بين الخنوع والعنفوان..
منذ 2012-02-18
حين تعلو صيحات الغضب لتدكّ صرح الراحة بعد كل لوحة للظلم أيًا كان مصدره.. فيثور القلب وتنتفض الروح.. حينها فقط يتأكد المرء أنه لا زال في وجدانه بعض من حياة!
حين تعلو صيحات الغضب لتدكّ صرح الراحة بعد كل لوحة للظلم أيًا كان مصدره.. فيثور القلب وتنتفض الروح.. حينها فقط يتأكد المرء أنه لا زال في وجدانه بعض من حياة!
كنتُ أراقب يومًا من نافذة صغيرة تعامل مسؤولات مع الأولاد في باحة واسعة.. ورأيت منظرًا لا يمكن لي أن أنساه ما حييت.. أستحضر الموقف بكل تفاصيله كلما جُنَّت الذكرى.. تمسك إحداهنّ شعر طفل بكلتا يديها وتخضّ رأسه خضًا! ثم تضرب به الحائط! لأنه.. مشاغب!! ناهيك عن الصيحات التي تبلغ عَنان السماء كلما وُجدوا في تلك الفسحة!.. هذا الطفل نفسه -كما غيره- أحسبه بعد هذا التصرف أصبح مشاغبًا أكثر.. والأسوأ أنه فَقَد احترامه لذاته كما لتلك المسؤولة.. ولم يعد يفهم إلا لغة الضرب والصراخ! لينتهجها في الحياة كما عاشها مع نماذج كان يُراد لها أن تكون.. قدوة!!
فنّ تحطيم النفسية.. وازدراء الذات.. والتربية "بالتحقير".. هذا ما تلقّته فئة كبيرة من أطفالنا.. لتكبَر وهي تخشى المواجهة وإعلاء كلمة الحق.. فَقَدْ سكنها الخوف والضعف والوهن!
كما هذه الصورة لا تغيب من مخيّلتي.. كذلك صورة مسؤول في حركة إسلامية لم يعتَد أن يُقال له عكس ما يؤمن به ويريده.. فلسنوات كان الجميع يُدار كما يشاء هو لا كما يشاؤون مع مشيئته.. وحين دخل على الخط أناس لم يعتادوا الرضوخ قبل حوار "راق" دون عُجب يقودهم إلى تقديس "الأنا".. ولم يخشوا يومًا من تبيان وجهات نظرهم بإخلاص وباحترام للرأي الآخر وبتواضع.. فار التنور وانقطع حبل الوصال!! وكان مصيرهم التقريع والاستهزاء والمحاصرة! وفي نهاية المطاف حين لم يستوعبوا العمل "للدعوة" في ظل الاختناق.. يمّموا وجوههم نحو ساحة دعوية أُخرى يعطون فيها بلا حدود وبلا "تنغيص"! فكانوا "المتساقطين على الطريق"! وبقي ذاك المسؤول رابضًا في عرينه!
وفي "سياقٍ متصل".. ربُّ عملٍ أعياه "تواضع الأنَفَة" في بعض موظفيه.. فسلك كل مسلك لتحطيم "شموخهم" الذي يشرئب عند كل مفترق للظلم أو الانحدار! فيكفي أنهم "تكرّموا" عليهم بالعمل.. ومقابل الأجر الذي يتقاضونه يجب أن يبقى الرأس مدفوناً في التراب.. وأي همس عتاب أو نقد مُحِقْ يعني "تأديبًا" على طريقتهم الخاصة.. والويل لمَن جرى عليه قلم السخط.. فحينها يرى العذاب ألوانًا إن كان كريمًا لم يعتد المداهنة والانبطاح! سلسلة من "الممنوعات" لا يجوز تخطّيها.. وإلا.. توقف الراتب.. أو.. انقطع الهواء! فتعلّم "الشطّار" الدرس جيدًا.. والتزموا المثل القديم الشائع "امشِ الحيط الحيط.. لتوصل عالبيت."
فنشأت نفوس هزيلة ضعيفة.. تخشى حتى من قولة حق أو مجرد التفكير بالاعتراض.. فلقمة العيال على المحك.. وسلامتك يا "رأس"! وما لَنا ولِما يحصل حولنا.. اللهم حوالينا ولا علينا.. ويا ربّ سلِّم..
تبدأ مشاعر الضعف تنبت من البيت.. حين لا يربي الأهل أولادهم على العزّة والشجاعة الممزوجة بالاحترام.. ثم تستمر فصول المسرحية في مدرسةٍ لا تنتهج الأخلاق والمبادئ الإسلامية في التربية لتُخرج جيلًا مسلمًا قادرًا على صناعة الأحداث فيكون فاعلًا لا مفعولًا فيه راضخًا خائفًا.. وتكتمل المشاهد في التربية "الخاصة" لبعض الحركات فتجد فيها مجتمعًا مصغّرًا للمجتمع الكبير بآفاته ومشاكله!
وفي زمن الثورات اليوم.. وبذل الدماء التي تُنبِت بإذن ربها جل وعلا عزّةً وإباءً.. نصرًا وكرامة.. نعيش على أمل أن يعمّ استيقاظ الضمائر والعنفوان في كل نفس لتكسر قيد جلاّدها.. أيًا كان اسمه أو حجمه.. ابتداءً من الذات وانتهاءً بالطاغوت!
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
- التصنيف: