مهارات التواصل وأثرها في حياة المسلم

منذ يوم

إن مهارات التواصل ليست مجرد فنون تُكتسب لتحسين العلاقات الاجتماعية، بل هي أيضًا عبادة وسلوك يبتغي بها المسلم وجه الله تعالى

إن مهارات التواصل ليست مجرد فنون تُكتسب لتحسين العلاقات الاجتماعية، بل هي أيضًا عبادة وسلوك يبتغي بها المسلم وجه الله تعالى، فالقرآن والسُّنة مليئان بالتوجيهات التي تحثنا على حُسن القول وجميل الخطاب، وعلى اختيار الكلمة الطيبة التي تُصلح ولا تُفسد.

 

أيها الأحِبَّة في الله، إن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، ولأن الحياة تقوم على التفاعل بين الناس، فإن مهارات التواصل الفعَّال هي جسر العبور إلى بناء العلاقات الطيبة، وتحقيق التعاون والتفاهم.

 

وقد أمر الله تعالى عباده بتحرِّي القول الحسن والرفق في الخطاب؛ فقال:  {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:  {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28].

 

وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقدِّم لنا النموذج الأمثل في التواصل الفعَّال؛ فقد كان أحسن الناس خُلقًا، وأكثرهم تأثيرًا في الآخرين، يتحدث بالكلمة الطيبة، ويبتسم في وجه مخاطبه، ويُظهر له الاهتمام والتقدير.

 

عباد الله، التواصل الفعَّال ليس أمرًا عشوائيًّا، بل هو مهارة لها أصولها وقواعدها، ويمكن تقسيم مهارات التواصل إلى عدة أنواع:

1- مهارة الاستماع الفعَّال:

فالاستماع ليس مجرد سماع الكلام، بل هو فنٌّ يتطلب التركيز والاهتمام بمحدثك؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم موجِّهًا بحسن الاستماع للإمام يوم الجمعة: «إذا قلت لصاحبك: أنْصِتْ، يومَ الجمعة والإمام يخطب، فقد لَغَوتَ»؛ (رواه البخاري)، فالاستماع الفعال يجعل المتحدث يشعر بأنه محل تقدير واحترام، ويُظهر للمستمع فهمًا عميقًا لِما يُقال.

 

2- التعبير الواضح والصادق:

فمن أعظم مهارات التواصل أن يكون التعبير واضحًا ومباشرًا، خاليًا من الغموض والتعقيد؛ روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسُرد كسردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بيِّن فصلٍ، يحفظه من جلس إليه)).

 

3- التكيُّف مع الجمهور:

فمن الحكمة أن يراعي المتحدث حالَ من يتحدث معهم، فلا يخاطب الطفل كما يخاطب الرجل، ولا الجاهل كما يخاطب العالم؛ قال عليٌّ رضي الله عنه موجِّهًا أن يكون الخطاب بحسب حال المخاطب: "حدِّثوا الناس بما يعرفون"؛ (أخرجه البخاري).

 

4- استخدام لغة الجسد المناسبة:

فلغة الجسد وسيلة قوية للتواصل، ومعظم ما نفهمه من كلام الآخرين يأتي من حركاتهم وإشاراتهم، لا من كلماتهم؛ لذا، ينبغي أن تكون حركاتنا متناسقة مع كلامنا، وأن تُظهر الاحترام والتقدير.

 

عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عددًا من أسباب دخول الجنة؛ ثم قال لمعاذ رضي الله عنه: «ألَا أخبرك بمِلاك ذلك كله» ؟ فقال: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، فقال: «كُفَّ عليك هذا»؛ (رواه أحمد)، إلى غير ذلك من الأحاديث في سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي تُظهر اهتمامه أن تصل رسالته لمن تصل إليه.

 

5- التعاطف مع الآخرين:

فالتعاطف مهارة عظيمة تجعلنا نشعر بآلام الآخرين وأفراحهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاطف مع أصحابه؛ لما جاء نعيُ جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لأهل جعفر طعامًا؛ فإنه قد جاءهم ما يشغلهم»؛ (أخرجه الترمذي) فاللهم صلِّ على معلم الناس الخيرَ، الذي كان أحسن الناس أدبًا وذوقًا، واجعل اللهم تواصلنا سببًا في رضاك عنا.

لقد وضع الإسلام قواعدَ واضحة للتواصل؛ منها:

1- الكلمة الطيبة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والكلمة الطيبة صدقة»؛ (رواه مسلم).

 

2- الصدق في الحديث:

قال الله تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

 

3- الرفق واللين:

قال الله تعالى:  {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

 

4- اجتناب الجدال العقيم:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربَضِ الجنة لمن ترك الْمِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه»؛ (أخرجه أبو داود).

 

5- مراعاة وقت الآخرين وظروفهم:

كان عبدالله بن مسعود يذكر الناس كل يوم خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه، ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال: ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملَّكم؛ ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام؛ كراهية السآمة علينا)).

 

وبعدُ، عباد الله، فإن الالتزام بآداب التواصل يحقِّق السَّكينة في المجتمع، ويجعل العلاقات بين الناس أكثر قوة وتماسكًا.

 

إخوة الإسلام، ولتحسين مهارات التواصل لدينا، يمكننا اتباع النصائح التالية:

1- ممارسة الاستماع الجيد: أعْطِ محدثك انتباهك الكاملَ، وتجنَّب المقاطعة.

 

2- القراءة والاطلاع: فالثقافة الواسعة تزيد من قدرتك على الحوار.

 

3- تجنب الحشو والإطالة: كن مختصرًا ومباشرًا في حديثك.

 

4- تدرب على ضبط انفعالاتك: تجنَّب الغضب والتوتر أثناء الحوار.

 

نسأل الله عز وجل أن يوفِّقنا وإياكم لإتقان هذه المهارات.

 

ونذكِّر - أيها الأحبة - بأن الغاية من تحسين التواصل ليست فقط تحقيق النجاح الدنيويِّ، بل الأهم من ذلك رضا الله سبحانه وتعالى، وخدمة ديننا وأمتنا.

 

أيها الإخوة، إن من أروع أمثلة التواصل الفعَّال ما كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد كان يستمع إليهم، ويُظهر لهم الاهتمام، ويخاطبهم بما يناسب عقولهم وقلوبهم.

  • 1
  • 0
  • 90

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً