ثواب الصدقة على الأقارب

منذ 18 ساعة

من الأعمال التي يؤتي الباري سبحانه أهلها الأجرَ مرتين - الصدقة على الأقارب الفقراء، فإن الله تعالى يجعلها اثنتين، صدقة وصلة.

من الأعمال التي يؤتي الباري سبحانه أهلها الأجرَ مرتين - الصدقة على الأقارب الفقراء، فإن الله تعالى يجعلها اثنتين، صدقة وصلة؛ عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقنَ يا معشر النساء ولو مِن حُليكنَّ»، قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فائته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرَفتها إلى غيركم، فقال عبد الله: بل ائته أنت، فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حاجتها حاجتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُلقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال رضي الله عنه، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبِره أن امرأتين بالباب يسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تُخبره من نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن هما»؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الزيانب»؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة» [1].

 

ذكر ما يُستفاد منه:

احتج بهذا الحديث الشافعي وأحمد في رواية، وأبو ثور وأبو عبيد وأشهب من المالكية، وابن المنذر وأبو يوسف ومحمد، وأهل الظاهر، وقالوا: يجوز للمرأة أن تعطي زكاتها إلى زوجها الفقير، وقال القرافي: كرِهه الشافعي وأشهب، واحتجوا أيضًا بما رواه الجَوْزجاني عن عطاء قالت: أتت النبي امرأة فقالت: يا رسول الله، إن عليَّ نذرًا أن أتصدَّق بعشرين درهمًا، وإن لي زوجًا فقيرًا، أفيجزئ عني أن أُعطيه، قال نعم، كفلان من الأجر.

 

وقال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة ومالك، وأحمد في رواية، وأبو بكر من الحنابلة: لا يجوز للمرأة أن تعطي زوجها من زكاة مالها، ويُروى ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه، وأجابوا عن حديث زينب بأن الصدقة المذكورة فيه، إنما هي من غير الزكاة، وقال الطحاوي وقد بيَّن ذلك ما رُوي عن رائطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود، وكانت امرأة صناعًا، وليس لعبد الله بن مسعود مال، وكانت تنفق عليه وعلى ولده معها، فقالت: والله لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدَّق معكم بشيء، فقال: ما أحب أنه لم يكن لك في ذلك أجرٌ أن تفعلي، فسألت رسول الله هي وهو، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة ذات صنعة أَبيع منها، وليس لولدي ولا لزوجي شيء، فشغلوني فلا أتصدَّق، فهل لي فيهم أجرٌ، فقال: «لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم، فأنفقي عليهم».

 

ففي هذا الحديث أن تلك الصدقة مما لم يكن فيه زكاة، والدليل على أن الصدقة كانت تطوعًا كما ذكرنا: قولها: كنت امرأة صناعًا، أَصنع بيدي فأبيع من ذلك، فأُنفق على عبد الله، فإن قلت: لِمَ لا يجوز أن يكون المراد من الصدقة التطوع في حقِّ ولدها، وصدقة الفرض في حق زوجها عبد الله؟ قلت: لا مساغ لذلك لامتناع الحقيقة والمجاز حينئذ[2].

 

سلمان بن عامر: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا أفطر أحدكم فليُفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمرًا فالماء فإنه طهور، وقال: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة»[3].

 

(الصدقة على المسكين) الأجنبي (صدقة) فقط، (وهي على ذي الرحم اثنتان)؛ أي: صدقتان اثنتان (صدقة وصلة)، فهي عليه أفضل لاجتماع الشيئين، ففيه حثٌّ على الصدقة على الأقارب، وتقديمهم على الأباعد، لكن هذا غالبي، وقد يقتضي الحال العكس، ولهذا قال ابن حجر: عقب الخبر لا يلزم من ذلك أن يكون هبة ذي الرحم أفضلَ مطلقًا، لاحتمال كون المسكين محتاجًا، ونفعه بذلك متعديًا، والآخر بعكسه[4].

 

أبو طلحة وبيرحاء رضي الله عنه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخلٍ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويَشرَب من ماء فيها طيبٍ؛ قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه[5].

 

يقول بدر الدين العيني - رحمه الله - ذكر ما يستفاد منه فيه أن الرجل الصالح قد يضاف إليه حبُّ المال وقد يضيفه هو إلى نفسه، وليس في ذلك نقيصة عليه، وفيه اتخاذ البساتين والعقار، وقال ابن عبد البر: وفيه ردٌّ لِما يُروى عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: لا تتخذوا الضيعة، فترغبوا في الدنيا، وفيه إباحة دخول العلماء البساتين، وفيه دخول الشارع حوائط أصحابه وشربه من مائها، وفيه أن كسب العقار مباح إذا كان حلالًا، ولم يكن بسبب ذلٍّ ولا صَغار، فإن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كرِه كسبَ أرض الخراج، ولم يَرَ شراها، وقال: لا تجعل في عنقك صغارًا، وفيه إباحة شرب من ماء الصديق، وكذا الأكل من ثماره وطعامه؛ قال أبو عمر رحمه الله -: إذا علِم أن نفس صاحبه تطيب بذلك، وفيه دلالة للمذهب الصحيح أنه يجوز أن يقال: إن الله تبارك وتعالى يقول كما يقال أن الله تعالى قال خلافًا لِما قاله مطرف بن عبد الله بن الشخير؛ إذ قال: لا يقال الله وتعالى، يقول: إنما يقال: قال الله، أو الله عز وجل، كأنه ينجر إلى استئناف القول، وقول الله قديم، وكأنه ذَهِلَ عن قوله عز وجل: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُو يَهْدِي السَّبِيلَ}[الأحزاب: 4]، وفيه استعمالُ ظاهر الخطاب وعمومه، ألا ترى أن أبا طلحة حين سمع {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، لم يَحتج أن يقف حتى يردَّ عليه البيان عن الشيء الذي يريد الله عز وجل أن يُنفق عباده منه إمَّا بآية أو سُنة تبيِّن ذاك[6].

 

وأخرج البخاري ومسلم واللفظ له من حديث جابر رضي الله عنه قال: أعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ[7]، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟» فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عبداللهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ» [8].

 

أهل البيت شركاء في أجر الصدقة: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مُفسدة، فلها أجرها وللزوج بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك» [9].

 

صلة الرحم تدفع عن الواصل الخزي: فقد أخرج البخاري في كتاب بدء الوحي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصالحة فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَالتحنث هُو التَّعَبُّدُ -اللَّيَالِيَ أُولاَتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوفِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ... الحديث، وفيه: فدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ رضي الله عنها فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي»، وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»، قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: كَلاَّ، أَبْشِرْ، فَوَاللّهِ لاَ يُخْزِيكَ الله أَبَدًا، وَاللّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ ابن عم خديجة رضي الله عنها..... [10] الحديث.

 


[1] أخرجه البخاري ح 1393 ومسلم ح 1000.

[2] عمدة القاري ج 9 - ص 32].

[3] رواه أحمد ح 16272، وسنن الترمذي، ج 3 - ص 46، ح 658، وابن ماجه ح 1844، والنسائي ح 2582، وقال الشيخ الألباني: (صحيح)؛ انظر حديث رقم: 3858 في صحيح الجامع.

[4] فيض القدير ج 4 - ص 237.

[5] صحيح البخاري ج2 - ص 530.

[6] عمدة القاري ج 9 - ص 30.

[7] دبر: أي علق عتقه بموته، فقال: أنت حر يوم أموت.

[8] مسلم: (2/ 692 - 693) (12) كتاب الزكاة (13) باب الابتداء في النفقة بالنفس... - رقم (41).

[9] متفق عليه: رواه البخاري «1441» ومسلم «1024».

[10] متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 22، كتاب بدء الوحي (1)، باب (3)، الحديث (3)، وفي 8/ 715، كتاب التفسير (65)، سورة ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، (96)، باب (1)، الحديث (4953)، وفي 12/ 351 - 352، كتاب التعبير (91)، باب أول ما بُدئ به رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة (91)، الحديث (6982)، وأخرجه مسلم إلى قوله: ... نصرًا مؤزرًا في الصحيح 1/ 139 - 142، كتاب الإِيمان (1)، باب بدء الوحي إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - (73)، الحديث (252/ 160).

________________________
الكاتب: السيد مراد سلامة

  • 0
  • 0
  • 38

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً