أهمية التوحيد في بناء الأسرة
إن الشباب والفتيات بلا توحيد كالريشة في مهبِّ الريح، لا تسكن إلى دار، ولا إلى قرار، تميل بها عواصف الفتن والشهوات في كل اتجاه.
أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، من أجل أن يُوحِّده العباد، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58].
والتوحيد هو أساس بناء المجتمع والأفراد؛ لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان وخالقه، تأمل وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «يا غلام، إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»؛ (رواه الترمذي).
إن الشباب والفتيات بلا توحيد كالريشة في مهبِّ الريح، لا تسكن إلى دار، ولا إلى قرار، تميل بها عواصف الفتن والشهوات في كل اتجاه، فيصبح الشاب قلقًا، حائرًا، ضائعًا، لا يعرف حقيقة نفسه، ولا سر وجوده، يصبح بقلب لا يفقه، وأذن لا تسمع، وعين لا تُبصِر.
يقول أحد الشباب: ذهبت إلى رحلة مع أقربائي من الشباب، كانت الرحلة جميلة معهم، إلا أنني لاحظت أن أحدهم مُقصِّر جدًّا في الصلاة، يتوارى عن الأنظار عند قيامها، لسانه لا يذكر الله إلا قليلًا، وعند الحوار معه لاحظت تأثره ببعض الأفكار المنحرفة عقائديًّا، خفت كثيرًا عليه فهو ابن عمي، ماذا أصنع؟
أيها الآباء، من تدبر أحوال الأُسَر والمجتمعات وجد كل صلاح واستقرار وطمأنينة فيها كان سببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا هو منهج نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في تربيته للناس، فلقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا في دعوته يبني مفهوم التوحيد ويُرسِّخه في نفوس أصحابه، فقد بنى فيهم أن الحياة لها معنى وقيمة، وأنهم لم يُخلقوا عبثًا، بنى فيهم أن الله سبحانه خلق العبد ودبر أمره، وأنه هو من يميته ويبعثه، ويغفر ذنوبه ويرحمه، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 78 - 82].
إن العبد إذا وحَّد خالقه، وآمن به، وسار على هدى من ربه، نال التالي:
• أن تستبين بصيرته، وتسلم عقيدته، ويفوز برضوان الله، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112].
• أن تسلَم نفسه من التمزُّق والتشتُّت بين الاتجاهات والأفكار، لتبقى غايته واحدة؛ وهي إرضاء الله سبحانه، فهو يعرف أين يذهب؟ وكيف يسير؟ وأين النهاية؟
• أن يعلم أن غاية وجوده هي عبادة الله، وأنه مأمور بذلك دينًا، وأنه مثاب على كل ما يقوم به من عمل؛ لذا كان عليه العمل الجاد المخلص لله سبحانه.
• أن يعتصم بالله، ويتوكل عليه، ويدعوه ويستعين به، فالله سبحانه هو الحصن المنيع للعبد من الأخطار والأفكار التي تستهدف دينه، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].
قال ابن القيم- رحمه الله- مبينًا ثمرة الاعتصام بالله: هو الدافع عن العبد- والله يدافع عن الذين آمنوا- فيدفع عنه الشبهات والشهوات، وكيد عدوه الظاهر والباطن، وشر نفسه، ويدفع موجب أسباب الشر بعد انعقادها، بحسب قوة الاعتصام به وتمكنه؛ مدارج السالكين.
• أن يتطَهَّر قلبه ويتنقَّى من الشوائب والشهوات، ويكون كالشجرة الطيبة التي تثمر الأعمال الصالحة، فيصلح قلبه وسائر جسده، بل ويتعدَّى إلى صلاح غيره، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 24- 25].
• أن يكون عمله خالصًا لله وحده، وذلك باستواء أعمال العبد في الظاهر والباطن مهما كانت ملاحظة المخلوقين عليه.
أيها الآباء، عندما يستشعر الأبناء والبنات حفظ الله لهم ومعيته معهم يزدادون في التمسك بحفظ حدوده واتِّباع أوامره وترك نواهيه، ومن كانت هذه حال أولاده فأي سعادة تغمر قلوب الآباء والأمهات وهم يرون صلاح وفلاح وهداية فلذات أكبادهم.
أسأل الله العظيم أن يصلح أولادنا، وأن ينبتهم نباتًا حسنًا، وأن يُطهِّر قلوبهم من الشهوات والشبهات، وأن يحفظهم من كل شر وفتنة، وصلى الله على سيدنا محمد.
_________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
- التصنيف: