من فتاوى بن عثيمين في التجويد والقراءات
أحببت أن أذكر إخواني من الدعاة وطلبة العلم وعامة المسلمين بفوائد مختصرة من فتاواه في علوم التجويد والقراءات.
العلامة الشيخ محمد بن صالح العُثَيمين (المتوفى: 1421هـ)، غني عن التعريف إذ إنه من أبرز علماء عصره ، وهو فقيه وأصولي ومفسِّر، وداعية مربٍّ، وخطيب ، و للشيخ تراث فقهي نافع وعظيم، لذا أحببت أن أذكر إخواني من الدعاة وطلبة العلم وعامة المسلمين بفوائد مختصرة من فتاواه في علوم التجويد والقراءات.
الفائدة الاولى : الفرق بين جمع عثمان بن عفان وجمع أبي بكر رضي الله عنهما:
الغرض من جمع القرآن في عهد أبي بكر الله رضي الله عنه تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف، حتى لا يضيع منه شئ دون أن يحمل الناس على الاجتماع على مصحف واحد؛ وذلك أنه لم يظهر أثر لاختلاف قراءاتهم يدعو إلى حملهم على الاجتماع على مصحف واحد.
وأما الغرض من جمعه في عهد عثمان رضي الله عنه فهو تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف واحد، يحمل الناس على الاجتماع عليه لظهور الأثر المخيف باختلاف القراءات. (كتاب: أصول في التفسير)
الفائدة الثانية: مصلحة جمع القرآن وفضل أمير المؤمنين عثمان :
من رحمة الله عز وجل أن جعل القرآن على سبعة أحرف كل يقرأ بلهجته .... وفي عهد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه خاف أن يختلف الناس في كلام الله وأن تؤدي هذه الأحرف السبعة إلى شقاق ونزاع أمر رضي الله عنه أن يوحد القرآن على حرف واحد ألا وهو حرف قريش أي لغة قريش، فجمع القرآن على حرف واحد على لغة قريش، وهو الذي نقرأ به الآن، ثم أمر بسائر المصاحف فأحرقت لئلا تبقى فيفتتن الناس بها ،فكان في ذلك مصلحة عظيمة وفضيلة لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لا توصف، فنسأل الله تعالى أن يجزيه عن المسلمين خيرا (شرح رياض الصالحين)
الفائدة الثالثة : كتاب الله منذ نزل وإلى يومنا هذا محفوظ بحفظ الله
كتاب الله منذ نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يومنا هذا وهو محفوظ -ولله الحمد- بحفظ الله، فمن زعم أنه قد نقص منه حرف واحد غير ما اختلف فيه القراء من بعض الحروف التي مثل الواو قد تسقط في بعض القراءات أو الفاء أو ما أشبه ذلك - من زعم هذا فإنه مكذب للقرآن وإجماع الأمة، ليس في القرآن نقص، القرآن تلقاه الرسول من جبريل وأبلغه للصحابة ونعم الصحابة الأمناء، وألقوه إلى التابعين ثم بقي يأخذه الصغير عن الكبير إلى يومنا هذا ولله الحمد.( اللقاء الشهري)
الفائدة الرابعة : من المسائلِ النادرةِ في القراءاتِ
قال تعالى: {{وَتَوَكَّل عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}} (سورة الشعراء: اية 217)، قَوْلهُ: {{وَتَوَكَّل}} ورد بالواو والفاء، وهذه من المسائلِ النادرةِ في القراءاتِ؛ لأن الغالبَ في القِراءَةِ أنْ يكونَ الخِلاف في صفةِ الكلمةِ أو في الحرفِ، ليسَ في ذاته أو عينه، لكن هذا قد يأتي أَحيانًا في ذاتِ الحرفِ، وأحيانًا أيضًا بإسقاطِ الحرفِ من عَدَمِهِ، في قولِه تَعالَى في سُورَة البقرة: {{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}} [البقرة: 116]، في قِراءَة بإسقاط الواو: ( {قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} ) ، وهذه من المسائلِ النادرةِ في القراءاتِ، فالقِراءَةُ قد تكونُ في نوعِ الحرفِ، وفي وُجودِ الحرفِ، وفي شكل الحرفِ، وأكثرُها في شَكْل الحرفِ وهَيْئَتِهِ؛ يُمَدّ أو لا يُمَدّ، يُفْتَح أو يُضَمّ. (تفسير القرآن الكريم «سورة الشعراء»)
الفائدة الخامسة : ما يلزم القارئ فعله عند انقطاع نفسه
قال رحمه الله: بعض الناس -مثلاً- يأخذه النفس فلا يستطيع أن يكمل الآية فيقف على جملة، ثم يعيد ما قبلها عند إرادة استئناف القراءة، يعيد ما قبلها بناءً على أن ما بعدها متعلق بها ولا يدري أن الذي قبلها متعلق بالذي قبلها -أيضاً- فمثلاً: لو قرأ قارئ: {{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}} [المائدة:6] فانتهى صوته إلى قوله: {{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}} [المائدة:6] هنا لا يحسن أن يعود فيقول: {{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}} [المائدة:6] لو أعاد قلنا: أعد الشرط -أيضاً- حتى تعيد جواب الشرط مع الشرط، لكن الحمد لله ما دام وقفت لعذر فابدأ من حيث وقفت، ولا حاجة إلى أن تعيد ما قبله. (اللقاء الشهري )
وقال في موضع آخر: الذي ينبغي للإنسان إذا انقطع نفسه أن يبدأ من حيث وقف, وأما ما يفعله بعض الناس الآن إذا انقطع نفسه ذهب يقرأ آخر جملة ثم استمر, فيقال: آخر جملة قد تكون مرتبطة بما قبلها فاقرأ ما قبلها, ثم الذي قبلها يكون مرتبط بالذي قبلها, وحينئذٍ يلزمه أن يعيد الآية من جديد. لهذا نرى: أن الإنسان إذا انقطع نفسه فقد انقطع نفسه عن ضرورة فيبدأ من حيث انقطع, ولا حاجة لإعادة الجملة التي قبل. (لقاء الباب المفتوح )
تجدر الإشارة إلى أن : العلماء قسموا الوقف في القران الى اقسام ، منها، الوقف القبيح : وهو الوقف على ما لم يتمَّ معناه، أو أَوْهم معنًى غير المراد، ولا يجوز الوقف عليه إلاَّ في حال الاضطرار، كضيق النَّفَس أو العطاس أو النسيان أو غير ذلك، وعند زوال سبَب الاضطرار لا يجوز للقارئ الابتداء بما بعده؛ بل يبتدئ بالكلمة الموقوفِ عليها أو بما قبلها مما يصحُّ الابتداء به.
الفائدة السادسة : قراءة القرآن بدون لحنٍ يحيل المعنى
إذا أتى القاريء بالقراءة على النحو المعروف الآن في التجويد كان هذا من تحسين الصوت بشرط ألا يبالغ في مخارج الحروف ، فإن بعض الناس يبالغ في مخارج الحروف حتى إنه يتكلف إخراج حروف القلقلة وأشباهها.
(وقال في موضع ثان): إذا كان الإنسان يقيم الحركات يرفع المضموم ويفتح المنصوب ويكسر المجرور ويسكن الساكن فليس عليه إثم في ذلك
(وفي موضع ثالث): المهم أن تقرأ القرآن بدون لحنٍ يحيل المعنى وألا تدغم ما لا يمكن إدغامه، وأن تقيم الحروف والحركات بقدر الإمكان.
(وفي موضع رابع) : الصحيح أن قراءة القرآن بالتجويد ليست واجبة، وأن التجويد ليس إلا لتحسين القراءة فقط، فإذا قرأ الإنسان قراءة أوضح فيها الحرف وجعله محركاً بما هو محركٌ به فإن هذا كافٍ، فأما قوله: {{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}} [المزمل:4] فليس معناها جوّده، بل المعنى اقرأه على مهل. ( فتاوى نور على الدرب للعثيمين )
قلت : لا اختلاف بين العلماء-ومنهم العلامة ابن عثيمين- على فضيلة التجويد، وأنه حلية التلاوة، وزينة القراءة، وأنه من إتقان القراءة المندوب إليه، ومن فضل الله علينا ان تعلم اصوله ليس بالشيء العسير بل هو سهل ميسور لا يكلف الانسان الكثير من الوقت، فعلى المسلم ان يجتهد في ذلك دون مبالغة او افراط أو انشغال عن فهم مراد الله من كلامه.
الفائدة السابعة: دعوا الدين محترمًا بين العوام!!
القراءات الواردة في القرآن الكريم لا شك أنها سُنة، وأن الإنسان ينبغي أن يقرأ بها على الروايات حفاظًا على ما ورد في القرآن، ولأجل أن يعرف أن بعض القراءات يفسر بعضها بعضًا، لكن هل يقرأ بهذه القراءات المخالفة عندما يكون بين أيدي العوام؟ لا، لا يقرأ؛ لأن العوام كما قيل: هوام ما يفقهون الشيء، ثم في ظني أن القرآن سينقص قدره في نفوسهم إذا كان هذا يقرأ كذا، وهذا يقرأ كذا، حتى إني سمعت بعض العوام يسخر بقراءة الإمالة في "طه" و "الشمس وضحاها" وما أشبه ذلك، إذن كيف أقرأ بالإمالة بين العوام؟ إن القراءة بالإمالة تؤدي إلى أن يستهينوا بالقرآن ويسخروا به، القرآن مُعَظم في قلوب الناس لا تقرأ عليهم غير ما يفهمون، ولهذا جاء في حديث علي: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله" ، وقد أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قرأ آية من القرآن على خلاف ما قرأها عمر، يعني: كذب بها، لكن قبل أن تثبت عنده روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالعامي إذا أتيت إليه بقراءة خارجة عما يعرف ربما يُنكرها، ويُكذّب بها، ويسخر بالذي قرأها أيضًا؛ لأنه لا يعرف، فلاحظوا هذه المسألة في توجيهاتكم للناس، دعوا الدين محترمًا بين العوام حتى يبقى مؤثرًا في نفوسهم، (فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)
الفائدة الثامنة: فيما بينك وبين نفسك
الأولى للإنسان الذي يعرف القراءات أن يقرأ بهذه القراءة مرة، وبهذه القراءة مرة أخرى، لكن لا يقرأ على ملأ من الناس وسماع منهم، لأن العامة إذا سمعوك تقرأ على خلاف ما يقرأون فسيحصل بذلك مفسدة، إما أن يقولوا: إن هذا الرجل لا يعرف القرآن، وإما أن يتشككوا في القرآن، حيث يظن العامي أن القرآن يمكن أن يبدل أو يغير، لذلك ننصح إخواننا الذين أعطاهم الله تعالى علماً في القراءات أن لا يقرأوا إلا بالقراءة المعروفة عند العامة حتى لا يحصل اللبس، لكن فيما بينك وبين نفسك إذا كنت تدرك القراءة الثانية إدراكاً تامًّا فاقرأ بها أحياناً؛ لأن الكل كلام الله - عز وجل (تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد)
رحم الله العلامة ابن عثيمين رحمة واسعة ونفعنا بعلمه ، اللهم امين
- التصنيف: