عذرًا... لو كان غير رمضان لَآثرتُكم به
هل شعرت يومًا أن رمضانَ يمضي أسرعَ مما تتمنى؟ هل راودك الإحساس بأنه ينفلتُ من بين يديك قبل أن تُحقِّق ما كنت ترجوه؟
بقلم/ فاطمة الأمير
هل شعرت يومًا أن رمضانَ يمضي أسرعَ مما تتمنى؟
هل راودك الإحساس بأنه ينفلتُ من بين يديك قبل أن تُحقِّق ما كنت ترجوه؟
مع كل عام يمر، ندخل رمضانَ بحماس، نخطط للأعمال الصالحة، نحلم بختمات متعددة وساعات طويلة من القيام، لكن سرعان ما نجد الأيام تتسارع، والأوقات تضيع في تفاصيلَ لم تكن في الحسبان.
أتعجب دائمًا من ازدحام الشوارع، ومن السهر على المسلسلات والبرامج التي صُممت عمدًا لتسرق منا رمضان، وكأنها خطة مُمنهجة لإلهائنا عن خير أيامنا، وكأن الشهر لا يختلف عن غيره، بينما هو أيام معدودات، وفرصة نادرة، ونفحات قد لا تتكرر.
رمضان ليس مجرد أيام نصومها، بل حياة أخرى نعيشها، أبواب السماء فيها مفتوحة، والعطايا تُغدق بلا حساب، فأين نحن من هذا الخير العظيم؟
كم ليلةٍ مضت ونحن نقول: سنبدأ غدًا! وكم عمل صالح أجَّلناه حتى مضى الشهر وانتهت الفرصة! هل حقًّا نقدِّر هذه الأيام كما ينبغي؟
إنه شهر يختلف عن كل الشهور، أيامُه معدودة، ولياليه مشهودة، يُسرع بنا كسرعة البرق، وما إن نستقبله حتى نجد ثلُثه قد مضى، والثلث كثير!
ليتنا ندرك قيمته قبل أن ينقضي، ليتنا نشعر بعِظم اللحظات التي نعيشها الآن، قبل أن نصحو على وداعه، ونتحسر على ما فاتنا فيه.
ما زال أمامك ليالٍ ثمينة، فلا تضيِّعها، اجعلها مواسم للحصاد، واغتنمها قبل أن تتحسر على ما فات.
أغلِق بابك، وانقطع إلى الله، واجتهد في الطاعة، فهذه أيام لا تشبه غيرها، ونفحات قد لا تتكرر، فكم من شخص كان بيننا في رمضان الماضي ولم يدركه هذا العام!
قلِّل من نومك وراحتك، وادعُ الله قائلًا: اللهم اكفِني بالقليل من النوم، وقلِّل من طعامك وشرابك لتشعر بخفة تُعينك على العبادة، فالقليل منهما يكفي لمن جعل زادَ روحه أهمَّ من زاد جسده.
وفرِّغ قلبك لله وحده، فلا يليق أن يزاحمه أحد في هذا الشهر، فاللحظات في رمضان إن مضت لا تُعوض.
تتسارع الأيام بلا توقُّف، نصلي الفجر، فإذا بالمغرب يصدح أذانه، ثم يحل السحر، وهكذا تمضي الليالي وكأنها تفلت من بين أيدينا.
وهذا ما يُحزن القلب؛ كم ليلة مضت دون أن نشعر بقيمتها! وكم ختمة تمنَّينا أن نُتمها، لكن التسويف كان أسرع! وكم سجدة فاتتنا وسط انشغال لا يستحق!
كم مرة أتى رمضان فكنا نضع الخطط، نُعد أنفسنا بالمزيد من الطاعات، نحلم بختمات أكثر وساعات قيام أطول! لكن أين نحن الآن من تلك الأحلام؟
وأين الذين كانوا يشاركوننا الدعاء والعبادات؟ بعضهم رحل، وبعضهم غاب، ولم يبقَ إلا الأثر.
فهل سنكون العام القادم من الراحلين أم من المُدركين لهذه الفرصة العظيمة؟
يقول الله عز وجل: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾} [الحشر: 18]، هذه الآية تُنبهنا إلى حقيقة يغفُل عنها الكثيرون: كل يوم يمر هو خطوة نحو الآخرة، وكل عمل نفعله اليوم هو زاد ليوم سنقف فيه بين يدَي الله.
فكما نخطط لمستقبلنا في الدنيا، علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا ليوم اللقاء؟ هل استغللنا مواسم الطاعة كما ينبغي؟
فيا باغي الخير، أقْبِل، أقبِل قبل فوات الأوان، أقبل قبل أن تتحسر على ما فات، قبل أن تُطوى الصحائف، قبل أن يصبح رمضان ذكرى بعيدة، قبل أن يأتي يوم تتمنى فيه ركعة واحدة فلا تستطيع.
الفرصة ما زالت بين يديك، فلا تُضيع النفحات الإيمانية لهذا الشهر المبارك؛ وتذكر قوله تعالى: {﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾} [الزخرف: 72]، فالجنة ليست حلمًا بعيدًا، بل ثمرة لما نقدمه في أيام الطاعة، لمن اجتهد ولم يفرِّط، لمن صبر وثابر حتى آخر لحظة
وكلما حاولَت الدنيا أن تأخذك بعيدًا، أو شغلتك حتى لا تسكن روحك في تلك الليالي، وكلما حاول الناس من حولك إلهاءك، فحدِّث نفسك: لو كان غير رمضان لآثرتكم به، لكنه رمضان، لا وقتَ للتفريط، لا وقت للانشغال بغير الطاعة، فهل من مُشمِّر؟
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألَا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» ؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
فشمِّر لها ساعديك، وابذل لها جهدك، فالموسم يمضي سريعًا، والجنة تستحق.
فاطمة الأمير
كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.
- التصنيف: