كن محسناً
الإحسان ثمرة عملية نقية للإيمان، ينالها من حقق العبادة وأحسن مراقبة الله فيعبد الله عبادة صحيحة على قواعد من الإيمان الراسخ ويراقب الله في السر والعلانية ويستشعر أنه تحت عين الله في كل وقت وآن.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
الإحسان ثمرة عملية نقية للإيمان، ينالها من حقق العبادة وأحسن مراقبة الله فيعبد الله عبادة صحيحة على قواعد من الإيمان الراسخ ويراقب الله في السر والعلانية ويستشعر أنه تحت عين الله في كل وقت وآن.
ورد في صحيح مسلم عن عمر ابن الخطاب: في حديث جبريل الطويل وفيه: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: « «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»» ، وفي رواية في مسلم أيضا: ««أن تخشى الله كأنك تراه، فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك»» ، وفي رواية في مسند أحمد: ««الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنه يراك»» .
قال النووي: وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين، وهو عمدة الصديقين، وبغية السالكين، وكنز العارفين، ودأب الصالحين، وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم؛ لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به.
قال في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:
وهذا من جوامع الكلم، فإن العبد إن قام بين يدي مولاه لم يترك شيئا مما قدر عليه من إحسان العمل، ولا يلتفت إلى ما سواه، وهذا المعنى موجود في عبادة العبد مع عدم رؤيته، فينبغي أن يعمل بمقتضاه إذ لا يخفى أن من يرى من يعمل له العمل يعمل له أحسن ما يمكن عمله.
أجر المحسنين:
قال تعالى لإبراهيم:
{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)} [الصافات ]
ولعلماء التفسير في تفسيرها أقوال منها :
قال الإمام ابن كثير:
وقوله : {( إنا كذلك نجزي المحسنين ) } أي : هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ، ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا ، كقوله تعالى : {( ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا )} [ الطلاق : 2 ، 3 ] .
وقد استدل بهذه الآية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل ، خلافا لطائفة من المعتزلة ، والدلالة من هذه ظاهرة ، لأن الله تعالى شرع لإبراهيم ذبح ولده ، ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء ، وإنما كان المقصود من شرعه أولا إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك.
قال الإمام الطبري:
وقوله {( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )} يقول: إنا كما جَزَيْناك بطاعتنا يا إبراهيم، كذلك نجزى الذين أحسنوا، وأطاعوا أمرنا، وعملوا في رضانا.
قال الإمام القرطبي :
قوله تعالى : {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي نجزيهم بالخلاص من الشدائد في الدنيا والآخرة .
قال الإمام البغوي :
ثم ابتدأ فقال : ( { إنا كذلك نجزي المحسنين } ) والمعنى : إنا كما عفونا إبراهيم عن ذبح ولده نجزي من أحسن في طاعتنا . قال مقاتل : جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه .
قال الإمام السعدي :
{{ وَنَادَيْنَاهُ }} في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش: {{ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ }} أي: قد فعلت ما أمرت به، فإنك وطَّنت نفسك على ذلك، وفعلت كل سبب، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه {{ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } } في عبادتنا، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: