غربة نوح

منذ 6 ساعات

عند ذكر قصة نوح عليه السلام، نستشهد دائما في بيان صبره وعظم مجاهدته لقومه بالمدة التي لبثها، وهي ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولا أشك أنها منقبة عظيمة، تتقازم العبارات عند وصفها ووصف طولها، ولذلك مدحه الله تعالى بها.

عند ذكر قصة نوح عليه السلام، نستشهد دائما في بيان صبره وعظم مجاهدته لقومه بالمدة التي لبثها، وهي ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولا أشك أنها منقبة عظيمة، تتقازم العبارات عند وصفها ووصف طولها، ولذلك مدحه الله تعالى بها.

وإنما لفت نظري أمر آخر في قصة نوح، أراه لا يقل عبرة في هذه القصة عن لُبثه هذه المدة الطويلة، ففي سياقات قصص الأنبياء -عليهم السلام- جميعًا يُذكّر اللهُ النبي الكريم -أي نبي- بحال الأنبياء الذين سبقوه، وعظيم صبرهم وتضحيتهم، ويذكّرُ الأقوام بحال المكذبين قبلهم وما حلَّ بهم من النقمة والعذاب؛ فتكون تسلية وتثبيتا للنبي، وتخويفا وتهديدا للملأ المكذبين.

إلا نوح -عليه السلام- وقومه، فإنه في المواضع التي ذكرت فيها قصته، لم يأتِ فيها ذكر ذلك إطلاقًا، وذلك لأنها كانت هي التجربة الدعوية الأولى، وكان كفر هؤلاء أول كفر يقع من البشرية على وجه الأرض، ونوح أول رسول يُبعث من عند الله تعالى.

روى ابن حِبَّان -في صحيحه- من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- لما سأل النبي ﷺ عن آدم أنبي هو؟ قال: «نعم، مُكلَّم». قال: كم كان بينه وبين نوح؟ قال: «عشرة قرون». وروى الحاكم بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون. وفي رواية: كلهم على الإسلام.

وقال ابن جرير: وقد رُوي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على ملة الحق، وأن الكفر بالله إنما حدث في القرن الذي بعث فيه نوح عليه السلام، وقالوا: إن أول نبي أرسله الله إلى قوم بالإنذار والدعاء إلى توحيده نوح عليه السلام. [تاريخ الرسل والملوك (١/ ١٧٨)]

هذا نوع من الغربة عجيب، عاشه نبي الله نوح عليه السلام، وأحسب أنه لم يعشه غيره، ولذلك تقرأ في قصص الأنبياء في سورة الأعراف -مثلا- فلا تجد في قصة نوح هذا الأمر، ثم بعدها مباشرة تقرأ قصة عاد، فتجد نبي الله هودًا عليه السلام يقول لقومه: {وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ وَزادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُروا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ}، وقول نبي الله صالح عليه السلام: {وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ}...

استشعار الداعية بأنه يسير في طريق مسلوكة، يخفف عنه وحشة الطريق، ويتسلى فيه بذكر رفقاء الدرب، ويعتبر فيه بأحوال الناس وتجاربهم، ويستطيع الإفادة منها، وجعلها مادة ومضمونا دعويا يعتبر به هو ومن يدعوهم.

قال الله تعالى: {وَقَومَ نوحٍ مِن قَبلُ إِنَّهُم كانوا هُم أَظلَمَ وَأَطغى}، قال ابن عطية: كانوا أول أمة كذبت من أهل الأرض، و(نوح) أول الرسل، وجعلهم (أظلم وأطغى)؛ لأنهم سبقوا إلى التكذيب دون اقتداء بأحد قبلهم.

سلامٌ على نوح في العالمين 

______________________________________

الكاتب: فيصل بن تركي

  • 0
  • 0
  • 51

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً