يا دعاة التصوف هلموا لكلمة سواء
أخذ أقوام منا يستغيثون بالبدوي وابن عربي والحسين رضي الله عنه وغيرهم كثير، وصارت تبذل عند قبورهم النذور وتكتب الرسائل والشكاوى وتدس في أكناف القبور ويسألونهم الولد والرزق والنصر، ولأن سألت هؤلاء القوم من تعبدون لقالوا لك: الله وإنما هؤلاء شفعاؤنا عنده!
أحبتي ...
إنه من المسلّمات أن أمم الأرض كانت تعيش في غياهب الجاهلية قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وكان يسودهم قانون الغاب، وهواهم يحدد معالم دينهم، فعبدوا الحجر والشجر بل والنار والحيوان، لاسيما أمة العرب حيث كانت تعيش في أدنى درجات الحضارة وكانت من أكثر الأمم تخلفاً فكراً وسلوكاً، ولا أجد وصفاً لها أكثر مما وصفها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله للنجاشي "… أيها الملك كنا قوماً أهل الجاهلية نعبد الأصنام و نأكل الميتة و نأتي الفواحش و نقطع الأرحام و نسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف و كنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ".
فلما بعث النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم فتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً وأقام به الملّة العوجاء.
فرموه العرب قبل العجم عن قوس واحدة وتكاتفت الأيدي عليه، لأنه سفّه أحلامهم، وعاب آلهتهم ودعاهم لعبادة الله وحده، مع إقرار كفار قريش له بالله و بأنه عز وجل هو خالق السماوات والأرض، وأن تصريف الأكوان بيده لا بيد غيره، وأن أصنامهم لا تملك من ذلك شيئا {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} كما أنهم سلّموا بأن ملكوت السموات والأرض بل وكل شيء من أرزاق وأقوات وأمطار بيد الله وأنه عز وجل يجير من يشاء و يمنعه من أي ضُر فلا يصل أحد بضر لمن يجير الله عز وجل، كما أنهم أقرّوا بأن ليس ثمة في الكون من يستطيع أن يجير أو يمنع أحد يطلبه الله؛ لا أصنامهم ولا غيرها {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}.
وعللوا ما يصرفون لأصنامهم من استغاثة وتقربا بالنذور وغير ذلك إنما فقط لتشفع لهم عند الله وتقربهم له زلفى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، ومع هذا كله ما كان تأويلهم هذا في عبادتهم للأصنام أن يشفع لهم عند الله أو أن يكون كافيا ليحصن دماءهم وأموالهم .
فبدأ عقلاء القوم وأهل النزاهة والإنصاف يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون بقوله، حتى تآلفت عليه الأمم، ووحَد الله به الكلمة، واندثرت خلافات الجاهلية التي كانت بين العرب أمام نور الإسلام ومفاهيمه {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
فمضى الصحابة أولياء الله في نشر هذه الرسالة في أصقاع الأرض، مجاهدين بأموالهم وأنفسهم، ففتح الله لهم البلدان ومنها بلاد الشام، مهد الرسالات ومسكن الأنبياء ومأوى قبورهم، فلم يذكر التاريخ بسند صحيح أنهم طافوا بقبر من قبورهم أو استغاثوا بنبي منهم أو ولي أن ينصرهم أو يرزقهم، بل كان الله عز وجل ملاذهم في الملمات، وذكره ديدنهم عند التحام الصفوف، بل لم يكونوا حريصين على معرفة القبور وأصحابها ولم يذكر التاريخ ذلك عنهم.
فمضى عصرهم وتكالبت الفتن على المسلمين وظهرت معتقدات وأفكار بين الناس لاختلافات في ثقافات من دخل هذا الدين، فبدت ملامح جديدة تظهر على وجه إسلام كثير من الناس بمعتقدات لم تكن في العصر الأول!
وتكاثرت المذاهب والأفكار الخاطئة هنا وهناك وتفاوتت درجات انزلاق أقدام الثقات في هذه الانحرافات وأقصى ما يملكون من تعليل هذه الانحرافات هو التأويل لها حتى تنصهر في قالب إسلامي! وزادت درجة زاوية الانحراف وزاد معها التوسع في التأويل لتصحيحها حتى عدنا من حيث بدأنا!
فأخذ أقوام منا يستغيثون بالبدوي وابن عربي والحسين رضي الله عنه وغيرهم كثير، وصارت تبذل عند قبورهم النذور وتكتب الرسائل والشكاوى وتدس في أكناف القبور ويسألونهم الولد والرزق والنصر، ولأن سألت هؤلاء القوم من تعبدون لقالوا لك: الله وإنما هؤلاء شفعاؤنا عنده!
فيا معاشر الصوفية تعالوا إلى كلمة سواء أن نفرد الله تعالى بالعبادة كما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنه وأن لا نستن إلا بهداهم؛ فلا يستغاث إلا بالله ولا يسأل إلا هو، ونرجع للعهد القديم فإن وجدنا في هديهم غير ذلك وصح عنهم بآية محكمة أو بسنة ماضية صحيحة اتبعناها.
وإن لم نجد فصفقتنا مع الله رابحة وعذرنا يوم القيامة قائم، فجميعنا يقرّ بأنه لولا كتاب الله تعالى وسنة محمد صلى الله عليه وسلم لما عرفناه حق معرفته فلِمَ نرتجي اليوم الهَدْيَ من غير هذين الأصلين، ونتبع قوما قد انحرفوا عن الطريقة الأولى مع إقرارنا بأنهم غير معصومين ونتذرع بالتأويل لهم وبما لا يصح من آثار.
فكم هو جميل أن نتبع الهَدْيَ الأول وطريقتهم في إخلاص العبادة لله وأن نترك خطأ من أخطأ الجادة، وأن ندعو لمن أخطأ بما قال ربنا {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
أحبتي ...
هذه دعوة محب لكم، رأى الحق وتمسك بالهَدْيَ العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أن نجعل كتاب الله تعالى وسنة نبيه سبيلنا وأن نتلمس ونتمثل بهَدْي الصحابة رضي الله عنهم في فهم هذين الأصلين العظيمين، وأيما عبادة لم يتلبس بها الصحابة رضي الله عنهم، نكون أول النابذين لها لأنهم عاشروا وتعلموا ممن أرسله الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور، فإن طلبنا الهدى بغير ما كانوا عليه ضللنا.
هذا والله من وراء القصد..
تركي العبدلي
- التصنيف: