تقسيم الأعمال والمشاريع

منذ 9 ساعات

والإنجازات الصغيرة إذا تكررت دفعت صاحبها إلى الالتزام بالخطة أكثر، فإن للإنجاز لذة توقد الحماسة، فيرى صاحب المشروع أنه ينتقل من مرحلة إلى أخرى.

إن كل يوم تصبح فيه، ينبغي أن تراه فرصة لمشروع الصلاح والإصلاح.
وإذا كان أهل المشاريع الاستثمارية يخطون الخطط المستقبلية لمشاريعهم، ويضعون مؤشرات القياس، فصاحب الدعوة والإصلاح حري أن يضع له خطة لمشروعه، وأن يكتبها بمراحلها وتواريخها، ثم يقيس التزامه بها.

إن من بدهيات سلوك الإنسان، البداية بالصغير، ولكن العقل تعزب عنه أحيانا بدهياته، ويحتاج إلى التذكير بها!

ولتكن مشاريع المصلح مقسّمة على أجزاء يأخذها مع مضي الليل والنهار، وفي الصحيحين: «ﺃﺣﺐ اﻷﻋﻤﺎﻝ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ أدومها ﻭﺇﻥ ﻗﻞ».
وتقسيم الأعمال والمشاريع على الأيام طريقة المجربين العقلاء.
ثم يتدرج فيكبر مشروعه مع الأيام، وتأمّل كيف أنّ الله جل في علاه، جعل كتابه مقسما على الآيات والسور، فيقرؤه القارئ ويتفهمه على مكث.

فالبشر يميلون إلى الالتزام أكثر في المهام الصغيرة المتدرجة.
ولذا يقسم العلماء كتبهم إلى أبواب وفصول، حتى لا تستكبر النفس الكتاب ابتداء، فيثقل عليها الأخذ به.
ففي علم النفس المعرفي إن تجزئة العلم وتقسيم المعرفة وتجميع العناصر الصغيرة إلى وحدات أكبر يسهل تذكّرها ومعالجتها. 
ويقلّل الحِمل المعرفي على الذاكرة، فتصبح المعارف والمحفوظات الكبيرة أقل عبئًا عند التحصيل، والمعلومات الممتدة أسهل تذكرًا عند المراجعة.
وقد قال البخاري كما في صحيحه: "الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره".

والإنجازات الصغيرة إذا تكررت دفعت صاحبها إلى الالتزام بالخطة أكثر، فإن للإنجاز لذة توقد الحماسة، فيرى صاحب المشروع أنه ينتقل من مرحلة إلى أخرى.

ولهذا ففي علاج الإدمان تكون التدخلات السلوكية على مراحل صغيرة ليكون تأثيرها أكبر، كالتعرض التدريجي، فيُعرّض الشخص تدريجيا لمثيرات الإدمان أو السلوك المرتبط به بأسلوب مراقب، فيكون أقرب للتخلص من إدمانه.

وقد كان الاستثماريون يوصون: ابدأ صغيرًا!

والمصلح الصالح يصبح وله مشاريعه المبعضة على أبعاض يومه، فله برنامجه العلمي في تخصصه يأخذه مجزأ مفرقا على أيام خطته.
وله خيارات دعوية يتعبد لله بأنفعها للناس وأزكاها لقلبه.
وله سلوك دائم في التأثير الكريم على الخلق، فيصطنع المعروف فيهم، ويخفف آلامهم، ويجعل له في كل شخص يلقاه مشروعًا! بالتعاون على الطاعة أو نصحه أو تطوير مهاراته، أو أي وجه من وجوه النفع.

وفي تهذيب النفوس، حين يلتزم المتزكي بتهذيب نفسه بترك النقائص شيئًا فشيئًا، يسهل عليه رفضها والتحلل منها، بخلاف لو أقبل على قمعها مرة واحدة، فقد لا تقوى نفسه لمثل هذه الرتبة.
والله أعلم.

______________________________________
الكاتب: د. محمد آل رميح

  • 1
  • 0
  • 50

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً