معالم الموجة التشكيكية المعاصرة وسماتها وطبيعة التأثر بها
(سابغات) هو كتاب مهم ويهدف إلى (الوقاية الفكرية من شبهات الملحدين ومنكري السنة) لمؤلفه صاحب الأسلوب السهل الشيخ: أحمد يوسف السيد حفظه الله
(سابغات) هو كتاب مهم ويهدف إلى (الوقاية الفكرية من شبهات الملحدين ومنكري السنة) لمؤلفه صاحب الأسلوب السهل الشيخ: أحمد يوسف السيد حفظه الله المشرف على الكثير من البرامج الرائدة والنافعة مثل: برنامج البناء المنهجي، أكاديمية الجيل الصاعد، برنامج البناء الفكري، برنامج عالم، برنامج صناعة المحاور وغيرها من البرامج، والآن مع المادة المختارة بتصرف وهي بعنوان:( معالم الموجة التشكيكية المعاصرة وسماتها وطبيعة التأثر بها):
معالم الموجة التشكيكية المعاصرة وسماتها:
- أولًا: هذه الموجة في غالبها هدمية لا بنائية، فوضوية لا منهجيّة؛ تثير الإشكالات، وتُبرِز الاعتراضات، ثم لا تقدم رؤية أو فكرة بديلة متماسكة، ويظهر هذا في صور واقعية متعددة:
منها: أن المتابع للطرح الإلحادي يجد في كثير منه البعدَ عن تقرير الفكرة الإلحادية الأساسية، وهي نفي وجود الخالق، وإنما تجد أكثر اهتمامهم بنقد الدين - وخاصة الإسلام -، مع وجود الثغرات الكبرى في صميم الفكرة الإلحادية ذاتها، ولكنهم يُعرضون عنها، ولا ينشغلون بالإجابة عن الأسئلة الحقيقية التي تواجه اعتقادهم، وإنما ترتفع أصواتهم استهزاء بحديث بول البعير، وخبر سِنّ عائشة عند الزواج، وإذا ارتقوا قليلًا تحدثوا عن عقوبة الردة، وحد الرجم، وهذا يُبرز سمة الفوضى والهدم، في مقابل الانتظام والبناء.
وهكذا ترى أن القضايا الكبرى عند أصحاب الفكر الإلحادي مشوشة، غير قائمة على بنيان، وبدل أن يقيموا الدلائل على صحة فكرتهم، صاروا يتوجهون إلى الأديان بالطعن والهدم.
ومن الصور أيضًا للطرح الهدمي غير المنهجي: مشروع د. عدنان إبراهيم، وهو من أكثر المشاريع تأثيرًا في السنوات الأخيرة، عبر المقاطع التي تنشر خطبه وآراءه، وهو إن استفاد منه بعض الناس إيمانيًا أو معرفيّاً- إلا أنه لا يقدم رؤية معرفية بنائية متماسكة بقدر الاضطراب المنهجي الذي يمارسه ومن ثم ينتقل إلى جمهوره، فالمتابع له لا يخرج بموقف واضح تجاه عدد من القضايا الشرعية المهمة التي أكثر الحديث عنها؛ كالموقف من السُّنَّة، فتارة يجد منه تعظيمًا لأصح الكتب في هذا المجال: صحيح البخاري، إذا كان ذلك في سياق استدلاله بحديث منه على قضية يؤيدها، ثم يجده في مقام آخر، وفي حديث من الصحيح نفسه، يُنْزِل بالكتاب وصاحبه إلى الحضيض إذا كان مما لا يؤيده، ويستعمل في ذلك ألفاظًا قاسية للتعبير عن الاستنكار والاستبشاع والاستفظاع، حتى أنه ليُخيّل لك أن البخاري إنما كان بائع حلوى، أو سائس خيول، لا عالمًا جهبذًا قل في التاريخ نظيره.
وكثيرًا ما يكتسب المتابع له جُرأة على الثوابت والمُسلّمات دون مفاتيح منهجية، ودون اعتبارات فقه الخلاف وأدبه، فيتعامل أحدهم مع النصوص بناء على بوابته المعرفية والفكرية ـ التي يظنها العقل الصريح -؛ فيُدخل من النصوص ما ناسب فهمه، ويرد منها ما لا يناسبه.
ولم يكن دافعي إلى هذا الكلام محاربة التجديد، ولا مُنطلقي فيه الرضى بالواقع العلمي الذي نعيشه، وإنما هو رفض التجديد الذي ينبني على الاضطراب المنهجي، وعلى الثورة الهدمية النقضية لا على الرؤية البنائية، أو النقد المنهجي العادل، إذْ إنَّ هذه الفوضى لن تكون مخرجًا لما نحن فيه من تأخر في مجالات العلم والتفكير والمعرفة، بل إنها تكرس هذا التأخر وتزيده تعقيدًا.
وقد وقفت على حالات ترك أصحابها الإسلام، مصرحين بأن أول خطوة في انحدارهم ذلك كانت: متابعة عدنان إبراهيم، ثم الانحدار إلى «شحرور»، ثم السقوط إلى المذهب الربوبي أو الإلحاد، ولا أظن أن هذه النتيجة هي ما نسعى إليه من تجديد!.
ثانيًا: هذه الموجة مُحمَّلة بالأسئلة المفتوحة دون حدود؛ ولا يوجد سؤال يُمكن أن يُستبعد منها، سواء ما كان منها متعلقًا بالله سبحانه، أو بأفعاله، أو بالتشريعات الإسلامية، أو بالأنبياء، أو بالقضايا الفلسفية في أزلية الكون أو حدوثه، ونحو ذلك، وهذا يستدعي استعدادًا نفسيًا ومعرفيًا من المتخصصين للتعامل مع هذه الأسئلة.
ثالثًا: تحمل الموجة التشكيكية المعاصرة شعارات عامة ذات بريق وجاذبية، ولكنها غير محددة المعالم، وغير منسوجة نسجًا منهجيًا علميًا يقي صاحبه من الفوضى أو التناقض، ومن أبرز هذه الشعارات: (تحرير العقل، نقد الموروث، رفض الوصاية، الحرية) ونحوها، وهذه الشعارات ليست باطلًا محضًا، وإنما تحتاج إلى بيان الإجمال الذي فيها، وفرز المقاصد الخاطئة التي يدعو إليها المشككون في الإسلام وثوابته عن طريقها، وتمييز المعاني الصحيحة عن تلكم المقاصد الفاسدة؛ حتى لا تتحكم الأهواء في تطبيقها على الواقع، فعلى سبيل المثال هناك من يُنكر السُّنَّة كلها تحت دعوى (نقد الموروث)! وهذا استعمال فاسد نتيجة الشعارات الفضفاضة والتحكم في تنزيلها.
رابعًا: التأثر بهذه الموجة في مجتمعنا المحلي يأخذ حالة بين الخفاء والعلن، وهي إلى الخفاء أقرب، ولذلك فإن قياس حجم الشريحة المتأثرة بهذه الموجة فيه صعوبة، وفي نفس الوقت فإن حالة الخفاء هذه تعتبر أمرًا مقلقًا للآباء والأمهات والمربين.
خامسًا: الميدان الأكبر لبث شبهات هذه الموجة، ولاستقبالها هو شبكات التواصل الاجتماعي - حتى هذه اللحظة -، وهذا يعطي الموجة بعدًا توسعيًا كبيرًا غير خاضع للموانع الجَمعيّة المفترضة، وأقصد بالموانع الجمعية المفترضة (المسجد، المدرسة، الأسرة)، فيمكن أن يتأثر بهذه الموجة من يرتاد المساجد، ويمكن أن يتأثر بها من عاش في كنف أبوين صالحين، وقد لاحظت ذلك من خلال نقاش عدد من المتأثرين بها.
سادسًا: خطورة هذه الموجة أنها موجهة ضدّ أصلِ الإسلام وثوابت الشريعة المتفق عليها، بخلاف ما لو كانت الإشكالات موجهة ضد إحدى المدارس الشرعية - مثلًا -، أو ضد عالم من علماء المسلمين، دون المساس بأصول الإسلام وثوابته لكان الأمر أهون بكثير مما هو عليه الآن، ووجه الخطورة يظهر إن نظرنا إلى المتأثرين بها؛ فحين يفقد أحدهم أصل الإسلام فذلك كفر يؤدي إلى النار، كما أن خسارة الثوابت الشرعية تضييعٌ للهوية وانحرافٌ للبوصلة وانحلالٌ من التكاليف، بل إنّ إنكار بعض الثوابت كفر، وكل هذا يجعل الأمر في مستوى لا يحتمل التغافل والتجاهل والتهوين.
سابعًا: مما يزيد من خطورة هذه الموجة، أن أغلب المتأثرين بها هم شريحة الشباب ذكورًا وإناثًا؛ ومعنى ذلك أن تكامل ظهور الآثار السلبية سيكون في المستقبل القريب حين يصل هؤلاء الشباب إلى مرحلة العطاء والعمل والتربية والإرشاد - ما لم يحصل تدارك واعٍ على المستوى الذي تتطلبه المرحلة -.
ثامنًا: ينقسم المتأثرون بموجة الشبهات المعاصرة إلى قسمين:
الأول: العابثون الفوضويون الباحثون عن أهوائهم الشخصية في ثنايا هذه الشبهات، وهم كثير.
الثاني: الذين تأثروا بالشبهات تأثرًا فكريًا حقيقيًا أدى إلى تبنّيهم لأفكار جديدة فيها مخالفات شرعية.
وهذا يدفعنا إلى عدم تعميم الأحكام، وإلى الكف عن إطلاق التهم العامة، وعدم اختزال الظاهرة في صورة مجتزأة، وإلى البحث عن سبل متنوعة للعلاج بما يتناسب مع اختلاف الحالات.
تاسعًا: تختلف مرادات مثيري موجة الشبهات المعاصرة، فبعضهم يقصد صرف الناس عن الإسلام، وإخراجهم منه، بل وعن الأديان كلها، وهذا يمثله الملحدون الجدد، والربوبيون، والمستفيدون سياسيًا من ضياع قوة المسلمين وتفتت كيانهم.
والبعض الآخر من مثيري الشبهات لا يريد هدم الإسلام ولا تقويض بنيانه، بل ربما يثيرها بمقصد حسن في نفسه، ألا وهو تحسين صورة الإسلام، وإظهاره بما يوافق النَّفَس العصري، وقد يؤدي به تحقيق هذا الغرض إلى إنكار بعض الثوابت الشرعية، أو تأويلها بما يخفف من إثارة حفيظة غير المسلمين. وأقصد بالثوابت الشرعية: الأحكام والأخبار التي اتفق أهل السُّنَّة والجماعة على الأخذ بها، مثل اعتبار السُّنَّة مصدرًا تشريعيًا للأحكام والأخبار الدينية، ومثل الحدود الشرعية.
عاشرًا: هذه الموجة تتشكل من مجموعة من الاعتراضات على وجود الله وكماله وعلى النبوة والشريعة، وفي الغالب تجد أن الأسئلة ذاتها تتكرر على ألسنة المتأثرين بها على اختلاف أعمارهم وبلدانهم، ولم يكن ذلك نتيجة تفكير واستنتاج عقلي اكتشفوا به هذه الأسئلة والاعتراضات، وإنما لتداول المعلومات في فضاء الشبكة التي قرَّبت البعيد وجعلت العالم مجتمعًا على طاولة واحدة، وهناك كتب متعددة اعتنت ببيان أبرز الإشكالات بوجه عام أو في أبواب معينة، منها موسوعة بيان الإسلام، وكتاب تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى الطاعنين، ومن أفضلها في نظري رسالة الدكتوراه السلطان العميري بعنوان «ظاهرة نقد الدين في الفلسفة الحديثة»، وأختم السمات بالإشارة إلى مرجع يفيد في وصف الإلحاد الجديد ألا وهو كتاب: ميليشيا الإلحاد لعبد الله العجيري.
- التصنيف: