علة حديث الدواب مصيخة يوم الجمعة حين تصبح حتى تطلع الشمس
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقًا من الساعة إلا الجن والإنس» .
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقًا من الساعة إلا الجن والإنس» .
أخرجه الإمام مالك في الموطأ رقم (364) عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مرفوعًا، ورواه الإمام أحمد في مسنده (10303) وأبو داود في سننه (1046) كلاهما من طريق مالك، ورواه أحمد أيضًا في مسنده (7687) من طريق ابن جريج عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي عبد الله إسحاق عن أبي هريرة مرفوعًا، ورواه أحمد أيضًا (9896) من طريق شعبة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، ورواه النسائي (1430) من طريق بكر بن مضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعًا.
وهذا الحديث إسناده ظاهر الصحة؛ ولذا صححه ابن حبان في صحيحه (2770) و (2772) والحاكم في المستدرك (1035) وابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 399)، والألباني في إرواء الغليل (3/ 228) وفي صحيح الجامع (3334)، والوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (182)، وقال الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد (16/ 205): "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
قلت: وجدت لهذا الحديث علة، فقد رواه أحمد في مسنده (23791) من طريق قيس بن سعد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وفيه أن قائل هذا كعب الأحبار، قاله لأبي هريرة، ورواه عبد الغني المقدسي في كتاب الترغيب في الدعاء (42) من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وفيه أيضًا أن قائل هذا كعب لا أبو هريرة، وهذه علة تقدح في صحة هذا الحديث، فقد اختلف يزيد بن عبد الله بن الهاد وقيس بن سعد ومحمد بن إسحاق في رواية هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، فالراوي الأول جعل الحديث عن أبي هريرة مرفوعًا، والراويان الثاني والثالث جعلاه عن كعب الأحبار، ورواية محمد بن إسحاق رواها ابن خزيمة في صحيحه (1738) والحاكم في المستدرك (1031) في حديث طويل، ولم يسوقا متن الحديث كاملًا، وروى ابن خزيمة في صحيحه (1727) هذا الحديث من طريق روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: (ما من دابة لا تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين الجن والإنس)، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهذه الرواية تشهد لرواية ابن الهاد على رفع الحديث، لكن قد صح هذا الحديث من حديث ابن عباس، وفيه التصريح بأن قائل ذلك كعب لا أبو هريرة، قال عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (5558): عن الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اجتمع أبو هريرة وكعب، فقال كعب: (إذا كان يوم الجمعة فزعت السموات والأرض، والبر والبحر، والشجر والثرى، والماء والخلائق، كلها إلا ابن آدم والشيطان)، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن أبي شيبة (5512): حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال: (لم تطلع الشمس بيوم هو أعظم من الجمعة، إنها إذا طلعت فزع لها كل شيء، إلا الثقلان اللذان عليهما الحساب والعذاب)، وإسناده صحيح إن كان سمعه الأعمش من مجاهد، فهو مدلس وقد رواه بالعنعنة، ورواية ابن عباس صحيحة، وهي بمفردها ترجح أن الحديث من قول كعب الأحبار، ويؤيدها ما رواه ابن أبي شيبة عن كعب نفسه، وتقدم أن محمد بن قيس ومحمد بن إسحاق رويا الحديث عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن كعب من قوله، فتكون الرواية المشهورة التي رواها مالك في الموطأ مرفوعة معلة، هذا ما ظهر لي بعد جمع طرق الحديث، فإن كنت أصبتُ فمن الله الكريم المنان، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله أعلم.
واعلم أن الحديث الذي رواه مالك جاء في أوله: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه أُهبِط من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة)، وهذا اللفظ صحيح، قد رواه الإمام مسلم في صحيحه (854) من طريق ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها))، وأعرض مسلم عن رواية: (ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة)، مما يدل على أنه يرى عدم صحتها، ولزيادة الفائدة يُنظر كلام ابن خزيمة وتعليق الألباني عليه في صحيح ابن خزيمة (3/ 115) تحقيق الأعظمي، والله أعلم.
صنعاء - يوم الخميس 27 صفر 1447
- التصنيف: