فاز من في حياته إنجاز
لكل منا هدف في حياته يسعى إليه، ولأجل تحقيقه يبذل الغالي والنفيس، وعند تحقيقه وإنجازه يعتقد أنه قد فاز في حياته، وهذا لا بأس به إذا لم يصرفنا عن الفوز الحقيقي.
لكل منا هدف في حياته يسعى إليه، ولأجل تحقيقه يبذل الغالي والنفيس، وعند تحقيقه وإنجازه يعتقد أنه قد فاز في حياته، وهذا لا بأس به إذا لم يصرفنا عن الفوز الحقيقي.
الفوز الحقيقي! ما هو الفوز الحقيقي؟
نعم فالحياة في هذه الدنيا مهما طالت فلا بد لها أن تنقضي، وينقضي معها أشخاصنا، وفي الغالب إنجازاتنا، وبعدها تفنى الدنيا بما فيها.
إذًا فهذه الدنيا ليست بدار الإقامة، ومهما حققنا فيها من إنجاز فهو زائل، قال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].
إذًا فإن الفوز الحقيقي ليس في الدنيا؛ بل هو في الآخرة، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
ولتحقيق ذلك يجب معرفة ثلاثة أمور والعمل على إدراكها في حياة كل منا:
أولها: ما اسمك عند الله؟
اسمي عند الله، ماذا تعني؟ أليست أسماؤنا عبد الله وأحمد وعمر وحسن وفاطمة ومريم؟
لتوضيح ذلك أروي لكم هذا الحديث، لما صعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جبل أُحُد رجف بهم، فهل قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «اثبت أحد؛ فإنما عليك محمد وأبو بكر وعمر وعثمان»؟
لا لم يقل ذلك، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: «اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»[2].
إذًا لقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أسماء أخرى غير أسماء الذوات، والآن قل لي: ما اسمك عند الله؟
هل يقال لك يوم القيامة أو ساعة الوفاة حين تصعد روحك إلى بارئها: هذه روح الشهيد فلان بن فلان أو الصديق فلان بن فلان أو العابد أو الزاهد أو المتصدق...أم يقال لك والعياذ بالله: هذه روح المنافق أو المشرك أو الكذاب فلان بن فلان.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا»[3].
فانظروا إلى تسمية الله، إنه سمَّى الصادق صدِّيقًا والكاذب كذابًا.
هل أنت واحد ممن وصفهم الله في كتابه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
فاحرص على اسمك عند الله، قد لا تعلمه في الدنيا ولكن بإمكانك بناء ذلك الاسم وتنميته.
ثانيها: ما منزلتك عند الله؟
اعلم -رعاك الله- أن منزلتك عند الله هي انعكاس لمنزلة الله في قلبك. فمن عَظَّم شعائر الله وأوامره، كانت منزلته عظيمة عند الله، والعكس بالعكس.
ألم تسمع لقول الله جل جلاله في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»[4].
وإليك موقف آخر، كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أمة سوداء تقمُّ[5] المسجد، فافتقدها الرسول صلى الله عليه وسلم فترة فسأل عنها، فقالوا: لقد ماتت يا رسول الله، قال لهم: هلا أذنتموني؛ أي: «أعلمتموني بموتها»، دلوني على قبرها. فذهب فصلَّى عليها واستغفر لها.
انظر أخي إلى منزله تلك الصحابية الأمية الفقيرة التي لا يؤبه لها، ما أعظم منزلتها عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم!
فاعمل أن تكون منزلتك عظيمة عند الله.
ثالثها: ما رصيدك عند الله؟
إذا أدخلت بطاقة الصراف في الآلة وأردت سحب كمية من النقود، فإن كان لديك رصيد في البنك فإنك بلا شك تستطيع السحب؛ وإلا فإنك لن تستطيع، وكذلك عدد مرات السحب وكميات النقود تعتمد على كمية رصيدك لدى البنك، وهكذا.
ورصيدنا عند الله هو مقدار ما لدينا من أعمال صالحة عند الله. وليتضح ذلك نسوق مثالين اثنين:
قصة نبي الله يونس عليه السلام لما التقمه الحوت وهو مليم، لماذا أنجاه الله من كربته، لنستمع لقــوله تعــالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143، 144].
إذًا لولا أعماله الصالحة وعباداته وتسبيحه في أيامه الخالية لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
والقصة الأخرى قصة الثلاثة الذين أحصروا في الغار، فإنهم دعوا الله بصالح أعمالهم التي عملوها خالصة لوجهه تعالى، أما أحدهم فكان بارًّا بوالديه، وأما الآخر فعفَّ عن الزنا مع تمكنه منه خوفًا من الله عز وجل، والثالث عامل أجيره بالكرم والشهامة فنمَّى له ماله ابتغاء ما عند الله.
تخيل أنك معهم في ذلك الموقف العصيب وجاء دورك، هل تستطيع أو هل لديك عمل لوجه الله تستطيع أن تدعو الله به فيفرج لك كربتك؟
إذًا فلنحرص جميعًا من الآن على أن نخلص لله العبادة، وأن نراجع نيَّاتنا، عسى أن يكون لنا عند الله رصيد يفرج الله به كربنا في الدنيا والآخرة.
[1] بتصرف من كلمة للشيخ صلاح الفاخر في ملتقى ركاز بمركز المثنى التجاري بدولة الكويت عام 2009.
[2] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3675).
[3] رواه مسلم في البر والصلة والأدب (6582)، الترمذي (1971)، وأبو داود في الأدب (4989)، البر: اسم جامع لكل صفات الخير.
[4] متفق عليه: رواه البخاري في التوحيد (7405) ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2675).
[5] تقمُّ: أي تنظِّف وتميط الأذى.
_________________________________________________________
الكاتب: حكم بن عادل زمو النويري العقيلي
- التصنيف: