علمتنى زينب بنت جحش
ما رأيت من بين أمهات المؤمنين زواجاً شغل المجتمع المسلم وقتها كما حدث مع زواج أمنا زينب بنت جحش لما له من أسباب خاصة
هى الشابة الشريفة الحسناء ذات الحسب والنسب من قبيلة بنى أسد ابن خزيمة المضرى ولدت قبل الهجرة بثلاثة وثلاثين عاما أمها عمة النبى أميمة بنت عبد المطلب ) وجدها عبد المطلب أخوها عبد الله بن جحش كان من السابقين إلى الإسلام، هاجرأخوها إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وشارك في غزوة بدر، واستشهد في غزوة أحد واختها حمنة بنت جحش وحبيبة بنت حجش
إنه حقا لنسب شريف جعلها تعيش عزيزة النفس أبية
زواج السيدة زينب بنت حجش من زيد
ما رأيت من بين أمهات المؤمنين زواجاً شغل المجتمع المسلم وقتها كما حدث مع زواج أمنا زينب بنت جحش لما له من أسباب خاصة
تبدأ القصة حين بلغ زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الزواج وكان من أحب الناس إلى النبى فقد أعتقه وتبناه وكان له بمثابة الأب وكان التبنى منتشراً فى هذا الوقت وكان عادة من عادات العرب وقتها فعندما بلغ زيد السن اختار له النبى صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب بنت جحش زوجة له فأرسله يخطبها فظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لابنه بالتبنى أبت وأنكرت فأنزل الله سبحانه وتعالى فى ذلك قرآن : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ}
فعن ابن عباس : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة ، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها ، فقالت : لست بناكحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل فانكحيه " قالت : يا رسول الله ، أؤامر في نفسي فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله صلى الله عليه وسلم : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ) الآية ، قالت : قد رضيته لي منكحا يا رسول الله ؟ قال : " نعم " قالت : إذا لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أنكحته نفسي»
فما كان منها إلا أن رضيت وسلمت عملا بمبدأ لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى وقالت قد رضيته لى يا رسول الله منكحا ؟ قال نعم قالت إذا لا أعصى الله ورسوله قد انكحته نفسى
وقد يكون الحكمة من تزويج النبى لزينب بنت حجش لمولاه زيد بن حارثة هو أن الإسلام يريد أن يقضى على الفوارق الطبقية التى هى من عادات الجاهليه ليكون الناس سواسية وكان زيد من أحب الناس إلى رسول الله وكانت هذه الفوارق متعمقة لا يقضى عليها إلا فعل أو موقف يفعله رسول الله فيسلم المجتمع لله بالسمع والطاعة
ونقف عند استجابة السيدة زينب لأمر الله ورسوله لنتعلم منه التسليم لأمر الله ورسوله حتى وان خالف الهوى فكلما غلب الانسان إرادة الله على إرادته الشخصية كلما استطاع أن يروض نفسه فيجعلها تحب ما يحبه الله ورسوله فيعود عليها بالنفع والبركة كما حدث مع أمنا زينب فقد استجابت فى البداية لأمر الله وأطاعة رسوله فما هى إلا فترة قصيرة وكانت المكافأة أن صدر أمر زواجها من نبى العالمين من فوق سبع سموات فكم من أمر نراه فى البداية صعب على أنفسنا وقد نرى فيه الشر لقصر نظرنا فى هذه الحياة ولكن الله يعلم وأنتم لا تعلمون فقط استجب واخضع لأمر الله انجح فى اختبارك فكل منا له اختبار فمن رضى فله الرضا فإذا حزب المؤمن أمرا فعليه أن يستخير ربه ليرشده لما فيه خير له وعليه أن يسلم بأمر الله لما فيه من المصلحة حتى وإن لم يكن يراه فى وقتها فستتبين له الحكمة منها بعد حين
ولكن لم تصف الحياة للسيدة زينب وزيد مولى رسول الله فما نسيت زينب يوما أنها الشريفة لم تدخل تحت الرق يوما وقد عانى زيد منها من ترفعها عليه ما جعله يشتكى إلى النبى يا نبى الله قد اشتد على خلقها وإنى لمطلقها ما كان من النبى صلى الله عليه وسلم إلاأن يوصيه بالصبر و كان يقول له له امسك عليك زوجك إذ يقول تعالى فى كتابه الكريم : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ}
هذا يعلمنا ضرورة التكافؤ فى العلاقات الزوجية والتقارب فى المستوى الإجتماعى والتعليمى مهم ليخلق جواً من الألفة والتفاهم بين الزوجين مما يقوى الرابطة الأسرية بينهم فمن النادر أن تنجح زيجة فيها تفوات غير مقبول فى المستوى الاجتماعى والثقافى وفروق فى السن بين الزوجين مما يؤثر على مستوى النضج والاهتمامات
قد يجد الشاب أو الفتاة ضغطا من المجتمع يضطرهما إلى زواج غير متكافئ لمجرد الزواج فحسب ثم هو وحده أو هى من تدفع فاتورة هذه الزيجة ويجلس المجتمع فى مقعد المتفرج يلوم هذا أو ذاك على سوء الاختيار
ونحن لا ندعو الفتاة أو الشاب للبحث عن الكمال ولكن لا يتخلى عن أسس التوافق التى تؤهل لاستمرار الحياة بين الزوجين
وإنه لمنقبة لزيد مولى النبى صلى الله عليه وسلم أن يُذكر اسمه فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة وكان يقول للنبى صلى الله عليه وسلم أذكرنى لك ربى وكان الايات فيها أنس له بعد إلغاء التبنى وتحويل اسمه من زيد بن محمد إلى زيد بن حارثة وعوض له عن الفخرة بأبيه النبى صلى الله عليه وسلم فأصبح يفتخر أن ذكره المولى عزوجل فى قرآن يتلى وهذه خصوصية له لم يخص بها اصحاب النبى أنفسهم إذ يقول تعالى :" { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ } ...."
كما تتجلى فيها كم يجبر الله كسر عباده ويرحم ضعفهم فيا لهنائه من يذكره ربه فكما بين الحديث عنْ أَبي هُريرةَ، قالَ: «يقُولُ اللَّه تَعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملإٍ، ذكَرتُهُ في ملإٍ خَيْرٍ منْهُمْ» [متَّفقٌ عليهِ] . " ومن ذكره ربه لا تعلم ماذا يفيض عليه من الخير والبركات
زواج زينب من النبى صلى الله عليه وسلم:
الزواج كان بأمر من الله بمعنى : أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي ولا مهر ولا عقد ولا شهود من البشر فليس لبشر بعد ذلك أن يقول أن النبى كان فى نفسه حاجة تجاه السيدة زينب
عن أنس ، رضي الله عنه ، قال «: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة : " اذهب فاذكرها علي " فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها ، قال : فلما رأيتها عظمت في صدري - حتى ما أستطيع أن أنظر إليها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي ، وقلت : يا زينب ، أبشري ، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، عز وجل فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن»
فقد قضت الحكمة من هذه الزيجة إلغاء عادة التبنى وكل ما ترتب عليها من تبعات من تحريم أزواج الأولياء وأن الابن بالتبنى يرث من والده بالتبنى فجاء هذا الموقف ليلغى هذه العادة التى كانت منتشرة وقتها لما فيها من اختلاط أنساب وضياع حقوق
وردا على كلام المستشرقين الذين نظروا للآيات نظرة سطحية وادعوا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحب زينب وكان يخفى هذا الحب والحقيقة أن كل الروايات التى قيلت فى ذلك ضعيفة ولم يثبت صحتها من أى وجه وكما بينت الآيات " {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } " : فما أبداه الله هو زواجه من السيدة زينب وليس حبه وتعلقه بها كما قال تعالى :" { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} "
فقد كان هذا الزواج دليل من أدلة النبوة لما يتضمنه من معاتبة الله له فهذه الآية تبين أنه لو لم يكن نبيا لأخفاها حفظا لهيبته مثلا ولكنه بلغ الرسالة كما أنزلت عليه وهذا دليل على أنه رسول الله حقا وفى تفسير قوله : { وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} ف المعنى هنا أن النبى استحيا أن يقول الناس تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء فعاتبه الله فى ذلك وبين أن الزواج بأمر الله إبطالا لعادة قديمة عندهم وهى التبنى وهذا كله يصب فى المصلحة العامة للمسلمين
والحقيقة أن زواجه لم يكن يرتبط بشهوة إنما كانت مصالح شرعية معتبرة منها زواج لتأليف قلب العدو ومنها زواج من أرملة إكراما لزوجها الشهيد أو لتوثيق علاقته بصحابته والخلفاء الراشدين من بعده
والغريب أن يبعث النبى زيداً نفسه ليخطب السيدة زينب للنبى صلى الله عليه وسلم حتى لا يقول متقول أن الطلاق وقع رغما عن إرادة زيد وأنه لم يكن فى نيته طلاقها وماذا كان رد فعل السيدة زينب لذلك لجأت إلى الله ودخلت مصلاها تصلى حتى نزل قرآن بزواجها من النبى صلى الله عليه وسلم ما اجمل الرجوع إلى الله فى كل وقت وعند كل اختيار حتى ينير لنا الطريق ونهتدى بأوامره فقد يرى المرء شيئا ويعتقد فيه الشر ولا يدرى بقصر نظره أنه عين السعادة والخير فى الحياة فقد حكمت الله فى زواجها ولم تترك الأمر للاهواء
يا ليت بناتنا تتعلم تغليب شرع الله على ما تريده وتهواه باللجوء إلى الله فى كل شىء
ومن الحكم أيضا فى تزويج زينب رضى الله عنها بالنبى بعد انقضاء عدة من زيد أن العرب كانت تأنف من نكاح الحرة إذا وطأها العبد بنكاح فجاء هذا الزواج ليبطل ما كانت عليه العرب إذ يقول تعالى :" { كَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} "
وبما أنها زيجة بأمر الله فمن يدرى ما فيها من البركة على كل من حضر العرس فقد أولم لها النبى وليمة ونزلت آية حجاب زوجات النبى فى هذا اليوم فعن انس يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم :" ما أوْلَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَى شَيءٍ مِن نِسَائِهِ ما أوْلَمَ علَى زَيْنَبَ؛ أوْلَمَ بشَاةٍ"
وأنه قال : « أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه ، فصنعت أم سليم حيسا ثم وضعته في تور ، فقالت : اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرئه مني السلام ، وأخبره أن هذا منا له قليل - قال أنس : والناس يومئذ في جهد - فجئت به فقلت : يا رسول الله ، بعثت بهذا أم سليم إليك ، وهي تقرئك السلام ، وتقول : أخبره أن هذا منا له قليل ، فنظر إليه ثم قال : " ضعه " فوضعته في ناحية البيت ، ثم قال : " اذهب فادع لي فلانا وفلانا " . وسمى رجالا كثيرا ، وقال : " ومن لقيت من [ المسلمين " . فدعوت من قال لي ، ومن لقيت من ] المسلمين ، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس - فقلت : يا أبا عثمان ، كم كانوا ؟ فقال : كانوا زهاء ثلاثمائة - قال أنس : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جئ به " . فجئت به إليه ، فوضع يده عليه ، ودعا وقال : " ما شاء الله " . ثم قال : " ليتحلق عشرة عشرة ، وليسموا ، وليأكل كل إنسان مما يليه " . فجعلوا يسمون ويأكلون ، حتى أكلوا كلهم . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارفعه " . قال : فجئت فأخذت التور فما أدري أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت ؟»
وهذا يدلنا على استحباب الوليمة فى العرس لعامة المسلمين فهى سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم ومن فوائدها إعلان بالزواج والذكرى والاستزادة من الدعاء بالبركة فى الأهل والمال والوليمة تكون بأى شىء ولو قليل على قدر الاستطاعة .
ومن الأحكام أيضا التى نستقيها من هذ الموقف على المسلم قبول دعوة أخيه المسلم ففي صحيح مسلم عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " «إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرسا كان أو غيره" ولا يعتذر منها "» .
وإن تكثير الطعام والبركة فيه هذا من دلائل النبوة ومعجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم حيث ان اليسير من الطعام الذي لا يكاد يكفي الشخص أو الشخصين، يسد حاجة الجمع الغفير
ولنا هنا وفقة فإن كان النبى بركة على قومه يتواجد فى أى مكان فيكثر الطعام فتمتلأ البيوت بالخير فما بالك باتباع سنته والسير على دربه فى أمور الحياة الصغير منها والكبير فكم سيعود عليك من خيروتيسير فى أمور حياتك بطاعته والاقتداء به فكم نشكو من تعسير أمور الحياة وقلة البركة ونحن بين أيدينا الحل ولكن نغفل عنه كثيرا فهل سألنا أنفسنا يوما هل نحن نسير على دربه أم أن الدنيا فتنتنا بزينتها وزخرفها ؟!
ومن تمام بركة هذه الزيجة أن نزلت آية الحجاب على نساء النبى فى يوم عرسه بزينب فعن أنس بن مالك قال :
«بُنِيَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بزَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ بخُبْزٍ ولَحْمٍ، فَأُرْسِلْتُ علَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ ويَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ ويَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حتَّى ما أجِدُ أحَدًا أدْعُو، فَقُلتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ ما أجِدُ أحَدًا أدْعُوهُ، قالَ: ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ وبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ في البَيْتِ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَانْطَلَقَ إلى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقالَ: السَّلَامُ علَيْكُم أهْلَ البَيْتِ ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَقالَتْ: وعَلَيْكَ السَّلَامُ ورَحْمَةُ اللَّهِ، كيفَ وجَدْتَ أهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يقولُ لهنَّ كما يقولُ لِعَائِشَةَ، ويَقُلْنَ له كما قالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَإِذَا ثَلَاثَةٌ مِن رَهْطٍ في البَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ، وكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَدِيدَ الحَيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَما أدْرِي آخْبَرْتُهُ أوْ أُخْبِرَ أنَّ القَوْمَ خَرَجُوا فَرَجَعَ، حتَّى إذَا وضَعَ رِجْلَهُ في أُسْكُفَّةِ البَابِ دَاخِلَةً، وأُخْرَى خَارِجَةً أرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وبيْنَهُ، وأُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ»
وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله ألا تحجتب نساؤك يدخل عليهن البروالفاجر فنزلت آيه الحجاب وكانت من الموافقات التى وافقت قول عمر وغيرته على نساء رسول الله قَالَ: «قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، وَآيَةُ الحِجَابِ ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ » ... " رواه البخاري
ومنذ أن دخل النبى صلى الله عليه وسلم بابنة عمه والغيرة دبت فى قلب السيدة عائشة لاسيما وفى قلب باقى نساء النبى أيضا فكانت تقول عن زينب :"هى التى كانت تسامينى فى المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت زينب تفاخر عليهن فتقول زوجكن أهليكن وأنا زوجنى الله من فوق سبع سموات " واشتد التنافس بينهن على حب رسول الله حتى وصل الأمر إلى الاتفاق بين زوجاته على العروس الجديدة فعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان رسول الله يمكث عند زينب بنت جحش طويلا ويشرب عندها عسلا فتواصت هى وحفصة أنه إذا دخل عليهما قالت إنى لأجد ريح مغافير أكلت مغافير فدخل عليهن فقالت أحدهن ذلك فقال لا بأس شربت عسلا ولن أعود إليه فنزلت الآيات " ] { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" } وعاتب زوجات النبى عائشة وحفصة فى غيرتهن على النبى إذ يقول تعالى :" عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا
وتخيل موقف غيرة بين الضرائر ينزل فيه قرآن فلم يترك لنا الإسلام صغيرة ولا كبيرة إلا وجه الأمة فيها وبين لها والذى يعنينا كم من أية نزلت بسبب السيدة زينب أو لموقف هى طرف فيه لتعلم نساء الأمة كيف العلاقة بين الضرائر عندما يجتمعن على حب الرجل وكانت السيدة زينب فى كل مرة تترك حقها لله يأتى به من فوق سبع سموات
وتأتى حادثة الإفك لنرى ما رد فعل السيدة زينب تجاه هذه الحادثة وماذا قالت عن نظيرتها السيدة عائشة عندما سألها النبى صلى الله عليه وسلم ؟ ماذا تعرف عن هذا الأمر ؟ فإذا بها تتورع عن الحديث وتقول:" أحمى سمعى وبصرى ما علمت إلا خيرا " هكذا المؤمن يتقى الفتن ويصون جوارحه عن إلصاق التهم بالآخرين والخوض فى الأعراض
لتعلمنا درسا كيف تتغلب المرأة على نفسها وشعورها الفطرى بالغيرة من قرينتها عصمها الله بورعها وتقوها من الخوض فى هذا الإفك بينما أختها حمنة بنت جحش سارعت إلى تصديق الفرية والمشى بها فى الناس فشتان بين النفوس البشرية وكأن السيدة زينب تثبت لنا فى كل موقف أنها تعامل الله فى تصرفاتها وليس بشرا كان ممكن أن تقول إنها الفرصة وقد جاءت لتنتقم من مثيلتها ولكنها تعلم أن الحياة قصيرة لا تحتمل الخلافات والمشكلات فسنقف أمام الله فرادى يوم القيامة يحاسبنا عن أفعالنا وهى التى عاشرت النبى وتخلقت بأخلاقه وامتثلت لأوامره فقد نهانا النبى صلى الله عليه وسلم عن الظن السىء بالناس فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا. " فليس للمسلم أن يحدث بما سمع إلا إذا رأى بعينه فعلا فإذا وصل لسمعه شيئا ليس له أن يتجسس ويتحسس حتى يعرف الخبر فالمسلم الحق هو الذى يتورع أن يخوض بلسانه فى مواقف الشك والظنون فهو أزكى له واطهر ويحضرنى موقف عمر بن عبد العزيز حين سألوه عن فتنة الصحابة قال "تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا فلا نخوض فيها بألستنا "
واذا كانت هذه علاقة السيدة زينب بنظيرتها السيدة عائشة فلم تمنع الغيرة السيدة عائشة من أن تثنى على ضرتها السيدة زينب بنت حجش فتقول عنها
"لم أر امراة قط خيرا فى الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتزالا لنفسها فى العمل لله والتقرب اليه " هذه الكلمات تبين أن السيدة زينب لم تدع بابا من أبواب الخير إلا وكان لها يد فيه سواء عبادات أو معاملات ويشهد لها الناس بذلك ولم تاخهم الغيرة منها فجميل أن يشهد لك منافسوك بالخير والصلاح ومما نتعلمه أيضا أن الذى يحكم هذه العلاقة هو تقوى الله والورع والمحبة فى الله فكل منهن تتقى الله فى الآخرى ويزيد على ذلك أنهن اجتمعن فى بيت النبوة بيت مهبط الوحى وآيات التشريع للمسلمين كافة يشهدن اتصال الأرض بالسماء زوجات آثرن مرافقة النبى فى الدنيا والآخرة على متاع الدنيا الزائل كل منهما يعرفن حق الله قبل حق الناس فى حياتهن فإذا مررن بشدة تجدهن يغلبن تنفيذ أمر الله والاستسلام لما جاء به على أهوائهن طلبا فى رضا الله والجنة
فإن الله عزوجلال لم يمدح المؤمنين بأنهم معصومون عن دواعي الهوى ، بل مدحهم بمخالفة أهوائهم ، ومجاهدة نفوسهم حين قال قال الله تعالى : {( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )} النازعات/37-41 فكانت تقوى الله هى العاصم لهن من الشيطان فلم يجد له عليهن سبيلا فى تدبير المؤامرات والمكائد
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الضرائر أخوات ، فروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «( لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِح ْ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللهُ لَهَا )»
"أطولكن يدا"
كانت السيدة زينب أول من لحق بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد موته فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة بنت أبي بكر أنها قالت: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ««أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ»
وإنها لتعلمنا بذلك درسا أن أعمال الخير والصدقات هى التى تقرب المكانة من الله وترفع الدرجات فى الجنه فلم تعتمد أنها زوجة نبى العالمين ولكنها كانت تتصدق بدون تفكير وبدون حسابات ليس كما نفعل نحن فنقول هذا لأولادنا وهذا لله تأمل معى هذا الموقف فعن عمر بن الخطاب أنه أرسل لها بعطاء أثنى عشر ألفا فجعلت تقول اللهم لا تدركنى هذا المال فى قابل فإنه فتنة " ثم قسمته على أهل رحمها وأهل الحاجة تصدقت بها جميعا وحين حضرتها الوفاة وقد أعددت كفنها فبعث لها عمر بن الخطاب بكفن فتصدقت به وقالت وإن استطعتم أن تتصدقوا ا بإزارى فتصدقوا " ألهاذا الحد حريصة على الصدقة وتوصى بها حتى بعد مماتها لتعلمنا درسا أنها لا تبتغى إلا الله وما عنده ولم يفتنها المال وماذا عنا نحن نساء المسلمين وإنى ليحضرنى حديث النبى وهو يوصى نساء المسلمين بالصدقة إذا كانت من عاشرت النبى وعاشت معه سنوات كانت سباقة إلى الصدقات فمابالك ونحن نعيش فى زمان فتن لا تجد المرأة وسط مسئولياتها وأعباء الحياة وتربية الأولاد من يعينها على الطاعات
ف من يتصدق وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى أفضل عند الله ممن يتصدق وهو غنى وهذا أيضا يعتمد على قوة الارتباط بالله وثقتك فيما عنده ويقينك بالعوض وهوأيضا تكفير للسيئات
عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير
الحمد لله أنه فتح بابا للنساء ليكفرن عن ما يصدر منهن من غساءه فمن منا لم تخطىء يوما
وماتت رضى الله عنها لسنة عشرون من الهجرة
وانى لأعجب لحياتها التى ملئت بالبركة من أول يوم على نساء النبى بفرض الحجاب وعلى المسلمين بإلغاء التبنى الذى فيه تضييع للحقوق واختلاط للآنساب فسلام على من علمتنا التقوى والورع حتى آخر لحظة فى حياتها
- التصنيف: