا". هذا "الكابوس" لا يطارد أمريكا الصليبية وحدها، بل يطارد أذنابهم المرتدين من الحكومات والميليشيات، ولذلك لا تجد وسائل الإعلام في هذه السجون مادة للاتجار بالمأساة والمعاناة، بل مادة للمزايدة والتشويه والمعاداة ليس للمجاهدين فحسب، بل حتى لنسائهم وأطفالهم، فهؤلاء في عرف القوانين الجاهلية الدولية والثورية "إرهابيون" برتبة أطفال ونساء!! لا تشملهم "الثورة العوراء" ولا "إنسانيتها" الجوفاء. ولكن ما ضرّهم إن لم يشملهم هذا الغثاء؛ إن شملتهم رحمة المولى سبحانه ولطفه وحسن ثوابه، وقد قضى في كتابه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، فلن يُضيع عباده الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا وأوذوا في سبيله، وسينتقم بعدله من الصليبيين والمرتدين وكل المتورطين في فصول هذه الجريمة التاريخية، بعذاب من عنده أو بأيدينا، فاللهم دبّر لنا فإننا لا نحسن التدبير. ومن مظاهر الدجل الإعلامي الذي رافق سقوط الأسد، تبدُّل سلوك الإعلام الموالي للنظام، حيث أقبل "شبيحة الأسد ثوار" يطبلون للثورة بعد أن كانوا قبل أيام ينبحون عليها، حتى غدا الفرق بين "الثوري" و"الشبيح" إسقاط علم ورفع آخر كلاهما من صنع "سايكس بيكو" فيا لهوان الثورة وهوان إعلامها. من الناحية الشرعية، فإنّ العاملين في وسائل الإعلام النصيرية هم كفار مرتدون محاربون، يستوي في ذلك ذكورهم وإناثهم من المراسلين والمحرِّرين والمصوِّرين و"الممثلين" وكل من له صلة بالمنظومة الإعلامية النصيرية التي عكفت سنوات تناصر الطاغوت وتنافح عنه وتؤيد جرائمه، وإنّ تبديل هؤلاء جلودهم بين ليلة وضحاها من "التشبيح إلى الثورة" يُعد استخفافا بالدماء وإمعانا في الإجرام، وإنّ حكم الإسلام فيهم هو القتل ردَّة جزاء وفاقا لأنهم أولياء وأعوان الطاغوت حكمهم حكمه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. كما أنّ تصنيفهم إلى إعلاميين "حربيين وغير حربيين" والدعوة إلى محاكمتهم بالقانون هو ضرب من ضروب الجاهلية المتجذّرة، فإنّ القانون هو الذي حماهم وجرأهم على دماء وأعراض المسلمين في عهد "سوريا الأسد، وهو الذي سيكفل حمايتهم في عهد "سوريا الضبع"، وإنّ من عفا عن القتلة والجزارين كسبا لرضى النظام الدولي؛ لن يجرؤ على المساس بمن هم دونهم من الإعلاميين و"الممثلين" الذين رسموا لوحة النظام من قبل! ويرسمون لوحة الثورة من بعد! من خشية النفاق العالي. ◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 474 الخميس 18 جمادى الآخرة 1446هـ المقال الافتتاحي: صيدنايا والنفاق العالمي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً