قبل أن تقول

منذ يوم

صلاح الباطن وتقوى السرائر هي التي تُورِث التوفيق في النطق بالحق، لا مجرد غزارة العلم أو براعة الجواب، قال تعالى: ﴿ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}

حين يتربى القلب على مهابة الوحي، لا يُسرع إلى القول في دين الله، ولا يتسابق إلى منصة الفتيا، بل يتلبّس صاحبه بشعورٍ داخلي عميق: أن الكلمة في الدين ليست حروفًا تُنسج، بل شهادة تُكتب، وأن النطق في مسائل الشرع مقامٌ يتقدّمه طهور الباطن، ويصحبه صدق الوجهة، ويتبعه ميزان التقوى.

فالعقلاء لا يتقدّمون إلى مواطن الفتيا بمحض الفصاحة أو اتساع المدارك، بل يبحثون عن السكينة التي تُرافق أهل الصلاح، وقد كان الإمام أحمد –رحمه الله– حين سُئل عمّن يُسأل بعده، قال: “سل عبدالوهاب بن عبد الحكم”، فقيل له: إنه ليس واسع العلم، فقال: “إنه رجل صالح، مثله يُوفّق لإصابة الحق”. فإصابة الصواب ليست بنت القراءة وحدها، بل ثمرة استقامةٍ تُستنزل بها التوفيقات.

والرؤية القرآنية في هذا المقام أن صلاح الباطن وتقوى السرائر هي التي تُورِث التوفيق في النطق بالحق، لا مجرد غزارة العلم أو براعة الجواب، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢]. فالفقه – في حقيقته – ثمرة للورع، والتعليم من الله جزاء للتقوى، لا ذكاء يُدرك بالاجتهاد وحده.

والعبد أعرف الناس بنفسه، فإن علم منها خيانة خفية، أو ضعف يقين، أو انصراف قلب عن الله، فليُدرك أنه ليس في موضع يؤهّله لقولٍ يُبنى عليه دين، أو لرأيٍ تُستفتح به القلوب، فليعظّم مقام الكلام في الشرع، وليستكثر من الدعاء والخوف والسكوت، فإن سكوت المتردّد عبادة، وصمت الخائف من زلل نفسه فقه.

  • 1
  • 0
  • 60

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً