الدنيا والمال في الإسلام

منذ 11 ساعة

تعددت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحذر الإنسان من حب الدنيا والتكالب عليها والتصارع من أجلها  بكل ما فيها

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تعددت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحذر الإنسان من حب الدنيا والتكالب عليها والتصارع من أجلها  بكل ما فيها ولكل ما بها من نعم و متع ومشتهيات. وأكثر القرآن مشتمل على ذم الدنيا وصرف الخلق عنها ودعوتهم للآخرة بل هو مقصود الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم يبعثوا إلا لذلك. قال عليه الصلاة والسلام محذرا من حب الدنيا والانشغال بها ( حب الدنيا رأس كل خطيئة )....(1) وقال ( لا تشغلوا قلوبكم بذكر الدنيا )....(2) فنهى عن ذكرها فضلا عن أصابة عينها كما روى عنه أنه قال ( « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها » )....(3) وقال صلى الله عليه وسلم ( « إن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له وعليها يعادى من لا علم له وعليها يحسد من لا فقه له ولها يسعى من لا يقين له» )....(4) وقال عيسى عليه السلام ( لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد ) وقيل لعيسي عليه السلام: علمنا علما واحدا يحبنا الله عليه، قال: ابغضوا الدنيا يحبكم الله تعالى. كما قال عليه السلام: لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم عبيدا كنزوا كنزكم عند من لا يضيعه فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة وصاحب كنز الله لا يخاف عليه الآفة. وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى لا تركنن إلى الدنيا فلن تأتينني بكبيرة هي أشد منها. وقال لقمان لابنه: بابني بع دنياك بأخرتك تربحهما جميعا ولا تبع أخرتك بدنياك تخسرهما جميعا. وقال علي كرم الله وجه: الدنيا والآخرة ضرتان فبقدر ما ترضي إحداهما تسخط الأخرى. كما قال: من جمع فيه ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ولا عن النار مهربا أولها من عرف الله وأطاعه وعرف الشيطان فعصاه وعرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاتقاه وعرف الدنيا فرفضها وعرف الآخرة فطلبها.

وقال الحسن رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه ومن نافسك في دنياك فالقها في نحره. كما قال: والله لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت ذهبت إلى ذا أو ذهبت إلى ذا ؟ وقال أيضا: والله لقد عبدت بنو إسرائيل الأصنام بعد عبادتهم الرحمن بحبهم الدنيا. وقال أيضا بعد أن تلا قوله تعالى { ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا )} [سورة فاطر آية 5] من قال ذا؟ قاله من خلقها ومن هو أعلم بها. إياكم وما شغل الدنيا فإن الدنيا كثيرة الأشغال لا يفتح رجل على نفسه باب شغل ألا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشره أبواب....(5)  

كما بينت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إن السعي للآخرة لا يحرم المرء من لذائذ الدنيا الطيبة إنما يمد البصر إلى آفاق أعلى فلا يكون المتاع في هذه الأرض هو الهدف والغاية كالذين لا ينطلقون إلى أبعد من هذه الأرض بوحلها ودنسها ورجسها ويستمتعون فيها كالأنعام ويستسلمون فيها للشهوات والنزوات ويرتكبون في سبيل تحقيق اللذة الأرضية ما يؤدى بهم إلى جهنم ومن أراد أن يعيش لهذه الدنيا وحدها فان الله يعجل له حظه في الدنيا حيث يشاء ومن أراد الآخرة لابد أن يسعى لها سعيها فيؤدى تكاليفها وينهض بتبعياتها ويقيم سعيه فيها على الإيمان، قال تعالى في سورة النازعات آية 34-41 {( فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعي وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغي وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )} وأما من آثر الدنيا على الآخرة ابتلاه الله بثلاث هما لا يفارق قلبه وفقرا لا يستغني أبدا وحرصا لا يشبع أبدا....(6)

والمال جزء من كل ما تشتمل عليه الدنيا وما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء بل هو أحد أهم أركان ومقومات الدنيا إذ به تباع السلع والخدمات وبه يتيسر الحصول على كل ما في هذه الدنيا من نعم ومتع ومشتهيات أو غيرهم من مستلزمات الترف والتنعم بالحياة. ولذا ينظر الإسلام إلى المال على إنه قوام للحياة حيث يتم به تبادل المنافع والمصالح والخدمات والحاجيات، قال تعالى في سورة النساء آية 5 {( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } )....(7)

وقد زين للناس حب المال والحرص على جمعه حتى ينشغلوا في طلبه وتنميته وبالتالي تعمير الأرض، قال تعالى في سورة آل عمران آية 14 {( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب )}   وقال تعالى في سورة الكهف آية 46 { ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا )} والمال ليس غاية في ذاته، والمسلم إذا كان مكلفا بطلب المال وتنميته فهو لا يطلبه لذاته وإنما يطلبه للاستعانة به على عبادة الله وذكره والتحدث بفضله ونعمه قال تعالى في سورة القصص آية 77 {( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة )} وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام « ( نعم العون على تقوى الله المال )» [أخرجه السيوطي في الجامع الصغير] . وحتى لا ينشغل الناس في جمع المال عن الغاية المطلوبة من جمعه لأن الرغبة في جمع المال ليس لها حد تنتهي إليه فالغني تواق إلى ازدياد الغنى والذي يمتلك عشرات الألوف يطمع في أن يمتلك مئات الألوف لان المال كالبحر المالح كلما ازداد الفرد منه شرابا كلما ازداد عطشا أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغي لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) متفق عليه من حديث ابن عباس وأنس. وإذا ما أرخى الإنسان لنفسه عنانها واعتقد الناس أن الغنى الحقيقي سبيله القناطير المقنطرة من الذهب والفضة تهالكوا على المال وتهافتوا على جمعه فصارت الحياة مادية وضعفت القيم الخلقية واضطربت أحوال الجماعات وتفشى الشر وحرص كل فرد أن يحرز المال ولو من طريق غير مشروع فنجم عن ذلك كله أثره وشح وبعد عن البذل في سبيل الخير ولذلك قال تعالى محذرا ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) سورة المنافقون آية 9 وقال الرسول عليه الصلاة والسلام ( ليس الغنى من كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس ) متفق عليه، والمراد بغنى النفس أن يقنع الإنسان بما رزقه الله ويرضى بما يكسبه من جهده وكده  ويعرف أن سعادة النفس فوق كثرة المال فينظر إليه على إنه وسيلة لا غاية للوصول إلى مرضاة الله وعبادته ....(8) وقال الحسن: والله ما أعز الدرهم أحد إلا أذله الله. وقيل أن أول ما ضرب الدينار والدرهم رفعهما إبليس ثم وضعهما على جبهته ثم قبلهما وقال من أحبكما فهو عبدي حقا.

وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الرزق الحقيقي للفرد من كل ما جمعه من مال كثر أم قل، قال عليه الصلاة والسلام ( يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث ما  أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأقنى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس ) رواه مسلم من حديث أبى هريرة. وقال صلى الله عليه وسلم «( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ ) قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب اليه. قال ( فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر ) » [رواه البخاري والنسائي عن ابن مسعود] ....(9) وقال المصطفي عليه الصلاة والسلام ( كل شئ فضل عن ظل بيت وكسر خبز وثوب يوارى عورة ابن آدم فليس لابن آدم  فيه حق ) ولنتأمل حديثا شريفا سجله الطبراني فقد روى عن ثوبان رضي الله عنه إنه قال: قلت يا رسول الله ما يكفيني من الدنيا؟ قال عليه الصلاة والسلام ( ما سد جوعتك ووارى عوراتك وأن كان لك بيت يظلك فذاك وأن كانت لك دابة فبخ ) هنا يقول نبي الإسلام: يكفيك من الدنيا طعامك وشرابك ولباسك ولا بأس من امتلاكك بيتا أما إن كانت لك دابة فهذا أمر يزيد عن الحاجة الضرورية للحياة، ذلك أن بخ التي وصف بها الرسول عليه الصلاة والسلام امتلاك الإنسان لدابة كلمة تقال عند مدح شئ فيه تزيد فوجئ به الإنسان وأراد الإعلان عن تعجبه له مع رضاه منه....(1.)

والإنسان سيستوفي رزقه الذي قضاه له الله في الدنيا كاملا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أيها الناس إن الغنى ليس عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس وأن الله يؤتي عبده ما كتب له من الرزق فاجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم ) رواه أبو يعلي سنده حسن وأوله متفق عليه. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه اجله ) رواه ابن حبان والبزار والطبراني ولفظه: إن الرزق ليطلب العبد اكثر مما يطلبه اجله. وعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «( لو فر أحدكم من رزقه لأدركه كما يدركه الموت )» رواه الطبراني في الأوسط والصغير بسند حسن....(11) فمن أصبح معافى في جسمه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها....(12)

كما ينظر الإسلام إلى ما بين أيدي البشر من مال وما خفي عنهم على أنه ملك لله عز وجل لأنه جل شأنه مالك كل شئ في السموات والأرض وما بينهما قال تعالى في سورة المائدة آية 17 {( ولله ملك السموات والأرض وما بينهما )} وأنه جل شأنه يملك كل هذا وحده دون أن يكون له في ملكه شريك من البشر أو من غير البشر قال تعالى في سورة الإسراء آية 111 { ( ولم يكن له شريك في الملك ).} ...(13) وأن مالكيه إنما هم مستخلفون من قبل الله تبارك وتعالى على تدبير جمعه وإحسان إنفاقه، قال تعالى في سورة الحديد آية 7 {( وأنفقوا  مما جعلكم مستخلفين فيه )} وهذا يدل على أن ما في أيدي البشر من مال ليس بأموالهم في الحقيقة وإنما هم فيه بمنزلة النواب والوكلاء ....(14) ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتصرف في جمع المال واستثماره وإنفاقه تبعا لهواه أو لقوانين ودساتير تخالف ما شرعه لنا المولى عز وجل في كتابه الكريم وسنة رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام .

الهوامش والمراجع

(1) أخرجه ابن أبى الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه من رواية الحسن مرسلا

(2) الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من طريق ابن أبى الدنيا من رواية محمد بن النضر الحارثي مرسلا

(3) أخرجه الترمذى وحسنه وابن ماجة من حديث أبى هريرة

(4) أخرجه أحمد  من حديث عائشة مقتصرا على هذا وعلى قوله ( ولها  يجمع من لا عقل له ) دون بقيته وزاد ابن أبى الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه ( ومال من لا مال له ) وإسناده جيد

(5) إحياء علوم الدين أبى حامد محمد الغزالي ج3 ص 19.- 198

(6) إحياء علوم الدين أبى حامد الغزالي ج4 ص2.7

(7) الحل الإسلامي فريضة وضرورة يوسف القرضاوى ص67

(8) فتاوى الشيخ كشك هموم المسلم اليومية عبد الحميد كشك ص175

(9) مشكله الفقر وكيف عالجها الإسلام يوسف القرضاوى ص12.

(1.) لا للفقر في ظل القرآن أحمد  سعيد ص158- 159

(11) مختصر الترغيب والترهيب الحافظ ابن حجر العسقلاني ص149  15.

(12) إحياء علوم الدين أبى حامد محمد الغزالي ج4 ص182

(13) الإسلام وأوضاعنا السياسية عبد القادر عوده ص36

(14) دين ودوله أحمد  محمد جمال ص333

بقلم أشرف شعبان أبو أحمد

6 شارع محمد مسعود وابور المياه الإسكندرية

  • 1
  • 0
  • 73

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً