وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ
وأكرم الله تعالى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفيه باسمين مشتقين من اسمه: «محمد وأحمد»، تقول العرب: "رجل محمود ومحمد" إذا كثرت خصاله المحمودة.
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) }
{{وَمَا مُحَمَّدٌ}} -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سماه به جده عبد المطلب وقيل له: لم سميته محمدا وليس من أسماء آبائك? فقال: "رجوت أن يحمده الناس". وقد قيل: لم يسم أحد من العرب محمدا قبل رسول الله، وقيل غير هذا.
وأكرم الله تعالى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفيه باسمين مشتقين من اسمه: «محمد وأحمد»، تقول العرب: "رجل محمود ومحمد" إذا كثرت خصاله المحمودة.
{{إِلَّا رَسُولٌ} } يصيبه ما أصابهم {قَدْ خَلَتْ} مضت {مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} هذا استمرار في عتبهم أن محمداً رسول كمن مضى من الرسل، بلّغ عن الله كما بلغوا، وليس بقاء الرسل شرطاً في بقاء شرائعهم، بل هم يموتون وتبقى شرائعهم يلتزمها أتباعهم. فكما مضت الرسل وانقضوا، فكذلك حكمهم هو في ذلك واحد.
** وفيه إثبات أن محمداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتم الرسل؛ لقوله: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} و (الـ) هنا للعموم ولم يقل: "قد خلت من قبله رسل" بل قال: {الرُّسُلُ}، وإذا كان الرسل كلهم قد خلوا من قبله لزم من ذلك أن يكون هو آخرهم.
{{أَفَإِنْ}} استفهام استنكاري {مَاتَ أَوْ قُتِلَ} وتقديمُ تقديرِ الموتِ مع أن تقديرَ القتلِ هو الذي ثار منه الفتنةُ وعظُم فيه المحنةُ لِما أن الموتَ أشهر في الوقوعِ فزجرُ الناسِ عن النُكوص عنده وحملُهم على التثبُّت هناك أهمُّ، ولأن الوصفَ الجامعَ بينه وبين الرسلِ عليهم السلام وهو الخلوُّ بالموت دون القتل.
** وفيه أنه ينبغي الدليل بذكر النظائر ليقتنع الإنسان بما سمع؛ لقوله: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فإن من سمع هذا اقتنع وقال: ما دام الرسل السابقون قد ماتوا أو قتلوا فإن ذلك يكون تسلية له.
{{انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}} رجعتم القَهْقرى. تصوير لمن يرجع إلى الوراء وبصره إلى الأمام، وأعقابه هي التي تقوده، وهو منكس جعل رأسه في أسفل وعقبه في أعلى، وذلك أقبح منظر يكون للإنسان.
يروى أنه لما صرخ الشيطان بأن محمداً قد قتل، تزلزلت أقدام المؤمنين ورعبت قلوبهم وأمعنوا في الفرار، وكانوا ثلاث فرق:
فرقة قالت: ما نصنع بالحياة بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قاتلوا على ما قاتل عليه، فقاتلوا حتى قتلوا، منهم: أنس بن النضر عم أنس بن مالك، فإنه قال لما انكشف المسلمون: "اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء"، وباشر القتال وقال: إيها إنها ريح الجنة! إني لأجدها، ومضى حتى استشهد. قال أنس: فما عرفناه إلا ببنانه ووجدنا فيه بضعا وثمانين جراحة. وفيه وفي أمثاله نزل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23].
وقد مر بعض المهاجرين بأنصاري يتشحط في دمه [يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ]، فقال له: أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال: إن كان قد قتل فقد بلّغ، فقاتلوا على دينكم، ولقد صاح بعض المجاهدين في وسط ذلك البلاء: يا معشر المؤمنين إن كان محمد قد أصيب أفلا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به.
وفرقة قالوا: نلقي إليهم بأيدينا فإنهم قومنا وبنو عمنا.
وفرقة أظهرت النفاق، وقالوا: ارجعوا إلى دينكم الأوّل، فلو كان محمد نبياً ما قتل.
وظاهر الانقلاب على العقبين هو الارتداد. وقيل: هو بالفرار لا الارتداد. وقد جاء هذا اللفظ في الارتداد والكفر في قوله: {{إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} } [البقرة:143] والانقلاب على الأعقاب أو على العقبين أو العقب من باب التمثيل مثّل من يرجع إلى دينه الأول بمن ينقلب على عقبيه.
** وفيه رد على الملحدين الذين زعموا أن التمسك بالإسلام رجعية، فنقول لهم: إن التمسك بالإسلام هو التقدم، والتخلف عن الإسلام هو الرجعية.
** ولقد قرر سبحانه هذه الحقيقة ومعها دليلها، وذلك ببيان مقدمتين كل واحدة منهما تصلح مقدمة في دليل لإثبات أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميت لَا محالة كما قال تعالى: {{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتون}} [الزمر:30].
المقدمة الأولى: أن محمدا رسول فقط فليس أكبر من رسول، ولذا قال تعالى: {{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}} أي ليس له صفة تميزه على الناس إلا الرسالة، والحقيقة.
المقدمة الثانية: أن الرسالة لَا تقتضي البقاء، فقد مضى رسل من قبله وماتوا، وقد قررها سبحانه بقوله: {{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}} .
ومن مجموع المقدمتين يثبت أن محمدا سيموت؛ لأنه إذا كان ليس إلا رسولا، والرسل من قبله قد ماتوا، فهو سيموت لَا محالة.
وإذا كان محمد سيموت لَا محالة فإن رسالته لَا تموت من بعده، ولا يصح أن ينقلب المؤمنون من بعده، بل عليهم أن يحملوا العبء من بعده.
{{وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا}} بل يضر نفسه ويعرضها للعقاب بسبب المخالفة، والله تعالى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية لغناه.
فالارتداد عن الدين إبطال لما فيه صلاح الناس، فالمرتد يضر بنفسه وبالناس، ولا يضر الله شيئا. ومثل هذه الحقائق تلقى في المقام التي يقصد فيها مداواة النفوس من عاهات ذميمة.
وهي جملة شرطية عدل من صيغة الخطاب إلى العموم دون أن يقول: "وإن انقلبتم على أعقابكم فلن تضروا الله شيئاً" من أجل أن يكون الحكم عاماً شاملاً. و {شَيْئًا} نكرة، والنكرة في سياق النفي تعم.
** قال ابن عثيمين: وفيه انتفاء الضرر عن الله، وأنه لن يضره شيء، ولكن إذا قال قائل: أليس الله تعالى قد قال في كتابه: {{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}} [الأحزاب:٥٧] وفي الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر) فأثبت الأذية لله؟
فالجواب: أنه لا يلزم من الأذية الضرر. فالله تعالى قد يتأذى ولكن لا يتضرر، فإذا رأيت شيئاً مكروهاً فإنك تتأذى ولكن لا تتضرر، إذن لا يلزم من كون الله تعالى يتأذى أن يتضرر .
ولم تقع ردّة من أحد من المسلمين في ذلك اليوم إلا ما كان من قول المنافقين.
** وفى هذا تنبيه إلى ثلاثة أمور:
أولهما: أن من يجاهد عليه أن يجاهد لحقيقة من الحقائق الثابتة الخالدة التي لا تفنى ولا تنتهي، ولا يقاتل لأجل الأشخاص الذين ينتهون ويفنون، فالمعاني خالدة، والأشخاص ميتون.
الثانية: أن من يفسد قلبه فيرتد بعد إيمان ويكفر بعد يقين، لَا يضر دين الله بل يضر نفسه؛ لأن الضال المضل يضر نفسه قبل أن يضر غيره.
ثالثها: إخبار الله تعالى بأن هذا الدين خالد ثابت باقٍ إلى يوم القيامة؛ لأنه سبحانه قد قرر أنه لَا يضره من يخرج عنه أو يمرق عن أحكامه، أو يتركها مستهينا، فإن للإسلام ربا يحميه، ورجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
{{وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}} وعد عظيم بالجزاء. وجاء بالسين وهي تحوّل الفعل المضارع من كونه صالحاً للحال والاستقبال إلى كونه للاستقبال، أما «سوف» فتدل على المهلة والسين تدل على الفورية، أي: لا يتأخر جزاء الله إياهم عنهم.
وجاء {{وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}} بعد قوله: {{فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً}} فهو اتصال وعد بوعيد.
والشاكرين هم الذين ثبتوا على دينه، وصدقوا الله فيما وعدوه، وشكروا الله تعالى في السراء والضراء، فلم يزعجهم البلاء كما لم تبطرهم النعماء، فصفة الشكر كصفة الصبر كلتاهما تظهر في السراء والضراء معا، فالصبر يكون في النعمة بالقيام بحقها، وفي الكريهة باحتمالها، من غير تململ وتضجر.
فالشكر هو القيام بطاعة المنعم بالقلب واللسان والجوارح، وفيه إيماءٌ إلى كُفران المنقلبين.
وإظهارُ الاسمِ الجليل في موقع الإضمار لإبراز مزيدِ الاعتناءِ بشأن جزائِهم.
وعبر هنا بالشاكرين ولم يعبر بالصابرين، رغم أن الصبر هنا هو الأظهر لأن الشكر في هذا المقام هو أعلى درجات الصبر، وذلك أنهم لم يحتملوا البلاء فقط، بل تجاوزوا حد الصبر إلى حد الشكر على هذه الشديدة، فالشكر هنا صبر وزيادة، وقليل من يكون على هذه الشاكلة، ولذا قال تعالى: {{وَقَلِيلٌ منْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}} [سبأ:13].
** قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: ومن الغايات في هذه الغزوة أن وقعة أحد كانت مقدمة وإرهاصاً بين يدي موت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فأنبهم ووبخهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قتل.
بل الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده، يموتوا عليه ويقتلوا، فإنهم إنما يعبدون رب محمد وهو حي لا يموت. فلو مات محمد أو قتل لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينه، وما جاء به، فكل نفس ذائقة الموت، وما بعث محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم ليُخلّد، لا هو ولا هم، بل ليموتوا على الإسلام والتوحيد، فإن الموت لا بد منه، فسواء مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بقي، ولهذا وبخهم على رجوع من رجع منهم عن دينه لما صرخ الشيطان بأن محمداً قد قتل، فقال: {{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}} الآية
والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة، فثبتوا عليها حتى ماتوا وقتلوا، فظهر أثر هذا العتاب، وحكم هذا الخطاب يوم مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وارتد من ارتد على عقبيه، وثبت الشاكرون على دينهم، فنصرهم الله وأعزهم، وأظفرهم بأعدائهم وجعل العاقبة لهم. [زاد الميعاد]
** قال القرطبي: هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فظهرت عنده شجاعته وعلمه.
قال الناس: لم يمت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، واضطرب الأمر فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسُّنْه، الحديث؛ كذا في البخاري. وفي سنن ابن ماجه «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ امْرَأَتِهِ ابْنَةِ خَارِجَةَ بِالْعَوَالِي فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَمْ يَمُتْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا هُوَ بَعْضُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ عِنْدَ الْوَحْيِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُمِيتَكَ مَرَّتَيْنِ قَدْ وَاللَّهِ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُمَرُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِيَ أُنَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَثِيرٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} قَالَ عُمَرُ فَلَكَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ.»
ورجع عن مقالته التي قالها فيما ذكر الوائلي أبو نصر عبيد الله في كتابه «الإبانة»: عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستوى على منبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشهد قبل أبي بكر فقال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يدبرنا - يريد أن يقول حتى يكون آخرنا موتا - فاختار الله -عز وجل- لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا لما هدى له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال الوائلي أبو نصر: المقالة التي قالها ثم رجع عنها هي "أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم" وكان قال ذلك لعظيم ما ورد عليه، وخشي الفتنة وظهور المنافقين، فلما شاهد قوة يقين الصديق الأكبر أبي بكر، وتفوهه بقول الله عز وجل: {{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}} [آل عمران:185] وقوله: {{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}} [الزمر:30] وما قاله ذلك اليوم - تنبه وتثبت وقال: كأني لم أسمع بالآية إلا من أبي بكر. وخرج الناس يتلونها في سكك المدينة، كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم.
ثم قال القرطبي: قد خرج ابن ماجه بإسناد حسن بل صحيح من حديث ابن عباس وفيه: فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته، ثم دخل الناس على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسالا يصلون عليه، حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء، حتى إذا فرغن أدخلوا الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد.
في تغيير الحال بعد موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا نَفَضْنَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا » [أخرجه ابن ماجه]
وقال: .. عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَخَافَةَ أَنْ يُنْزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَكَلَّمْنَا» .
وأسند ابن ماجة عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ جَبِينِهِ، فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ الْقِبْلَةِ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَكَانَتْ الْفِتْنَةُ فَتَلَفَّتَ النَّاسُ يَمِينًا وَشِمَالًا» .
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: