الله الصمد
لما تفاخرت العرب بأنسابها وأحسابها وجاءهم النبي ﷺ بهذه الدعوة العظيمة، بدعوة التوحيد، قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، ابن من هو؟ فأنزل الله جَلَّ وَعَلا نسبه في القرآن في سورةٍ عظيمةٍ من سور القرآن تعدل ثلث القرآن، وهي سورة قل هو الله أحد (سورة الإخلاص)
لما تفاخرت العرب بأنسابها وأحسابها وجاءهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الدعوة العظيمة، بدعوة التوحيد، قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، ابن من هو؟ فأنزل الله جَلَّ وَعَلا نسبه في القرآن في سورةٍ عظيمةٍ من سور القرآن تعدل ثلث القرآن، وهي سورة قل هو الله أحد (سورة الإخلاص)، أنزلها الله جَلَّ وَعَلا يبين فيها نسبه، قل لهم يا محمد: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص].
هذه السورة هي نسب الله جَلَّ وَعَلا في وحدانيته فلا ثاني له، فلا ثاني له في ربوبيته، ولا شريك له في ألوهيته، ولا مضاد له ولا مسامٍ له في أسمائه ولا في صفاته.
هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأن القرآن ثلاثة مضامين؛ توحيدٌ لله جَلَّ وَعَلا وقد اشتملت عليه هذه السورة، وقصصٌ وعبر وقد توزعت في القرآن، والمضمون الثالث: أحكامٌ وتشريعات وهذه توزعت في القرآن أيضًا؛ ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين [1]: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن؟» قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن»، وهذه السورة العظيمة يحفظها المسلمون صغارهم وكبارهم، شيوخهم ونساؤهم، يحفظونها، لكن من وقف منا يا عباد الله عند مضامينها وعند معانيها؟
قل لهم يا محمد: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ فالله جَلَّ وَعَلا واحدٌ في ذاته، وواحدٌ في أسمائه وصفاته، وواحدٌ في عبادته وألوهيته، لا شريك له ولا قسيم له، ولا شبيه، ولا ند، ولا نظير.
{اللَّهُ الصَّمَدُ}؛ والصمد من أسماء الله، فما معنى الصمد؟ الصمد يا عباد الله دارت معاني السلف فيه على ثلاثة معان:
المعنى الأول: أنه الذي تصمد إليه المخلوقات في حوائجها، أي تقصده في سرائها وضرائها، وفي طلب الغوث منه سبحانه لا من غيره، لا من ملكٍ مقرب ولا من نبيٍ مرسل ولا من وليٍ من الأولياء.
والمعنى الثاني من معاني الصمد: الصمد الذي لا جوف له؛ فالله جَلَّ وَعَلا لا يحتاج إلى الطعام ولا إلى الشراب، لأنه الذي يطعِم وهو لا يُطعَم، الله جَلَّ وَعَلا يطعم خلقه، وهو ليس بحاجةٍ للطعام.
والصمد في معناه الثالث: هو السيد الكامل في سؤدده، فلا ينتقص سيادته في ملكه، ولا على خلقه جَلَّ وَعَلا، أما ملوك البشر، أما ملوك الخلق فإن سيادتهم منقوصة لو دامت لمن قبلهم لم تصل إليهم.
{اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}؛ فلم يزعم أحدٌ أن الله جَلَّ وَعَلا وُلد من أبوين ولكنه قطع ذلك لئلا يتوهمه متوهم، أو يظنه ظان، أما من نسبوا إلى الله الولد فهم الشذاذ من بني آدم، الذين أشركوا مع الله جَلَّ وَعَلا شركًا في الربوبية، أو شركًا في العبادة، أو شركًا في الأسماء والصفات، فزعمت العرب أن الملائكة بنات الله، نسبوا إلى الله جَلَّ وَعَلا ما تبرؤوا منه، فيما لو بُشر أحدهم به ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، ونسبت اليونانيون في فلاسفتهم وأممهم إلى الله الولادة، أن الآلهة نزلت على جبال أوليمبياد شرقي آثينا فتوالدت وتناسلت، وزعمت اليهود أن عزيرًا ابن الله، كما زعمت النصارى أن المسيح بن مريم ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًا عظيمًا، نزه جَلَّ وَعَلا نفسه عن الولد؛ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}؛ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111]، وهذا من كمال وحدانيته، وكمال فردانيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.
عباد الله! إن الله جَلَّ وَعَلا لم يكن له كفوًا أحد؛ أي لا أحد يكافيه سبحانه لا في ذاته، ولا في ربوبيته، ولا في وحدانيته، ولا في ألوهيته وعبادته، ولا في أسمائه ولا صفاته، ولا في أفعاله.
نعم، لا أحد يماثله جَلَّ وَعَلا، ولا أحد يكافيه، ولا أحد يساميه، ولا أحد ينادده، فلا تجعلوا لله أندادًا، وقال جَلَّ وَعَلا: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] أي: لا أحد يساميه جَلَّ وَعَلا في أسمائه الحسنى وفي صفاته العلا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، هذا كله مشمولٌ في قوله جَلَّ وَعَلا: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص: 4].
كذلك ليس أحدًا يكافئه جَلَّ وَعَلا في ربوبيته وملكه، وفي قدرته وفي عزته، كذلك لا أحد يكافئه في عبادته، ولهذا من جعل مع الله ندًا في العبادة ولو في عبادةٍ واحدة أشرك مع الله شركًا لا يغفره الله له.
ومقتضى ذلك يا عباد الله إيمانكم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، ومنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة»[2].
فما معنى أحصاها -يا رعاكم الله-؟
إن معنى (أحصاها) أي عدها من الكتاب والسنة الصحيحة، فلم ينسب لله اسمًا من أسمائه لم يثبت له في الكتاب ولا في السنة، وكذلك لم يصف الله بوصفٍ لم يصف الله به نفسه أو يصفه به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثانيًا: الإيمان بمقتضى هذه الأسماء والصفات، تعظيمًا لله جَلَّ وَعَلا، وإجلالًا وعبوديةً، وانطراحًا بين يديه، وله جَلَّ وَعَلا كامل الأسماء وجليل الصفات.
ثالثًا: التوسل إلى الله بها دعاءً وعبودية وإيمانًا وابتهالًا له بهذه الأسماء الحسنى؛ {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
نعم أيها المؤمنون! وأنت أيها المهموم، وأنت أيها المكروب، الجؤوا إلى الله جَلَّ وَعَلا ومجدوه بما مجد به نفسه من أسمائه الحسنى وصفاته العلا، وتوسلوا إلى الله جَلَّ وَعَلا بها، ففي الصحيح من حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا أنها قالت: يا رسول الله، إن أنا وافقتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي يا عائشة: اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني»[3]؛ توسلت إلى الله باسمه العفو، وتوسلت إلى الله جَلَّ وَعَلا بصفته وهي محبته للعفو، والمطلوب (فاعف عني)، نفعني الله وإياكم بهذا الهدي العظيم
ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
- التصنيف: