الجاهلية الحديثة أو ما يسمى بـ(العلمانية)

منذ 11 ساعة

هذا مقتطف مختار (بتصرف) من كتاب قيم عنوانه: (الموجز في المذاهب والأديان المعاصرة) للشسخ د.ناصر بن عبد الكريم العقل حفظه الله تعالى، والآن مع المادة المختارة

 

هذا مقتطف مختار (بتصرف) من كتاب قيم عنوانه: (الموجز في المذاهب والأديان المعاصرة) للشسخ د.ناصر بن عبد الكريم العقل حفظه الله تعالى، والآن مع المادة المختارة:

العلمانية تأتي لمعان منها العالمية، ومنها اللادينية، ومنها فصل الدين عن الدولة وعن السياسة أو عن (الحياة، وكلمة (العلمانية) اصطلاح جاهلي غربي يشير إلى انتصار (العلم) على الكنيسة النصرانية التي حاربت التطور باسم الدين.

إذن فالعلمانية في اصطلاح الغربيين تعني: فصل الدين عن شؤون الحياة، وعزله في الضمير وفي الكنيسة.

والعلمانية بمفهومها هذا تعتبر في ميزان الإسلام مفهوماً جاهلياً إذ تعني (عزل الدين عن شؤون الحياة)، وذلك أن الإسلام دين متكامل جاء لينظم الحياة بجميع نشاطاتها ويوجه الناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.

وإبعاد الدين عن الحياة وعن شؤون الدنيا، وعزله عن السياسة والاقتصاد والأسرة والمجتمع والتعليم وغيرها: إنما يعني في الإسلام الكفر وحكم الجاهلية والصدُّ عن سبيل الله، وتعطيل حدوده، لذلك ينبغي أن نطلق على العلمانية (الجاهلية الحديثة).

كما أن اسم (العلـمـانـيـة) يوحي بأن العلم والدين ضدان وأن الصراع قائم بينهما، كما يوحي بأن الدين لا علاقة له بالدنيا، وأن التمسك به يعني التأخر والجهل، وهذا خطأ فاحش، لأن الدين - الذي هو الإسلام - هو دين العلم والسعادة والتقدم، ولا يخفى على الغربيين أنفسهم - فضلاً عن المسلم - أن الإسلام هو الذي فتح لهم آفاق العلم والاختراع والتقدم والحضارة.

والسبب الأول في تسمية (الجاهلية) علمانية، هو ما فعله رجال الكنيسة النصرانية الذين وقفوا ضد التحضر والتقدم في الغرب زاعمين أن الدين - دينهم المحرف - يحرم العلم التجريبي والاختراعات والاكتشافات الناتجة عنه.

تاريخ العلمانية في العالم الإسلامي:

بدأت فكرة العلمانية تغزو العالم الإسلامي منذ أكثر من قرن، لكنها لم تتمكن إلا في بداية هذا القرن العشرين الميلادي) حين طبقت على مستوى الدولة على أنقاض الخلافة العثمانية، ثم سرت إلى بقية العالم الإسلامي، وكانت هناك عدة عوامل رئيسية ساعدت على ظهور (الجاهلية الحديثة بين المسلمين، أهمها:

  • انحراف كثير من المسلمين عن العقيدة السليمة وكثرة البدع والأهواء وقلة الفقه في الدين بينهم.
  • الاحتلال الغربي للعالم الإسلامي، فقد حرص الغربيون على إبعاد الإسلام من واقع الحياة وسياسة الدولة، واستبدلوا به مناهج علمانية غربية (إلحادية).
  • الأقليات غير المسلمة كالنصارى واليهود والشيوعيين وأصحاب الاتجاهات المنحرفة من جمعيات وأحزاب ونحوهم، وكل هؤلاء لا ينعمون بضلالهم وانحرافهم وفسادهم إلا تحت شعار کشعار ما يسمى بالعلمانية، لذلك تضافرت جهودهم على نشرها وبثها والدعاية لها حتى انخدع بذلك كثيرون من السذج وأنصاف المتعلمين من أبناء المسلمين.
  • تقدم الغرب الهائل في مضمار العلم المادي والقوة العسكرية جعل كثيرين من المسلمين ينبهرون بذلك التقدم ويعزونه إلى الاتجاه الجاهلي الحديث (العلماني)، وصدقوا دون تفكير مزاعم الكفار بأن الدين معيق للعلم، وظنوا أن بلادهم لا تتـقـدم حتى تفصل الدين - الإسلام - عن الدولة والحياة وهذا لا شك جهل بالإسلام جنى ثماره النكدة جميع المسلمين.
  • تمكن عملاء الغرب والمخدوعين به، وأصحاب الاتجاهات والمذاهب المنحرفة من الحكم والسلطة في أكثر بلاد المسلمين بدعم من أسيادهم.

 أبرز الاتجاهات الجاهلية (العلمانية) في العالم الإسلامي:

العلمانية في تركيا قامت العلمانية أولاً في تركيا على أنقاض الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وحاربت الإسلام حرباً عنيفة ومنظمة وعلى النحو التالي:

  • إلغاء الخلافة الإسلامية، لأنها وسيلة لجمع المسلمين كلهم وهذا أمر يشكل خطراً على الغرب، وتحاربه الجاهلية الحديثة (العلمانية).
  • محاربة الإسلام والمظاهر الإسلامية في تركيا وسائر بلاد المسلمين، وتربية جيل جاهلي يتنكر للدين والفضيلة.
  • محاربة اللغة العربية - لغة الإسلام، وتحريم التكلم بها والكتابة بحروفها، واستبدال اللغة التركية والحروف اللاتينية بها.
  • إلغاء الشعائر الإسلامية التي ترمز إلى إسلام الشعب التركي مثل: الآذان، والصلاة جماعة، وقراءة القرآن، ولبس العمامة ونحو ذلك.

وهكذا سارت تركيا بهذا الاتجاه تريد العزة والرفعة والمجد فأصابها الله بالذلة والهوان والضعف، وتلك سنة الله في المسلمين، فإنهم ما طلبوا العزة بغير الإسلام إلا نكبوا وذلوا، أما الكفار فقد قال الله تعالى فيهم: { ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)} [هود: ١٥، ١٦].

 العلمانية في مصر وبعض البلاد العربية:

بدأت العلمانية في مصر اتجاهاً فكرياً في الثلاثينات من هذا القرن العشرين الميلادي - خاصة أيام الاحتلال البريطاني، وقد خطت مصر خطوات نحوها آنذاك، وبرز دعاة إليها في كثير من جوانب الحياة أمثال:

  • قاسم أمين في الجانب الأخلاقي والأسرى.
  • الدكتور طه حسين في جانب الثقافة والأدب والفكر.
  • الشيخ علي عبد الرازق في الجانب السياسي والتشريعي.  

وغيرهم كثيرون كسلامة موسى وسعد زغلول، ولطفي السيد.

وبالرغم من هذه الاتجاهات القوية نحو الجاهلية الحديثة إلا أنها لم تكن ذات أثر في واقع الشعب المصري والدولة المصرية، إلا بعد الثورة التي قادها عبد الناصر عام ١٩٥٢م والتي تبنت في واقع الشعب ما يسمى بالعلمانية وأقامت عليها الدولة، ومن أهم الخطوات التي حققتها هذه الثورة في سبيلها ما يلي:

  • الإشادة بالقومية العربية باعتبارها بديلة عن الإسلام في جمع كلمة العرب.
  • تبني الاشتراكية باعتبارها نظاماً اقتصادياً بديلاً عن أحكام الإسلام وتشريعاته، وإبرازها بأنها هدف سام من أهداف الدولة والشعب.
  • البحث عن بدائل ثقافية وفكرية، وعقائد للشعب المصري، كالفرعونية بدلاً عن الإسلام، والبحث عن بذور الجاهليات الأولى لتكون مرتكزات جديدة للمصريين.
  • تحويل حماس الشعب والأمة عن الجهاد في سبيل الله إلى نضال في سبيل القومية والاشتراكية والحرية والعروبة.
  • استبعاد التشريع الإسلامي من الحياة ووضع (الميثاق) كبديل عنه ليكون الميثاق المصدر الأساسي للتشريع والتوجيه في الدولة، ثم تلته قوانين وضعية لا تزال هي السائدة حتى الآن.
  • تصدير الثورة بما تحمله من علمانية واشتراكية وشعارات غير إسلامية إلى الدول العربية والعالم الثالث وهذا ما حصل فعلاً، كما مهدت لقيام شعارات جاهلية أخرى كالبعثية.

وبهذا ترسخت العلمانية في مصر وبعض الدول العربية التي سارت في التيار الجاهلي (العلماني) الوافد، وكذلك بقية العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا، رسخ المحتلون فيه هذا الاتجاه حتى صار هو صبغة الشعوب الإسلامية الآن.  

والنتيجة:

أن أصبحت العلمانية - أي: الحكم بغير ما أنزل الله وفصل الدين عن الدولة - هي المهيمنة على غالب العالم الإسلامي في الحكم والتشريع والتعليم والنظام الاجتماعي والاقتصادي، ولم تبق دولة لم تهيمن عليها العلمانية إلا المملكة العربية السعودية، نسأل الله أن يحميها من الضلالة وأن يوفق المسئولين فيها للحفاظ على هذه النعمة وأن يرعوها حق رعايتها.

حكم الإسلام فيما يسمى بالعلمانية:

الجانب التشريعي:

العلمانية في الجانب التشريعي: تعني فصل الدين عن الدولة أو عن الحياة كلها، وهذا يعني الحكم بغير ما أنزل الله، وقد فصَّل علماء العقيدة الحكم بهذا على النحو التالي:

  • إذا وقع الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، والحاكم (سواء كان فرداً أو مجموعة) يرى أن حكم الله غير صالح، أو غير جدير، أو أن الحكم البشري أصلح وأكمل من حكم الله، فهذا كفر.
  • وإذا وقع ذلك عن جهل أو ضعف مع اعتقاد أن حكم الله أصلح وأحق وأجدر فهذا فسق وظلم، ويجب على المسلم أن يتوب منه وأن يرجع إلى الله.

في الجانب العقدي:

والعلمانية من الجانب العقدي تعني الإلحاد أو التنكر للدين وعدم الإيمان به، وترك العمل بأحكامه وحدوده وهذا هو الكفر الصريح.

في الجانب الأخلاقي:

ومن الجانب الأخلاقي تعني: الانفلات والفوضى في إشاعة الفاحشة والرذيلة والشذوذ والاستهانة بالدين والفضيلة وسنن الهدى، وهذا ضلال مبين وفساد في الأرض.

والعلمانيون في العالم الإسلامي يعرفون بالاستهانة بالدين والتهكم والاستهزاء بالمتمسكين به كما يعرفون بظهور المعاصي على سلوكهم ومظاهرهم وألسنتهم.

كما يعرفون بإثارة الشبهات وإشاعة الفواحش كالسكر والتبرج والاختلاط المحرم، ونشر الرذائل، ومحاربة الحشمة والفضيلة والحدود الشرعية والاستهانة بالسنن، كما يعرفون أيضاً بحب الفساق و الكفار) والإعجاب بمظاهر الحياة الغربية وتقليدها.) انتهت المادة المختارة.

وهكذا، أيها الأحبة، رأينا كيف أن هذه الجاهلية الحديثة، التي لبست ثوب العلم، ما هي إلا امتدادٌ للجاهليات القديمة التي حاربها الإسلام يوم جاء بالنور، وكشف عن العقول غشاوة الضلال. فليست العلمانية إلا وثنًا جديدًا، يُعبد من دون الله، وليس شعارها إلا صدىً لما قاله المشركون من قبل.

أليس فيكم رجلٌ رشيد يصرخ في وجوههم: كفى! كفى خداعًا باسم العلم، وكفى عبثًا بمصائر أمةٍ جعلها الله خير أمة أُخرجت للناس؟ أليست لكم قلوبٌ تفقهون بها، وأعينٌ تبصرون بها، وأسماعٌ تسمعون بها؟ أما آن لهذا الليل أن ينجلي، ولهذا الفجر أن يبزغ، ولهذا الدين أن يعود ليقود الدنيا كما قادها يومًا، حيث لا جاهلية تحكم، ولا باطل يسود، بل "لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [التوبة: ٣٣].

 

أفق أيها المسلم! لا تكن كمن قال الله فيهم: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: ٧]. فكم خدعونا بأضواء زائفة، وزينوا لنا سرابًا نحسبه ماءً! وكم أذاقونا الهوان باسم التحرر، وسلبوا منا العزة باسم التطور! إن الإسلام هو النور، ومن أعرض عنه فهو غارق في الظلمات.

أما آن لنا أن نعود؟ أما آن أن نرفع شعارنا الحق والعدل: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" [يوسف: ٤٠]؟ أما آن لنا أن نصرخ في وجوه هؤلاء المتخاذلين: أن الإسلام باقٍ مهما حاولتم، وأن دين الله ظاهرٌ ولو كرهتم، وأن نور الحق لابد أن يخترق دياجير ظلامكم.

اللهم اجعل لنا من أمرنا رشدًا، واهدِ قلوبنا إلى الحق، وثبّتنا عليه حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: ٢١].

  • 1
  • 0
  • 69

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً