لطيفتانِ في سورة الكهف

منذ 18 ساعة

الأولى: حكمة التَّقديم والتَّأخير في قوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب..}، اللطيفة الثانية: في الحكمة من التعبير بلفظ الازدياد: {وازدادوا تسعًا}

⏺اللطيفة الأولى:  
في حكمة التَّقديم والتَّأخير في قوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيّمًا لينذر بأسا شديدا من لدُنه...} [الكهف: ١-٢].

🔸قال أبو الرَّبيع الطوفي الحنبلي (ت ٧١٦ هـ) رحمه الله:
«قوله عز وجل: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيّمًا لينذر بأسا شديدا من لدنه...} هذا من باب التقديم والتأخير، وتقديره: أنزل الكتابَ قيِّمًا، ولم يجعل له عوجًا.

«فإن قلتَ: ما الحكمة في تقديم نفي العوج عنه على إثبات الاستقامة له؟
فالجواب: أنّ العوج من قبيل الشرّ والنقص، والاستقامة من قبيل الخير والكمال، ودفعُ الشرور والنقائص أهمُّ في الحكمة من جلب الخيرات والكمالات، على ما لا يخفى طبعا وعادة.
ولهذا -والله عز وجل أعلم- قال: {فمن زُحزِح عن النّار وأدخل الجنّة فقد فاز} [آل عمران: ١٨٥] بدأ بدفع الشر، وهو النار، ثم ثنَّى بحصول الخير، وهو الجنّة.
وتحقيق ذلك: أنّ كل ذات فلها ثلاثة أحوال:
- حالُ نقصٍ.
- وتمامٍ.
- وكمالٍ، وهو فوق التمام.
وإنّما يلحقها العيبُ في حالة النَّقص دون الحالتين الأخريين؛ فكان الاهتمامُ بصيانتها من الجهة التي يلحقها النّقصُ منها مُتعيِّنًا، والله أعلم بالصواب». -«قاعدة في علم الكتاب والسُّنّة» (ص٥٤). 
                     
 

- اللطيفة الثانية: في الحكمة من التعبير بلفظ الازدياد: {وازدادوا تسعًا} في قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاثَ مئةٍ سنينَ وازدادوا تسعًا} [الكهف: ٢٥] ومعها قصة هدايةِ مجوسيٍّ بسبب علمه بالحكمة! 

🔸قال أبو الحسن ابن سراقة العامريُّ الشافعي (ت ٤١٠ هـ) رحمه الله:
«ولقد حكى لي بعض أصحابي:
 أنّ مجوسيًّا سأل بعضَ شيوخنا عن معنى قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مئةٍ سنين وازدادوا تسعًا} [الكهف: ٢٥] ، والزيادة ليست إليهم، وكيف جاز للحكيم أن يقول ذلك وهو غيرُ شاكٍّ، ولا مُستدرِكٍ لإغفال، وإلا قال: ثلاث مئة وتسع سنين؟
فقال له: إنّ اليهودَ سألوا النّبيّ ﷺ عن مدّة لُبث أهل الكهف في كهفهم إلى أنْ بُعِثوا وعُثِر عليهم، ومن شأن اليهود أنهم يحسُبون الزمان بالسّنين الشمسيّة، التي تكون السنّةُ فيها ثلاثَ مئةٍ وخمسةً وستّين يومًا، وربع يوم.
فأجابهم النّبيُّ ﷺ بما عرفوه من سِنيّهم، وألِفوه من حسابهم؛ لتقع لهم الفائدة في جواب سؤالهم؛ بقوله: {ثلاث مئة سنين}، فهذا الجواب كافٍ لهم، وعلم سبحانه أنّ العرب تحمل ذلك على ما تعرفه من السنين القمريّة المختصّة بالأهلّة، وهي: ثلاث مئة وأربعة وخمسون يوما، وخمس يومٍ، وسدس يوم، وكان ما بين السّنين: في ثلاث مئة سنة تسع سنين، فقال: {وازدادوا تسعًا} يعني: زيادة السنين القمرية على الشمسية؛ ليعلم العربُ أنّ ذلك لسِنيِّها: ثلاثُ مئةٍ وتسعُ سنين، ولسِنيِّ اليهود: ثلاثُ مئةِ سنةٍ؛ سواءً، ولو قال: ثلاث مئة وتسع سنين؛ لحملت كل طائفة ذلك على سنيِّها، وذلك متفاوت، فهذا وجه الحكمة فيه.
فقال له المجوسيُّ: فهل من برهانٍ على ذلك أنّ الله سبحانه أراد هذا؟
قال: فدعا بلَوْحٍ ومِيل، وكتب عليه، وضرب وقسم، فخرج ذلك صحيحًا؛ فقيل لي: إنّ المجوسيَّ أسلم عند ذلك على يده، لمّا ظهر له هذه المعجزة الظاهرة في هذه الآية!». 
📕«إعجاز القرآن» (ص٦٧- ٦٨).

__________________________________________
المصدر: قناة مِهاد الأُصُول

  • 1
  • 0
  • 259

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً