الإسلاميون في تونس ومصر وليبيا.. هل من تحالف؟
من بين الدول العربية التي تعرض فيها الإسلاميون إلى قدر كبير من التنكيل والاضطهاد، تأتي تلك الدول التي نجحت فيها ثوراتها تباعا، تونس ومصر وليبيا، وهى الدول التي تجمعها حدود جغرافية، تجعلها من الوحدة أسهل من غيرها بمكان.
من بين الدول العربية التي تعرض فيها الإسلاميون إلى قدر كبير من التنكيل والاضطهاد، تأتي تلك الدول التي نجحت فيها ثوراتها تباعا، تونس ومصر وليبيا، وهى الدول التي تجمعها حدود جغرافية، تجعلها من الوحدة أسهل من غيرها بمكان.
ليس فقط الوحدة الجغرافية، التي يمكن أن تكون عاملا مساعدا على ذلك، ولكن الوحدة السياسية أيضا، والتي من الممكن أن يحظى تفعليها بركيزة رئيسة تجاه وحدة سياسية عربية، يمكن أن تقود إلى وحدة إسلامية، وعبثا أن يكون ذلك من وحي الخيال ، خاصة بعدما تحققت أحلام شعوب هذه الدول بإسقاط طواغيتها، وهو السقوط الذي كان يبدو أنه شكلا من أشكال الأحلام أو يزيد.
ومع نجاح ثورات الياسمين في تونس و25 يناير في مصر و17 فبراير في ليبيا، ووجود حركات وتيارات إسلامية على مختلف فصائلها بالدول الثلاث تشرأب للذود عن الإسلام، فإن هناك حديثا أصبح يتردد حول إمكانية إحداث تحالف بين هذه التيارات ، ليس هذا من قبيل المبالغة، ولكنه يمكن أن يكون واقعا على الأرض ، خاصة وأن الحملة العلمانية على الإسلاميين تكاد تكون واحدة في البلدان الثلاث ، وتستهدف الإسلاميين جميعا، والحيلولة دون اقترابهم من أي مقعد برلماني أو حكومي ، علاوة على أن المشتركات التي تجمع هذه التيارات الإسلامية يمكن أن تكون دافعا لمثل هذه التحالفات.
ومن هذه المشتركات التي تبدو واضحة بين تيارات إسلامية في الدول الثلاث ، نجد أن بعضها خرج من رحم تيار إسلامي واحد ، كما هو الحال في نشأة "حركة النهضة" في تونس ، والتي خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، خلال عقد الستينات الماضي، وإن كانت هذه "الحركة" قد طورت من آلياتها لاحقا لتؤكد أن "الإخوان" بالنسبة لها بمثابة مرجعية، علاوة على أن الجماعة الليبية المقاتلة ، والتي يتولى قادتها حاليا المجلس العسكري في طرابلس، والذي قاد تحرير العاصمة الليبية تأثر إلى حد كبير بأفكار جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، قبل أن تراجع هاتين الجماعتين من أفكارهما، لتصدرهما تاليا في مراجعات خرجت تباعا منذ العام 2000، وهو نفس ما فعلته الجماعة الليبية المقاتلة من مراجعات أصدرتها قبل عدة أعوام.
وعلى الرغم من النشأة التصاعدية المتأخرة للدعوات والحركات السلفية في تونس، إلا أنها تكاد تتشابه مع الدعوة السلفية في مصر ، ما يجعل هناك مشتركات بين كل هذه التيارات الإسلامية في "بلاد الثورات العربية"، الأمر الذي يجعلها أمام تحد حقيقي ينبغي أن تكون على مستواه، وهو أن يكون لها شكل من أشكال التوحد والتنسيق والتحالف المشترك، وهم ليسوا في ذلك أقل من حركة الليبراليين العرب، التي تعمل كل ما في وسعها لتحقيق التنسيق المشترك فيما بينها، وهدفها في ذلك بالأساس محاصرة التيار الإسلامي على مختلف فصائله بالدول العربية، وهو الشئ الذي تفعله أيضا الكثير من مثل هذه الاتجاهات البالية.
وعلاوة على ما يجمع التيارات الإسلامية المختلفة في تونس ومصر وليبيا من مشتركات فكرية وحركية وآليات عمل، فإن المشترك الأبرز فيما بينهم هو وحدة العقيدة، وأن هناك أمر قرآني بالتعاون على البر والتقوى، ليس موجها اليها وفقط، ولكنه موجه الى عموم المسلمين، ولكن ما دامت التيارات الإسلامية قد حملت على عاتقها لواء الدعوة إلى الله وتطبيق شريعته، فعليها أن تستعذب ما قد يواجهها، وتبحث في وسائل تمكينها، ليتحقق لها ذلك، خاصة وأن المرحلة الحالية تكاد تكون هى الأكثر إلحاحا للتعاون والتنسيق بين هذه التيارات، وعليها أن تنحي خلافاتها جانبا لتبدأ في بناء تحالف إسلامي، حتما يمكن أن يتحقق ، كما تحقق إسقاط الطغاة زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي.
والناظر لشعوب الدول الثلاث يجدها تواقة إلى الإسلام راغبة في التعرف على خصوصيات هذا الدين، والنهل من أوامره وتجنب نواهيه، فالقرآن الكريم يحفظه أكثر من مليون ليبي، من بين نحو 6 ملايين عدد سكان هذا البلد العربي المسلم، والذي لا يعرف شعبه المذاهب البالية كالشيعة أو النعرات الطائفية وغيرها، فجميعهم من أهل السنة.
والتونسيون تواقون إلى الإسلام والتمسك به ، ولا أدل على ذلك من سرعة إقدامهم على التعرف وفهم الإسلام، وهى الحالة التي ظهرت عقب سقوط البائد زين العابدين بن علي، بعدما حرمت التونسيات من الحجاب، والرجال هناك من الصلاة في المساجد، إلى غيرها من الانتهاكات التي كان يواجهها التونسيون في العهد الساقط، ولايسع السياق هنا لذكرها.
أما المصريون ، فالدين يتجذر في عروقهم، ولكنهم شغوفون أكثر إلى أن يعيشوا في كنف الإسلام، وهم كالشعبين الليبي والتونسي عانوا ردحا طويلا من الظلم والقهر، واستعداء الإسلام من جانب قوى استبدادية ظالمة، لا تزال بقاياها في الدول الثلاث تبحث عن أساليب جديدة لمنع صعود الإسلاميين، الأمر الذي يفرض على كافة التيارات الإسلامية أن تبحث في أمر توحدها سريعا، قبل أن يقطف غيرهم ما حصدوه من حرية، فيتجدد طاغية جديد، يستبيح كل شئ ليضمن بقائه في سدة الحكم ، كما فعل سابقوه.
وعلى الرغم من أن هذا أصبح من الصعوبة بمكان، بعد الصور التي ستظل محفورة في الأذهان كهرب بن علي وسجن مبارك وقتل القذافي ، إلا أن قوى اليسار لا تألوا جهدا حاليا لتشويه صورة الإسلاميين في هذه البلاد الثلاث ، وتعطيل ما قد تحصل عليه التيارات الإسلامية من مكاسب ، ليس هذا ترويجا للطمع في مناصب زائلة، بقدر ما هو دفاع عن الإسلام، انطلاقا من واجب نصرته والدفاع عنه.
ولاشك أنه وقت أن يجلس الإسلاميون في "بلاد الربيع العربي" على طاولة الحوار ، فإن الأمر سيولد حالة من التحرك للدفاع عن "الثورات"، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلاميين، والتي بات يروجها الإعلام الذي يسعى لإثارة الفتنة ونعرات الجاهلية الجديدة.
علا محمود سامي - 7/12/1432 هـ
- التصنيف:
- المصدر: