لماذا يتتبعون الخطايا؟!

منذ 4 ساعات

السلوك البشري، وإن ارتقى صاحبه في مدارج العلم، أو سما في مراتب التقى، لا ينفك عن النقص والخلل، ولا يبرأ من الخطأ والزلل.

السلوك البشري، وإن ارتقى صاحبه في مدارج العلم، أو سما في مراتب التقى، لا ينفك عن النقص والخلل، ولا يبرأ من الخطأ والزلل.

فذاك طابع البشرية وعنوانها الملازم وبصمتها التي لا تنفك عنها، فلا خلاص لأحد منها بحال. وفي ذلك يقول الخالق العليم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، ومن منا لم يصب بمصيبة، ويقول من قوله وحي يوحى ﷺ: «كل بني آدم يخطئ بالليل والنهار ثم يستغفرني فأغفر له ولا أبالي»، وفي رواية: قال ﷺ: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».

فالخطأ قدر محتوم، يشترك فيه الفرد والجماعة، ولا ينجو منه أحد. لكنّ العقلاء لم يجعلوا من الزلات سوقًا للتشهير، ولا من الهفوات مادةً للتندر أو معولًا للهدم والإسقاط، وإنما نظروا إليها بعين النصح والشفقة: يحذّرون من الباطل متى ظهر، وينبهون على النقص متى انكشف، طلبًا لتكميل صاحبه أو صيانةً للحق من الالتباس، أو إقامةً للحجة على من عاند واستكبر. وبهذا باينوا بين ذكر الزلة لغرض صحيح، وبين الخوض في الغيبة وإشاعة الباطل بغير وجه حق.

ولهذا كان نهج العلماء الأتقياء ومسلك العبّاد الأصفياء قائمًا على التذكير بالفضائل، وإشاعة المحاسن، والدلالة على الخير، مع بُعدٍ عن التعصيم والتقديس. فالعاقل يفرح بالبر والإحسان حيثما كان، ويدعو إلى الاقتداء به، ويغتبط بمحاسن إخوانه، ولا يجعل من الهفوات القليلة سُلّمًا لمحق الرصيد الكبير من الخير والعطاء.

لكنّ واقع بعض المنتسبين إلى الدعوة اليوم يكشف عن نزعة مَرَضية خطيرة؛ إذ انشغلوا بتتبع زلات العلماء، والتنقيب عن عثرات الدعاة، وجعلوا من كلمة شاردة أو موقف عارض سيفًا قاطعًا للطعن والتشويه. بل تجاوز الأمر ببعضهم أن ينسب خطأ فرد إلى جماعة بأكملها، فيسقطها من أصلها، مع غض الطرف عن جهودها المباركة وأعمالها المشكورة التي لا يجحدها إلا مكابر. وهذا عين الظلم ومن منابع الجور، وفيه مصادمة بينة لصريح العقل ومقتضى الشرع.

وتتفاقم الكارثة حين تتحول هذه النزعة إلى ثقافة سائدة بين الجماعات الدعوية، فلا ترى كل جماعة من الأخرى إلا المساوئ، بينما تصغّر من زلاتها هي وتلتمس لأتباعها الأعذار ولو عظمت. متناسيةً أن تغييب المعايب لا يرفع من القدر، وأن تضخيم المحاسن لا يحط من المنزلة.

فرحم الله عبدًا حذر أن يكون أداةً للفرقة، أو لسانًا للشيطان، يشيع الباطل، ويطعن في الصالحين، ويفرّق بين المسلمين، ويطفئ أنوار الخير ظلمًا أو هوى. وليكن همّنا أن نُظهر الحسن ليُقتدى به، ونُصلح الخلل ليُتجاوز، ونكون ممن ينصر الحق حيث كان، ويفرح به حيث ظهر، ويشيعه بكل سبيل، ويعالج النقص برفقٍ وحكمة ولين.
جنبنا الله الزلل، وألهمنا رشد القول وصلاح العمل، ووفقنا إلى سواء السبيل.
والله الهادي.
 

  • 1
  • 0
  • 42

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً