خذ ودع
من سنن العقلاء أن لا يُؤخذ الإنسان جملة، ولا يُردّ جملة، فلا أحد بعد النبي ﷺ يُسلّم له القول كلّه، ومن لم يُربِّ نفسه على مهارة الفرز، ضلّ بين إفراط التقديس وتفريط الإسقاط..."
من سنن العقلاء أن لا يُؤخذ الإنسان جملة، ولا يُردّ جملة، فلا أحد بعد النبي ﷺ يُسلّم له القول كلّه، ومن لم يُربِّ نفسه على مهارة الفرز، ضلّ بين إفراط التقديس وتفريط الإسقاط، ومن تمام النضج أن تتعلم الانتفاع الجزئي، وأن تُحسن التفكيك لا في الأشخاص فقط، بل في العناصر الكامنة فيهم: أن تفرز الفكرة من صاحبها، خذ من أحدهم دقّة العبارة، ومن آخر حرارة الإيمان، ومن ثالث جمال العرض، لكن لا تسلّم لهم زمامك دفعة واحدة، فإن الحقّ لا يُحتكر، والكمال لا يُجمع في أحد.
وليس هناك كتلةُ خيرٍ خالصةً في بشر، ولا أحد محضُ ضلالةٍ صِرفة؛ بل كل إنسانٍ مركّب من صواب وخطأ، ونور وظلّ، وسبق وتعثر، والوعي لا يعني التبعية، ولا يعني الرفض المطلق، بل أن تمسك النافع من كل عقل، وتدع ما كدّر، وما أكثر من فُتن بصورة فكرية متماسكة، فلما انهار طرفها انهار معها، لأنه لم يفرّق بين "المعرفة" و"الانبهار".
وهكذا، إذا ظننت أنك لا تنتفع إلا بمن تُجمع عليه القلوب، فلن تبصر إلا النماذج النادرة، وستفوتك الكنوز المتناثرة في مساحات النقص البشري، وإن طلبت الصفاء المطلق في كل من تسمع، فستجد نفسك في عزلةٍ معرفية تترك الذهب لأنه ممزوج بشيء من التراب، والعاقل هو من يقطف المعنى من بين الأشواك، لا من ينتظر ورودًا بلا عيب.
- التصنيف: