البشرى للمؤمنين

منذ 3 ساعات

أيها المؤمنون، قد يُصاب المؤمن بالبلايا والرزايا والأمراض والأوبئة، لكن حياته هي الحياة السعيدة التي لا يعدلها سعادة، وكيف لا يكون سعيدًا مطمئنَّ القلب وقلبه متصلٌ بربه وخالقه؟!

أيها المؤمنون، قد بُعِثَ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرًا ونذيرًا، فقد قال سبحانه جل جلاله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

 

فرسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم جاء مبشرًا: مبشرًا بالخير كُل الخير، مبشرًا بالنصر والتمكين، ومبشرًا بالسعادة في الدارين، ومبشرًا بغفران الذنوب والمعاصي مهما عظمت ومهما كثرت، ومبشرًا بالراحة والطمأنينة، ومبشرًا بالأجور العظيمة والحسنات المضاعفة، ومبشرًا بعفو الله وغفرانه ورضوانه ورحمته، ومبشرًا بجنة عرضها السموات والأرضين، بجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أُذُن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومبشرًا بنعيم مقيم، ومبشرًا بجَنَّاتٍ {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25]، ومبشرًا باليُسْر بعد العُسْر، ومبشرًا بالفرج بعد الشدة، ومبشرًا بشريعةٍ وسطيةٍ لا تعسفٍ فيها ولا رهبانية.

 

وحين تأتي البشرى بأمر من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشر العباد فلك أن يفوق تصور هذه البشريات ما تلمسه أو تحس به أو حتى تدركه سواء في الدنيا أو في الآخرة، فهنيئًا لمن اتَّصَف بصفات المبشرين، ويا لحلاوة عيش من تمثلها ليغدق له بالنعيم في الدنيا قبل الآخرة!

 

أيها المؤمنون، قد يُصاب المؤمن بالبلايا والرزايا والأمراض والأوبئة، لكن حياته هي الحياة السعيدة التي لا يعدلها سعادة، وكيف لا يكون سعيدًا مطمئنَّ القلب وقلبه متصلٌ بربه وخالقه؟! وكيف لا يكون مرتاحًا والله هو الفارج للكربات، وقاضي الحاجات، ومجيبُ الدعوات، وأمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون؟!

 

أيها المبشرون، إن الله عز وجل أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يبشر عباده المؤمنين الذي آمنوا بالله وحده، وأنابوا إليه سبحانه جل في علاه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 47]، وإذا كان الفضل من الله العظيم الجليل كبيرًا فلا يقَدرُ قَدْره، من النصر في الدنيا، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدَّارَّة، وحصول النعم السارَّة، والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه، ولكم أن تستبشروا ببُشْرى الله لمن يحوز الفضل الكبير؛ حيث قال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى: 22].

 

فأوصيكم يا عباد الله بوصية الله لكم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]، وقال عز مِن قائلٍ حكيم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 63، 64]، وقال سبحانه وهو المنعم المتفضل: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2]؛ أي: السعادة والأجر الحسن بما قدموا من أعمالٍ صالحةٍ، فمن يؤمن بربِّه حقَّ الإيمان لا بد أن يسابق إلى ربِّه عز وجل بالأعمال الصالحة، ألم يقل الله عز وجل: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]، فالمؤمنون حقًّا هم الذين يبادرون بالعمل الصالح، فتكون لهم البُشْرى أيضًا، {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25]، نسأل الله من فضله الكبير.

 

أيها المؤمنون، قد أمر الله نبيَّه سبحانه وتعالى: أن يبشر المحسنين، فقال سبحانه وتعالى: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37]، والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، الإحسان أن تحسن إلى من أمرك الله بالإحسان إليه، وأعظم ذلك الإحسان إلى الوالدين، فأحسنوا يا عباد الله في تعاملكم مع ربكم، وأحسنوا في التعامل مع الناس، لكم البشرى من رب كريم جواد محسن سبحانه تعالى وتقدس.

 

أيها المؤمنون، قد أمر الله نبيَّه سبحانه وتعالى أن يبشر المخبتين، فقال سبحانه وتعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34]، أتعلمون من هم المخبتون يا عباد الله؟ قد يخطر في بالك أن المخبتين هم المستسلمون لله، هم المتواضعون، هم الخاشعون، هم المخلصون، هم الرقيقةُ قلوبهم، هم المطمئنون، هم الذين لا يَظْلِمون وإذا ظُلِموا لم ينتصروا، كل ذلك صحيحٌ، لكن الله وصف المخبتين بوصف جلي، فقال سبحانه جل جلاله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 34، 35]، فالمخبتون هم الخائفون من الله، والصابرون على البلاء، وهم للصلاة قائمون، وللزكاة مؤدون.

 

أيها المؤمنون، هذه الدنيا التي نعيشها يغمرها ولا شك من البلاء واللَّأْواء والأمراض والأسقام والمصائب والوباء والمحن وضيق العيش والنكبات والفتن ما يشيبُ به الرأس، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]، ولكن يا لبشرى للصابرين وأي بشرى! فقد أمر الله سبحانه نبيَّه أن يبشر الصابرين، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].

 

نسأل الله عز وجل أن نحوز بشرى المؤمنين الذين يعملون الصالحات، المحسنين المخبتين الصابرين، إنه منعمٌ متفضلٌ سبحانه وتعالى جل جلاله، واعلموا عباد الله أن الصبر لا يصحبه جزعٌ ولا تسخُّط على قضاء الله وقدره.

 

أيها المؤمنون، بشِّر كل من استمع القول فاتبع أحسنه ببُشْرى الله لهم، حيث قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17، 18]،

 

أيها المؤمنون، وكما أمر الله نبيكم بتبليغكم البشارة، فقد بشركم نبيكم صلى الله عليه وسلم بتوبة الله على من تاب، وعفوه عمن أناب، وبأن الوضوء يحطُّ الخطايا، وأن الصلاة ورمضان والحج والعمرة كفَّارات لما بينها من الذنوب إلا الكبائر، وبشَّر من فقد عينيه بالجنة، وبشَّر من فقد ابنه ببيت في الجنة، وبشَّر من أصابه مرض بأنه يمحو الخطايا، وأن من أراد الله به خيرًا ابتلاه، وبشَّر من انتظر الصلاة أن الملائكة تصلي عليه وتدعو له ما لم يحدث، وبشَّر من سبح تسبيحةً واحدةً بغرس نخلة له في الجنة، وأن من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، وأن من أذنب ذنبًا ثم توضَّأ وصلَّى ركعتين واستغفر الله غفر الله له، وبشَّر أن من أصابه مرض أو وصَب أو نَصَب أو هَمٌّ أو غمٌّ أو حزنٌ حتى الشوكة يشاكها، جعلها الله كفَّارة له من الذنوب، وبشَّر بأن مع كل عسرٍ يسرين.

_____________________________________________
الكاتب: د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري

  • 1
  • 0
  • 47

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً