الدعوة إلى الله
إن الدعوة إلى الله شأنها عظيم، وفضلها كبير، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
الحمد لله الذي أرسل رسلًا مبشرين ومنذرين، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، والصلاة والسلام على سيد الدعاة أجمعين، دعا إلى الله حتى أتاه اليقين، وأُشْهِد اللهَ أنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
عباد الله، إن الدعوة إلى الله شأنها عظيم، وفضلها كبير، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى في هذه الآية: هذا أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، هذا حبيب الله، هذا صفيُّ الله، هذا وليُّ الله.
قال صلى الله عليه وسلم: «فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم».
قدوتنا صلى الله عليه وسلم ظل يدعو ثلاثًا وعشرين سنة، بدون كَلَلٍ ولا مَلَلٍ، صبر على أذى قومه وأعدائه، كان يأتي الناس في مجالسهم وأسواقهم ويدعوهم، دعا القريب والبعيد، والغني والفقير، والعزيز والذليل، وكان ليِّن الجانب، حسن التعامل، كريم السجايا والأخلاق.
وأنبياء الله من قبل دعوا قومهم وصبروا عليهم؛ فهذا نوح عليه السلام يدعو قومَه ألف سنة إلا خمسين عامًا، قال الله فيه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 1 - 10].
عباد الله، إن الدعوة إلى الله هي نجاة الأمة، أمرنا الله بها فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
إن خيرية الأمة في الدعوة إلى الله، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «مَثَلُ المدهن[1] في حُدُود الله والوَاقِعِ فيها كمَثَل قَوم اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَة، فصارَ بعضُهم أَعلاهَا، وبعضُهم أسفَلَها، وكان الذين في أسفَلِها إِذَا اسْتَقَوا مِنَ الماءِ مَرُّوا على من فَوقهم، فَقَالُوا: لَو أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنا خَرْقًا وَلَم نُؤذِ مَنْ فَوقَنا، فَإِنْ تَرَكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعًا».
وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سبب في لعن الله عز وجل، قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79].
عباد الله، ينبغي الحذر من الأخطاء في الدعوة إلى الله، ومنها:
الدعوة بلا علم، فهي تفسد أكثر مما تصلح، قال الله تعالى على لسان نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
ومن الأخطاء عدم تقديم الأولويَّات: عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال: «إنك تقدم على قول أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاةً من أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوقَّ كرائم أموال الناس».
ومن الأخطاء: البدع وتحديد أزمنة معينة.
ومن الأخطاء: التقصير في الواجبات؛ كالاهتمام بالأسرة ورعاية الأبناء، وقد قال الداعية الأول صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي».
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] المدهن: المحابي، والمراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يُغيِّر المنكر.
- التصنيف: