تعظيم الله وأثره في حياتنا

منذ 17 ساعة

إن العبد إذا أراد أن يتعرف على عظمة الله سبحانه وقدرته؛ فعليه أن يسلك مسلك القرآن في ذلك، فالقرآن الكريم سلك في الحديث عن عظمة الله سبحانه، من خلال التعرف على أسمائه سبحانه وصفاته

في زمن طغَتْ فيه الماديات، وزَادتْ فيه المُلْهيات، وضعف فيه الإيمان لكثرة الشهوات والشبهات؛ حَري بنا أنْ نذكر أنْفسنا بعظمة الله تعالى، وأنْ نتأمَّل آثار عظمَتِه في الأرْض والسَّماوات، فكلما زاد تعظيمنا لله قوي إيماننا، فازدادت معه طاعاتنا فهو سبحانه عظم نوره، وعظم حلمه، وكمل سؤدده، وعز شأنه، وتعالت عظمته، وجل ثناؤه، في السماء ملكه وفي الأرض سلطانه، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأنهار، وعدد حبات الرمال، عليمٌ بكل شيء، محيطٌ بكل أمر، ما ذكر اسمه العظيم في قليل إلا كثره، ولا عند كربٍ إلا كشفه، ولا عند هم إلا فرجه، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات، وتقال به العثرات، وتُستدفع به السيئات، به أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه حقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وبه وضعت الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، فسبحانه ما أحكمه! وسبحانه ما أعظمه! وسبحانه ما أعلمه!

 

القرآن والسنة تحدثنا عن تعظيم الله:

أيها المسلم، لقد جاءت نصوص القرآن والسنة في بيان فضل تعظيم الله، إن العبد إذا أراد أن يتعرف على عظمة الله سبحانه وقدرته؛ فعليه أن يسلك مسلك القرآن في ذلك، فالقرآن الكريم سلك في الحديث عن عظمة الله سبحانه، من خلال التعرف على أسمائه سبحانه وصفاته، ومن ذلك قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22 - 24]،والحث على التفكر في مخلوقاته سبحانه، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191]، وسطر القرآنُ عددًا من القصص والأخبار التي تصور لنا عظمة الله سبحانه وقدرته، وكيف أنه سبحانه قهر الظالمين وأهلك المتكبرين، فهو سبحانه لا يُعجِزه شيء، وهو على كلّ شيء قدير، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى* وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} [النجم: 50 - 55]،وقال تعالى في إنذاره للكفار: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا ًارْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [فصلت: 13 - 18].

 

ولقد عرَفَ الأنبياءُ عظَمةَ الله؛ فكانوا يسارعون في الخيرات، ويدعون ربَّهم خوفًا وطمعًا، وكانوا له خاشعين، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فتطهر ثم صلى، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم لم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]»؛ (صححه الألباني).

 

تعظيم الله من أجَلِّ العبادات:

أيها المسلمون، إن تعظيم الله تعالى في القلوب يورثها التواضع والتذلل والخضوع لله تعالى، واجتناب العجب والغرور والاستكبار في الأرض بغير وجه حق، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:  «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار»؛  (صحيح مسلم)، وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]، فمن تأمل في عظيم خلق الله تعالى وإحكامه لجميع الخلق ضمن نواميس وقوانين دقيقة؛ علم بأن وراء هذا الخلق ربًّا حكيمًا عظيمًا، متصرفًا في شؤون الكون، ومن خلال الدعوى إلى النظر في نواميس هذا الكون العظيم، ومن خلال النظر في أنفسهم ومبدأ خلقهم، كما أخبر بذلك ربنا عن دعوة نوح عليه السلام لقومه في تعظيم الله وتوقيره تعالى، فقال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح: 13 - 20]،قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال: (ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته)، وتعظيم الله تعالى في القلوب يؤدي إلى لذة العبادة؛ لأنها تتجلى بذلك صورة العبودية الخالصة لله تعالى، فحين أنزل الله تعالى قوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: «اجعَلوها في رُكوعِكم»؛ سنن أبي داود، وقال عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب»؛ (صحيح مسلم).

 

ومن تعظيم الله عز وجل يكون تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، يقول الله عز وجل: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 8، 9].

 

ومن تعظيم الله: تعظيم كلام الله تعالى ليس بتجويد قراءته فحسب وإقامة حروفه، وليس بتزيينه وتفخيم طباعته وكتابته، وليس بتعليقه على جدران البيوت، وليس بجعله افتتاحًا واختتامًا للمؤتمرات والمنتديات، وليس بقراءته على الأموات؛ بل بإقامة حروفه وحدوده، والاحتكام إليه، والعمل به، وتعظيم شأنه، والسير على منهاجه، قال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21].

 

من لم يُعظم الله عز وجل فهو متوعَّد بأشد العذاب:

أيها المسلمون، لقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، قال تعالى:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]؛ أي: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته؟ ولقد دلت دلائل الوجود على عظمة ربنا جل في علاه، وخضعت له المخلوقات، وبهذا الخضوع انتظم العالم، وصلحت أحوال الخلق، فقنوت الكل له عز وجل دليل على عظمته: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 116، 117]،وفي الآية الأخرى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83]،ولما أشرك بعض عباده به، وادَّعوا له الولد؛ فزعت الموجودات من هذا الإفك العظيم، وأوشك الكون أن يضطرب ويختلط؛ تعظيمًا لله تعالى، وفرقًا منه أن يشرك به بعض خلقه، لولا أن الله تعالى قدر له أن يسكن وينتظم:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 90 - 92]،فمحال على الله سبحانه وتعالى أن يتخذ صاحبة أو ولدًا، وأبعد من ذلك أن يكون له والد؛ وقد روى الترمذي عن أبي بن كعب: (أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1، 2]؛ والصمد: الذي لم يلد ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، ولا شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، قال: لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء)؛ ولذلك قال مؤمنو الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن: 3، 4]، قال السعدي: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}؛ أي: تعالت عظمته، وتقدست أسماؤه.

 

وقد توعد الله بالعذاب الشديد مَنْ نسب لله الولد سبحانه، فقال الله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 68 - 70]،وكما ظن النصارى في عيسى ابن مريم وأمه ظن اليهود فيه وأمه، وسعوا إلى قتله، ولكن الله سبحانه وتعالى نجَّاه منهم، وألقى شبهه على غيره، فقتلوه وصلبوه ظنًّا منهم أنه المسيح ابن مريم؛ ولهذا عاقَبهم الله على ذلك كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 155 - 157]، وقد بين الله للنصارى حقيقة عيسى عليه السلام، فقال الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 171 - 173].

 

كيف نعظم الله في نفوسنا؟

أيها المسلمون، إن تعظيم الله في نفوسنا يكون بأمور عدة منها:

1- تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى؛ فالعبد كلما تقرب إلى ربه بأنواع العبادات وأصناف القرُبات عظُم في قلبه أمر الله؛ فتراه مسارعًا لفعل الطاعات مبتعدًا عن المعاصي والسيئات، قال شيخ الإسلام: (وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته).

 

2- التدبر الدقيق للقرآن الكريموما فيه من حِكم وأحكام، والنظر فيما فيه من الدروس والعبر، قال الله سبحانه وتعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].

 

3- التفكر في خلق السماوات والأرض؛ فإن الناظر فيها ليدهش من بديع صنعها وعظيم خلقها واتساعها، ومع هذا فهو لا يرى فيها شقوقًا ولا فطورًا، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 3، 4].

 

4- النظر في حال من غبر؛ فقد عاش على هذه الأرض أقوام وشعوب أعطاهم الله بسطة في الجسم وقوة في البدن لم يعطها أمة من الأمم؛ ولكنها كفرت بالله وكذبت بالرسل؛ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، ودمرهم تدميرًا؛ فها هم قوم عاد الذين قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15]، أهلكهم الله: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة} [الحاقة: 6، 7]، وها هم ثمود الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتًا فارهين أهلكهم الله بالصيحة: {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 78].

 

5- الدعاءوهو أنفع الأدوية وأقوى الأسباب متى ما حضر القلب، وصدقت النية، فإن الله لا يخيب من رجاه، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

________________________________________
الكاتب: د. عبدالرزاق السيد

  • 0
  • 0
  • 111
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    صومال الهجرة والمدد • لا يكاد ينقضي عام أو يبدأ عام آخر، حتى يفاجئ جنود الدولة الإسلامية العالم بتنفيذ ضربة نوعية جديدة ضد الحلف الصليبي أو أحد حلفائه المرتدين في صقع جديد من أصقاع الأرض التي يورثها من يشاء من عباده.   ضربة العام كانت من نصيب قوات حكومة (بونتلاند) المرتدة في الصومال، حيث تعرضت لهجوم مركّب شنّه ثلةٌ من الانغماسيين المهاجرين وصلوا إلى ولاية الصومال من سبع دول مختلفة، ولكن جمعتهم غاية واحدة هي التوحيد، وسبيل واحد هو الجهاد، وانتظموا كالعقد معا في جيد الدولة الإسلامية، ولم يرضوا لأنفسهم أن تحيط برقابهم حدود قطرية وقومية كغيرهم، فجهادهم ودعوتهم عالمية كما كان جهاد ودعوة نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم-.   والحقيقة أن أماكن وأوقات هذه الضربات السنوية المباركة، ليست من اختيارات المجاهدين بقدر ما هي توفيق وتسديد إلهي ممّن شرع الجهاد سبحانه، وبيده حفظه وإدامته وتهيئة مَن يذكي جذوته، ولو خذله أهل الأرض قاطبة ولو استعانوا بالشياطين على وقفه.   ولا تكاد تلتقي بمجاهد من جنود الخلافة أو تجري معه حديثا لبضع دقائق، إلا وتجد هذه الحسبة الإيمانية راسخة في ذهنه بادية على لسانه، فهم يتبرأون من حولهم وقوتهم وتدبيرهم إلى حول الله وقوته وتدبيره سبحانه، توكلا عليه واعتصاما بحبله تعالى، ولولا هذا التوكل والاعتصام ما صبروا على هذا الطريق الذي تصادمه وتحاربه الجاهلية بكل معسكراتها دون استثناء.   في الآونة الأخيرة تزاحمت تقارير مراكز الاستخبارات الصليبية المموهة، في التحذير من خطر تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال، وأنها توسعت وتمددت وعززت من قدراتها، وكالعادة فإنهم يعزون ذلك دوما -وفق نظرتهم الجاهلية- إلى الأسباب المادية البحتة والتي لا تخلو من: "زيادة الاضطرابات الإقليمية" و "وعورة التضاريس الجغرافية" و "تدفق الإيرادات المالية" إلى غيرها من التفسيرات الأرضية المادية، وينسون تماما الشطر الأهم من الرواية، وهو أن الجهاد قدر الله تعالى وفريضة من فرائضه وشريعة من شرائعه التي لم تُنسخ ولم تُستبدل، بل هي ماضية باقية ما بقي الصراع بين الإسلام والكفر.   ينسون -الصليبيون والمرتدون- أن الجهاد في شريعة المسلمين ماض ولو تحداه كل طواغيت العرب والعجم، ولو سعت قوى الكفر لمنعه، وهي بالفعل تحاول ذلك منذ بزوغ فجر الإسلام وانطلاق جهاد الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، بقيادة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته العدول.   فمنذ ذلك الحين، يحاول الكفار وفي إثرهم المنافقون، أن يوقفوا عجلة الجهاد بالمكر والمؤامرات تارة، وبالحروب والتحالفات تارات، وإلى عصرنا هذا تستمر محاولات وتحالفات الجاهلية المعاصرة بجيوشها ومنافقيها، بممارسة نفس الأدوار علّهم يحققون ما عجزت الجاهلية الأولى عن تحقيقه ولكن هيهات، فمن يرد قدر الله تعالى ويتحدى مشيئته؟!   وعند النظر في "التفسيرات المادية" التي يحشدها الصليبيون والمرتدون لتبرير صعود الدولة الإسلامية في صقع من الأرض، نجدها هي نفسها التي ينفونها ويعكسونها في صقع آخر تراجع فيه نشاط المجاهدين أو تقلص؛ قبل أن ينتقل إلى صقع آخر ويتصاعد مجددا، فكل ما زعموا إبطاله وإفشاله من قبل في ولايات أخرى للدولة الإسلامية، ها هم يقرون بنجاحه ومضائه في ولاية جديدة.   إن الجهاد شُرع لنصرة الإسلام وسيادته ونبذ الشرك وكسر شوكته، ولأجل ذلك فهذا الجهاد ليس مما يملك البشر قراره ومساره، بل هو مما يملكه المولى سبحانه الذي حفظ مسيرته وأمده بخيرة خلقه، يسيّرونه ويجدّدونه جيلا بعد جيل، في حفاظ على ديمومته وتحقيقا لنبوءة قائده الأول -عليه السلام- القائل: (لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي يُقاتِلُونَ علَى الحَقِّ ظاهِرِينَ إلى يَومِ القِيامَةِ) [أخرجه مسلم]، لكن ما على العبد الاعتناء به حق العناية في زماننا، هو الحرص على موافقة جهاده جهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يخرج عن هديه وشريعته في غايته ووسائله.   ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 476 السنة السادسة عشرة - الخميس 2 رجب 1446 هـ مقتطف من المقال الافتتاحي: صومال الهجرة والمدد
  • عبد السلام خالد

      منذ
    الأذى في الجهاد إن المتأمل للأوامر الربانية المتكررة بالقـتال، يجد أنه لو رُخّص لأحد ترك الجهاد مخافة الأذى عليه لأجل إكرامه ومكانته، وتجنيبه الابتلاءات المتحققة لمن سلك هذا الطريق، لكان ذلك لرسول الله ﷺ، فهو أكرم الخلق على الله تعالى وأحبهم إليه، لكنه السير على منهاج الأولين، والتنبيه على خطر وأهمية هذا الأمر العظيم؛ ليعي الصحابة والأمة من بعدهم مكانته في إقامة الدين، ولذلك فإن الأوامر الربانية تخاطب جميع المسلمين في مختلف العصور، على اختلاف مستوياتهم، جهلة وعلماء، أغنياء وفقراء، وأهل الجاه والوجاهة ومن لا يؤبه له منهم. ولقد أثبتت الوقائع والتجارب أن كلّ الذين تركوا الجهاد فرارا من تبعاته وتكاليفه، وقدموا الدنيا دفعوا ضريبة أكبر من ضريبة الجهاد فلم ينالوا خيرا في دين أو دنيا وكفى بهذه العاقبة عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والحمد لله رب العالمين. افتتاحية النبأ "واغزُهمْ نُغْزِك!" العدد 435
  • عبد السلام خالد

      منذ
    الطاغوت {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:٢٥٧]. • الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله [ابن القيّم إعلام الموقّعين]. »» من رؤوس الطواغيت • إبليس لعنه الله • من عُبد من دون الله وهو راضٍ • من حكم بغير ما أنزل الله • من دعا الناس إلى عبادة نفسه • من ادّعى شيئا من علم الغيب [محمد بن عبد الوهاب: الأصول الثلاثة] ♢ هذه أحوال الناس مع الطواغيـت، فاحذر أن تكون منهم: فهذه طواغيـت العالم، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها، رأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته.[ابن القيّم: إعلام الموقّعين] • تعلم دينك وتمسّك بالعروة الوثقى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ} [البقرة:٢٥٧]. • ليكن إبراهيم عليه السلام أسوتك: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤]. • صفة الكفر بالطاغوت: أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها، وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم. • ومعنى الإيمان بالله: أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون من سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم [محمد بن عبد الوهاب: رسالة في الطاغوت] إنفوغرافيك النبأ جمادى الآخرة 1437 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً